إسطنبول (زمان التركية) – في ظل الهدوء النسبي الذي تشهده الساحة التركية بانتهاء انتخابات المحليات التي أجريت في 31 مارس/ آذار و23 يونيو/ حزيران الماضي، بدأت الأنظار تتجه نحو البنك المركزي وقرارات رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الخاصة به.
أردوغان بدأ الضغط على محافظ البنك المركزي السابق مراد تشاتين قايا من أجل تخفيض سعر الفائدة، ومع إصرار تشاتين قايا على الإبقاء على سعر الفائدة، قرر أردوغان إقالته من منصبه، وتعيين مراد أويصال بدلًا منه محافظًا للبنك المركزي.
تعيين أويصال محافظًا للبنك المركزي تبعه عقد اجتماع لجنة السياسات المالية في 25 يوليو/ تموز الماضي، والتي أقرت تخفيض سعر الفائدة من 24% إلى 19.75% دفعة واحدة؛ بعدها وقَّع أويصال على قرار استبعاد عدد من قيادات البنك في خطوة غير مسبوقة.
كل هذه القرارات المثيرة تتزامن من قرار رئيس الجمهورية ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان الخاص بنقل البنك المركزي من العاصمة أنقرة إلى مدينة إسطنبول.
الخبراء والمحللون الاقتصاديون يؤكدون أن قرار إقالة محافظ البنك المركزي مراد تشاتين قايا في 6 يوليو/ تموز الماضي، تسبب في حالة من الارتباك داخل المؤسسة المصرفية الأكبر والأكثر حساسية في البلاد، مشيرين إلى أن أردوغان أصدر قرارًّا بتعيين مراد أويصال محافظًا للبنك، قائلًا له: “سنقوم بتخفيض الفائدة من 24% إلى 19.75%”، وقد وافق أويصال على المنصب بناءً على هذا العرض الذي شمل أيضًا تخفيضًا جديدًا للفائدة في سبتمبر/ أيلول المقبل بقيمة 17-18%.
المصادر المطلعة على كواليس البنك المركزي أكدت أن قرار المحافظ الجديد باستبعاد أربعة مدراء من المسؤولين رفيعي المستوى، تبعه تقديم عدد من المسؤولين استقالتهم، فضلًا عن انتقال عدد آخر للعمل في الجامعات أو في الشركات القابضة.
الخبراء أكدوا أن تدخل أردوغان السافر، بصفته رئيسًا للجمهورية يجمع جميع الصلاحيات في يده، يعتبر انقلابًا على سيادة واستقلالية البنك المركزي، مشددين على أن التدخل لن يقتصر على ذلك فقط وإنما هذه مجرد بداية فقط.
في تدخل جديد من أردوغان، أصدر قرارًا بنقل البنك المركزي من العاصمة أنقرة إلى إسطنبول، ولكنه أعلن أنه سيتم نقل بعض الإدارات فقط إلى إسطنبول، تجنبًا لتصاعد الانتقادات من الأحزاب السياسية والعاملين في البنك.
الكواليس الخاصة بالبنك تتحدث عن نقل نحو ألفين من العاملين في البنك إلى إسطنبول بغرض توفير النفقات؛ إذا كان الأمر كذلك لماذا إذًا لا يتم نقله إلى المبنى التاريخي في منطقة كاراكوي بإسطنبول، بدلًا من نقله إلى مقر جديد؟
كان من المقرر، حسب ما أعلنه أردوغان وحكومات حزب العدالة والتنمية في الكثير من المناسبات، أن تتحول إسطنبول إلى مركز مالي عالمي على غرار لندن ودبي وفرانكفورت، يرددون دائمًا منذ عام 2010 أن المشروع أوشك على الانتهاء، إلا أن هذا المشروع أصبح قصة فشل جديدة لنظام أردوغان.
استنادًا إلى تصريحات أردوغان ونظامه، بدأت شركات الإنشاءات بتشييد ناطحات السحاب في منطقة أتاشهير الواقعة في الشطر الأسيوي من إسطنبول لتكون قلبًا لإسطنبول (المركز المالي)، إلا أن أغلب هذه الشركات أصبحت متعثرة وعاجزة عن سداد مديونياتها التي حصلت عليها لتنفيذ هذا المشروع.
أردوغان يسعى من خلال خطوة نقل البنك المركزي إلى إسطنبول، إلى إعادة إحياء المشروع المصاب بالشلل، ليعيد جذب الاستثمارات مرة أخرى. وبحسب المخطط، من المقرر أن يقوم البنك المركزي باستئجار نحو نصف بنك “إيلار” المسؤول عن إقراض البلديات والهيئات الحكومية، على أن تقوم وزارة الخزانة والمالية باستئجار الجزء المتبقي.
المفاجئ في الأمر أن ملف مشروع المركز المالي لإسطنبول لا يحتوي على أي مكان أو مبنى خاص ببنك “إيلار”. البنك المذكور باع رجل الأعمال “أرمان إيليجاك” مالك شركة “Rönesans” التي تولت تشييد قصر أردوغان الفاره، قطعة أرض في منطقة كارتال، وفي المقابل منحه مناقصة إنشاء مبنى على مساحة 50 ألف متر مربع في قلب المركز المالي المزعوم.
بنك “إيلار” بعد أن أجّر المبنى الخاص به في إسطنبول، من المتوقع أن يحصل شهريًا على 35-40 مليون ليرة من البنك المركزي ومن وزارة الخزانة والمالية، على أن يتم تمويل بلديات حزب العدالة والتنمية الغارقة في الديون بهذه الأموال.
المثير في الأمر، أن القانون الخاص بتأسيس البنك المركزي التركي، ينص على أن يكون في عاصمة البلاد أنقرة؛ فضلًا عن أن البنك في جميع البلاد يوجد في العاصمة، باستثناء الهند فقط.
كان من المقرر أن تبدأ إسطنبول العمل كمركز مالي، اعتبارًا من عام 2016، كما يخطط أردوغان، إلا أن تاريخ البدء الفعلي للأعمال تم تأجيله إلى عام 2023.