أنماط متعددة للقتل نفذها إرهابيو داعش
بقلم : مايسترو
أرهب فلانا أي: خوفه وفزعه، فاللفظ مرتبط بالتخويف وإحداث حالة من الرعب، وعرفت البشرية الإرهاب من زمن، حيث يكاد لم تسلم منه جماعة أو دولة على مدار التاريخ الإنساني؛ ولنا في قصة فرعون المثل، فقد استهدف بني إسرائيل فأمر بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم خشية أن يولد منهم الغلام الذي تخوف هو وأهل مملكته من استيلائه على مُلكه، ويؤكد هذا قول المولى عز وجل: ” إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” (4 القصص)، والعجيب أنه بعد أن مكن الله جل علاه بني إسرائيل في الأرض وأورثهم مُلك فرعون.. طغوا وأرهبوا أنبيائهم عتوا واستكبارا، وقد أشار القرآن إلى هذا في قوله تعالى: ” أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ” (87 البقرة(؛ كما مارس أبناء إسرائيل الطغيان والإرهاب بعضهم على بعض، ودل على هذا قول المولى: ” ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (85 البقرة)، وغني عن البيان أن الكفار في عهد سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، قد مارسوا الإرهاب في مواجهته وأصحابه.. .
ويشهد العصر الحديث نمطاً مستحدثاً للإرهاب تمارسه جماعات وتنظيمات تنتمي أسفاً للدين الإسلامي، وتدعي زوراً أنها تجاهد في سبيل تطبيق أحكام الدين، ويستندون بعدم فهم لبعض الآيات القرآنية في تدليلهم على منهجهم المعادي للإنسانية، ومن تلك الآيات قوله تعالى: ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فأولئك هُمُ الْكَافِرُونَ” وفي آية أخرى الظالمون، ثم الفاسقون (44؛ 45؛ 47 المائدة). والمتأمل لهذه الآيات ينتهي به المقام إلى أن التعرف على حكم الآية أو الحديث في مسألة معينة تتعلق بمجريات الحياة، فإن الأمر يتطلب الأخذ بالمحددات الآتية :
* ضرورة إعمال العقل ومسايرة المستجدات وإلا أصبح في الأمر إكراه.. وهو ما يتعارض مع قوله تعالى ” لا إكراه في الدين…” (256 البقرة).
* الدين خيار إنساني، وفهم أحكامه تأتي من اجتهادات بشرية.
* الغالبية العظمى من أحكام الشريعة الإسلامية ليست قطعية، وتتغير مع تطور الحياة.
* ليست وظيفة الدين الحاكمية في الأرض، فيتسلط من يدعون احتكار فهم الدين على غيرهم، فالأصل أن يوجه الدين إلى المبادئ والقيم لتتولى الأجيال ترجمة هذه القيم لقوانين وسلوك واقعي.. وقال تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58 النساء) وبالطبع فإن الحكم بالعدل الإنساني يتعلق بمراعاة ظروف كل حالة على حده، يحكم فيها ولي الأمر.
راية تنظيم داعش
هذا وقد استطاعت الجماعات والتنظيمات الدينية تسييس الدين، لفرض وصايتهم على الآخرين، باعتبارهم حراسه والأعلم بمراد الله، ويعتبرون منهاجهم هو الصواب بعينه وما دونه الباطل، ومن هنا ينطلقون لتكفير الآخر واستحلال الدماء والأعراض والأموال.. وإذا توقفنا أمام تنظيم داعش كنموذج لأبرز إرهابي العصر الحالي نجد في سلوكهم إبان تطبيقهم لشرع الله ـــ كما يدعون ـــ قد ارتكبوا العديد من الجرائم ضد الإنسانية فأساءوا للدين أكثر بكثير مما أساء له أعداؤه.. فمن جرائمهم أنهم تاجروا بالنساء الأيزيديات واستحلوا أعراضهم، وثبت هذا من خلال شهادات العديد من هؤلاء النسوة ممن تمكن من الهرب من جحيم داعش، كما قتلوا أبرياء كثيرين لمجرد أنهم لم يمتثلوا لعقيدتهم الفاسدة؛ ولم يَقتِلوا فقط بل مثلوا بقتلاهم.. والمؤسف في الأمر أنهم يبررون أفعالهم المشينة باختلاق أسانيد ينسبونها زورا وبهتانا لحكم الله.. ويحضرني في هذا السياق ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير أحد جيوشه بقوله ” وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فأنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا” (أخرجه مسلم، من حديث بريدة رضي الله عنه) ومن هذا يتضح أن النصوص الدينية قابلة للتأويل لأكثر من رأي.. كما أن الآيات والأحاديث النبوية ترتبط بأحداث واقعية، فانطباقها بهذا يكون له خصوصية.. .
راية تنظيم القاعدة
هذا ومن منطلق اهتمام مراكز الدراسات الغربية خاصة تلك المعنية بالدراسات الإحصائية المستقبلية للإسلام، فقد تنبأت بغزو إسلامي ديموغرافي كاسح للقارة الأوربية بصفة خاصة، فتوقعت دراسة أمريكية نشرها مركز أبحاث بيو في العاصمة الأمريكية واشنطن تضاعف عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات بحلول عام 2050، ووفقا لبيانات بيو المستقبلية فقد شكل المسلمون 4.9٪ من سكان أوروبا عام 2016، حيث يقدر عددهم بنحو 25.8 مليون شخص في 30 دولة، بعد أن كان عددهم 19.5 مليون شخص عام 2010. لذا حرص واضعي الاستراتيجية الأمنية في الغرب على مواجهة هذا المد الإسلامي الذي يعتبرونه خطراً على هويتهم الثقافية، فنجدهم أرادوا محاربة الإسلام باستعداء جانب من أتباعه وتوجيههم ضد أعدائهم تارة؛ فرتبوا لنشأة تنظيم القاعدة، من خلال استدعاء المجاهدين الإسلاميين من كل المعمورة لتحرير أفغانستان من المحتل الروسي باعتبار هذا جهاداً واجباً، وتم دعم التنظيم بالسلاح والعتاد حتى تحقق النصر وانسحبت القوات الروسية من أفغانستان، وتحول بعد هذا التنظيم لمعاداة الغرب.. ويرى المخطط الاستراتيجي الغربي أن الموقف العدائي هذا في ذاته يحد من الغزو الأيديولوجي الإسلامي للغرب، وهو هدف منشود على المستوى الاستراتيجي، فأوروبا تتبع نهجاً يهدف للحد من المد الإسلامي المتنامي، فهم بالطبع ضد ظاهرة انتشار الإسلام (anti-Islamism).
هذا وفي تجربة قريبة الشبه من سابقتها ـــ إنشاء تنظيم القاعدة ـــ فقد مهدوا المسرح مرة أخرى لنشأة تنظيم “داعش” مع اختلاف في توظيف هذا التنظيم، فتم توجيهه بحسب الأصل ضد الدول الإسلامية.. وإن نال الدول الغربية بعضاً من سمومه.. إلا أن غالبية نشاط التنظيم وُجه للدول العربية بصفة خاصة، وتخلصت أوروبا بهذا من آلاف المتطرفين الإسلاميين المتمتعين بجنسيات أوربية.. ولأمانة العرض فإن هذا يعد انجازاً على المستوى الاستراتيجي، والملفت في المشاهد المرتبطة بهذا الأمر، أن دول أوروبا رفضت بالإجماع استلام مواطنيها المنتمين للقاعدة وداعش ممن تم القبض عليهم في أماكن الصراعات، والحقوا بالسجون في العراق وسوريا.. فهم قد حققوا إنجازاً بالتخلص منهم، لذا يرفضون بالطبع عودتهم، فاعتبروهم كحاملي فيروسات فكرية مدمرة، يفضل أن يتم عزلهم ومحاسبتهم في أماكن الصراعات التي تم ضبطهم فيها، وبعد أن تم هذا بالفعل وحُكم على بعضهم بالإعدام فقد صاحب هذا نوع من الاستهجان الغربي الرافض لعقوبة الإعدام.. !!! ووفقاً لما سبق، فهل تحقق للمخطط الغربي هدفه الاستراتيجي بالتخلص من بؤر التطرف الإسلامي باعتباره بمثابة الجذور لظاهرة الإرهاب ؟؟؟
ولعلكم تتفقون معي في أن الهدف المخطط له قد تحقق.. حيث قضىَ الآلاف من المتطرفين شديدي الخطوة خلال جهادهم المزعوم مع داعش والقاعدة وغيرهما.. ومع هذا ورغم ما بذله الغرب من أموال وجهود لإحداث ثورات الربيع العربي.. فقد ترتب على انهيار بعض الدول العربية نتيجة لم يأخذها المخطط الاستراتيجي الغربي مأخذ الجد؛ حيث ارتفع عدد المهاجرين المسلمين الذين وصلوا إلى أوروبا بعد عام 2014، ليصل عددهم إلى ما يقرب من نصف مليون سنويا، ويرجع هذا لفرار المواطنين من ميادين الصراعات في اتجاه أوروبا استعمالاً لحقهم القانوني كلاجئين، وتؤكد الدراسات أنه وبفرض توقفت الهجرة إلى أوروبا بشكل فورى ودائم، فلا يزال من المتوقع أن يرتفع عدد السكان المسلمين في أوروبا من المستوى الحالي البالغ 4.9% إلى 7.4 % بحلول عام 2050!!!