تقرير: محمد عبيد الله وعبد الله منصور
أنقرة (زمان التركية) – كشف نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري خلوق كوتش أن الفترة التالية للانتخابات البرلمانية التي عقدت في يونيو/ حزيران 2015 شهدت لقاءات سرية بين رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ورئيس الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو لتشكيل حكومة ائتلافية.
أوضح نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض خلوق كوتش أن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو عندما كان رئيس حزب العدالة والتنمية عقد لقاءات مع رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، لتأسيس الحكومة الجديدة، عقب انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015.
وأشار إلى أن التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري منعه رئيس الجمهورية آنذاك رجب طيب أردوغان، لافتًا إلى أن داود أوغلو كان مصرًا على تشكيل الحكومة بالتعاون مع الحزب المعارض بالرغم من اعتراض أردوغان.
وبحسب كوتش فقد التقى داود أوغلو والمتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشاليك بكمال كليجدار أوغلو مرتين بعيدًا عن الصحافة والإعلام، مؤكدًا أن داود أوغلو كان يرى أن تكوين حكومة تحالف موسعة سيقدم خدمات كبيرة جدًا للدولة التركية، مستشهدًا بالدول الأوروبية.
أما كمال كليجدار أوغلو فقد كان يرى أن التحالف سيحقق مصالحة مجتمعية، ويقضي على اختلافات الرأي ووجهات النظر بين القاعدتين الشعبيتين للحزبين المنحدر أحدهما من التيار الإسلامي والآخر من التيار العلماني، مشيرًا إلى أنه سيزيد مستوى الرفاهية المجتمعية، على حد قوله.
وقال: “كان داود أوغلو كليجدار أوغلو متفقين على أن هذا التحالف سيحقق رفاهية كبيرة لتركيا على مستوى السياسة الخارجية وعلى مستوى الاقتصاد، فقد كانت نيتهما جيدة”.
وأكد كوتش أن داود أوغلو وكليجدار أوغلو كانا متحمسين جدًا للتحالف، ومؤمنين بأنه سيحل مشكلات تركيا، مشيرًا إلى من مجلس اتخاذ قرار حزب العدالة والتنمية كان يؤيد تحرك داود أوغلو.
الخلفية التاريخية
كان الأكراد استجابوا لدعوة زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش المعتقل حاليا لمنع أردوغان من نقل تركيا إلى النظام الرئاسي، بدلاً من الاستجابة لدعوة زعيم العمال الكردستاني بدعم أردوغان، ومن ثم دخلوا إلى البرلمان كحزب مستقل لأول مرة ومع 80 نائبًا برلمانيًّا في عام 2015، مما أعاق حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة منفردة.
ولما فقد حزب العدالة والتنمية الأغلبية اللازمة لإنشاء حكومة منفردة في انتخابات 7 حزيران 2015، اضطرّ أحمد داود أوغلو إلى البحث عن شريك لتأسيس حكومة ائتلافية، لكن الرئيس أردوغان لم يرض بمشاركة السلطة مع أي قوة سياسية أخرى، وحال دون نجاح مبادرات داود أوغلو لتشكيل تحالف مع أي حزب معارض ودفع البلاد إلى انتخابات مبكرة.
ومع قرار إعادة الانتخابات البرلمانية، أقدم الرئيس أردوغان على الإطاحة بطاولة مفاوضات السلام التي كان يجريها مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من أجل تسوية المشكلة الكردية بغية الحصول على دعم الأكراد، لكنهم دعموا الحزب الكردي تحت قيادة دميرتاش.
وبعد الإطاحة بطاولة مفاوضات السلام الكردي، أمر أردوغان السلطات الأمنية والعسكرية بالعودة إلى الكفاح المسلح ضد عناصر العمال الكردستاني من جانب، وأقبل من جانب آخر على عقد تحالف استراتيجي مع زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي سعيًا لتعويض خسارته دعم الأكراد.
وقرار العودة من السلام إلى الكفاح المسلح مع العمال الكردستاني اقتضى تصفية العناصر الأمنية والعسكرية التي كانت تدافع عن تسوية المشكلة الكردية عبر الطرق السلمية وتعارض الكفاح المسلح نظرًا لعدم جدواه منذ سنين، وقد قام أردوغان بتصفية تلك العناصر بكل سهولة بعدما اتهمهم بالانتماء إلى “الكيان الموازي”.
وحتى 1 نوفمبر من 2015 حيث أعيدت الانتخابات البرلمانية، تحولت المناطق الشرقية من البلاد ذات الأغلبية الكردية إلى ساحة دماء بحجة مكافحة الإرهاب، غير أن العمليات الأمنية والعسكرية المنفذة ضد “الإرهابيين” أثارت موجة قومية “تركية” وساعدت حزب أردوغان تحت قيادة أحمد داود أوغلو في استعادة الحكومة المنفردة بعد خسارتها في الانتخابات السابقة.
غير أن حصول حزب العدالة والتنمية برئاسة داود أوغلو على أكثر من نصف الشعب في انتخابات 1 نوفمبر 2015، وتشكيل حكومة قوية، أزعج أردوغان الذي كان يريد الانفراد بالحكم، وبدأ يمارس عليه الضغوط ليكون دمية ينفّذ الأوامر الصادرة منه فقط.
داود أوغلو يكشف السرّ
وقد أدلى داود أوغلو يوم الخميس الماضي بتصريحات صادمة للغاية أكد فيها أن الرئيس أردوغان طالبه من خلال اللجنة العليا للإدارة واتخاذ القرار بالحزب، أن يبدو في صورة “رئيس الوزراء دون أن يمارس سلطاته وصلاحياته”، بمعنى أنه خيّره بين أن يكون “دمية” ينفذ فقط الأوامر الصادرة منه أو الإقالة من منصب رئيس الوزراء.
ثم أعاد داود أوغلو للأذهان كيف أنه اضطر إلى إعلان استقالته من منصبه في مايو 2016، عقب بيانٍ وجه له عديدًا من الاتهامات، بينها “العمالة لصالح ألمانيا”، نشرته مجموعة أو عصابة البجع” (بليكان)، -على حد وصف داود أوغلو-، التي يترأسها “سرهاد ألبيراق”، شقيق وزير الخزانة والمالية “برات ألبيراق”، صهر أردوغان.
وذكر داود أوغلو أيضًا أنه كان يدعم نظامًا برلمانيًّا قويًّا يمثّل كل التيارات السياسية ويحمل تركيا إلى آفاق المستقبل، وأنه عرض على أردوغان ترسيخ وتدعيم هذا النظام بدلاً من البحث عن أنظمة أخرى، ثم كشف عن السبب الحقيقي الذي دفع أردوغان وحلفائه إلى إقالته من رئاسة الوزراء قائلاً: “كان يجب إبعادي من رئاسة الوزراء من أجل تنفيذ سيناريوهات من قبيل انقلاب 15 تموز 2016، والدفع بالبلاد إلى انتخابات متتالية، وتحقيق نقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي المغلوط.. والدفع بالبلاد في نهاية المطاف إلى أحضان تحالفات علنية وسرية..”.
وكشف داود أوغلو المقصود من التحالفات السرية قائلاً: “لا تظنوا أن مجموعة البجع هي التي تقف وحدها وراء عملية القتل المعنوي التي تعرضتها لها بهدف إبعادي من وظيفتي، وإنما فريق الحزب الذي لا تتجاوز نسبة تأييده الشعبي 1%، بل أقل بكثير من ذلك، هم الذين أطلقوا وأداروا هذه العملية ضدي”، في إشارة منه إلى زعيم حزب الوطن دوغو بريجك، الذي اتهمه مؤخرًا بأنه أحد الأذرع السياسية لـ”منظمة فتح الله جولن”.
وكان رئيس تحرير موقع خبردار، الصحفي المخضرم سعيد صفا نشر تغريدات مثيرة في عام 2017، قال فيها: “عندما نتمكن يومًا من الحديث عن خلفيات خطة انقلاب 15 تموز 2016 بحرية، ونكشف عن أنه كان انقلابًا مدبرًا، فإننا سنعتبر تاريخ إقالة أحمد داود أوغلو من منصب رئاسة الوزراء ميلادًا لهذا الانقلاب”.
وتابع صفا الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع ممثلي التيار الإسلامي في تركيا، ويطلع على كواليس حزب العدالة والتنمية قائلاً: “لو كان داود أوغلو ظلّ رئيس الوزراء لاطّلع بشكل أو بآخر على خطة “الانقلاب المدبر”، ومنع تنفيذها مهما كلف الأمر.. كان (أردوغان) بحاجة إلى رئيس وزراء مثل بن علي يلدريم، الذي لا يفهم من مجريات الأحداث، وإن علم بالخطة فيما بعد لا يستاء من ذلك، من أجل تنفيذ هذا الانقلاب”.
لا شكّ أن الأسرار الخاصة بتاريخ تركيا القريب، التي بدأت تتكشّف يومًا بعد يوم، بفضل تصريحات يدلي بها مسؤولون من الحزب الحاكم أو المعارضة، بعد فقدان أردوغان قوته عقب الانتخابات المحلية الأخيرة، تدلّ على أن أردوغان كما أحدث “انقلابا مضادا” في اليوم التالي من بدء تحقيقات الفساد والرشوة عام 2013 نسف به أجهزة الأمن والقضاء من ألفها إلى يائها، بفضل لافتة “جريمة الانتماء إلى الكيان الموازي”، وأنشأ مكانها أجهزة أمن وقضاء جديدة من أنصاره وحلفائه أقدم كذلك على “انقلاب مضاد” في صبيحة ليلة الانقلاب المدبر والمسيطر عليه ليطيح بكل القادة العسكريين وأعضاء مجلس القضاء الأعلى المنتمين إلى تيارات مختلفة، بفضل اللافتة ذاتها، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، وسواء أكانوا منتمين إلى حركة الخدمة أو لم تكن لهم أي صلة بها، وذلك للإطاحة بكل من يعتقد أنه يقف عائقًا أمام تنفيذ مشاريعه وطموحاته المحلية والإقليمية.