بقلم : مايسترو
القاهرة (زمان التركية) – تعرضنا في جانب من مقالنا السابق الموسوم ” جذور الإرهاب ـــ الجزء الثاني ” لملف التعليم وعلاقته بالتطرف الفكري، وأوضحنا أنه يحتمل التأثير الإيجابي أو السلبي على حسب اعتبارات كثيرة تتعلق بآليات التطبيق؛ وفي مقالنا هذا سنسلط الضوء على استغلال الأجهزة الاستخباراتية للتعليم كمنصة لجمع المعلومات بشأن موضوعات لها أبعاد أمنية، وسنطرح أمثلة على هذا التوظيف الأمني لمناهج التعليم العالي، على النحو الآتي :
أولاً : عرض تجربة في مجال الدراسات العليا بالجامعات الغربية
تحرص الدول العربية على إيفاد طلبتها للدراسة بالجامعات الغربية، خاصة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وخلال الدراسة ـــ والمثال هنا يتعلق بدبلوم عالي في المجال الأمن الاجتماعي ـــ كُلف الباحث، وهو من إحدى الدول الخليجية، بعمل بحث حول ” جماعة الإخوان المسلمين في مصر” وطُلب منه أن يتضمن البحث في جانب منه لقاءً علمياً حوارياً مع أحد الأساتذة العرب المتخصصين في مجال مكافحة الإرهاب، وتم تحديد أسئلة الحوار من خلال المشرف العلمي على البحث، وبالطبع تدور جميعها عن تلك الجماعة ) Academic Interview about ” Muslim Brotherhood in Egypt ” ) وكانت أهم أسئلة الحوار على النحو الآتي :
* تفضل بوضع وصفاً لجماعة الإخوان، وما هو العنصر الرئيسي لأفكار هذه الجماعة ؟
* كيف استطاعت جماعة الإخوان المسلمين إثبات وجودها منذ نشأتها عام 1928 إلى يومنا هذا على الصعيد العربي والعالمي ؟
* ماهي العوامل التي ساعدت الجماعة على البقاء والانتشار مع اختلاف الحقب الزمنية، وأنماط محاربتهم ؟
* كيف تم تقييم أنشطة الجماعة قبل الربيع العربي ؟
* كيف استطاعت جماعة الإخوان المسلمين الوصول الى زمام الرئاسة ؟
* كيف استطاعت مصر إيقاف جماعة الإخوان والإطاحة بالرئيس عام 2013 ؟
* ماهي الاستراتيجيات المتبعة من قبل الحكومة المصرية لمحاربة الإخوان المسلمين ؟
* هل توجد أي احتمالية لوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر مرة أخرى ؟
* هل كان للجماعة أي مخططات للإطاحة بنظام حسني مبارك قبل الربيع العربي ؟
* ماهي تداعيات الربيع العربي على جماعة الإخوان المسلمين ؟
* ما هو الدور الاستخباري في إبقاء الإخوان المسلمين خارج السلطة لفترة زمنية طويلة ؟
ولعلكم تتفقون معي بأن موضوع البحث العلمي المشار إليه ومنهجيته تؤكد على التوظيف الأمني لجهود الباحث من قبل الكلية التي التحق بها، هذا وأفادني الباحث ــــ وهو مصدر المعلومات الذي استقيت منه ما طرحته آنفاً ــــ بأن الدكتور المشرف على البحث تدخل بشكل غير مباشر في اختيار الباحث للشخصية العلمية التي يحاورها.. .
ثانياً : منظومة علمية أخرى يُسَخر بموجبها باحث الدكتوراه بجمع المعلومات..
نطرح في هذا المقام منظومة تقوم من خلالها إحدى الجامعات الأمريكية بقبول باحثة دكتوراه، اطروحتها في المجال التعليمي ــــ أمريكية تحمل الجنسية المصرية ــــ وقد منحتها الجامعة خصماً قدره 50% من تكلفة الدراسة؛ وجدير بالذكر أنه لحصول الباحث على الدكتوراه فإنه يجب أن يجتاز عدد 60 كورساً، وبعدها تتم مناقشة علنية لأطروحته؛ وتكلفة الكورس الواحد 330 دولار أمريكي، وبجانب هذا هناك بعض المصروفات الأخرى تصل بالتكلفة لـمبلغ لا يقل عن 30 ألف دولار، والخصم المشار إليه (50%) بشرط أن يلتزم الباحث بعدة واجبات أهمها :
* تدريب العاملين في مدارس تطبق منظومة التعليم الأمريكي من خلال دورات ينتقل الباحث لتنفيذها، وأحياناً ينفذها عبر الإنترنت.
* تقديم المساعدة في تصميم برامج تدريبية لتنمية مهارات المعلمين مع مراعاته للمتطلبات التكنولوجية اللازمة لتنفيذ التدريب عبر الإنترنت، ثم اتخاذه ما يلزم لتسويق هذه الدورات.
* المشاركة في الإعداد لمؤتمر علمي سنوي وحضوره، بجانب المشاركة في فعاليات علمية أخرى ـــ ندوات، ورش عمل… ـــ
* هذا وأثناء مباشرة مهام إعداد الباحث لرسالة يُكَلف الباحث بجمع معلومات وبيانات معينة، مع إجراء استطلاعات للرأي حول موضوعات لها أهمية استخباراتية.. .
وغني عن البيان أن المهمة الأخيرة التي أشرنا إليها تمثل توظيفاً للنشاط العلمي في خدمة الاستخبارات الأمنية.. ولعل قضية جوليو ريجيني، الشاب الإيطالي الذي قُتل في مصر عام 2016، بمنطقة صحراوية بمدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، وكان الطالب باحثاً للدكتوراه بكلية تابعة لجامعة كامبريدج البريطانية، وموضوع بحثه في مجال اتحادات العمال المستقلة، هذا وفي إطار التعاون القضائي المصري الإيطالي أبلغَت القاهرة الوفد الإيطالي بأن ريجيني دخل مصر بموجب تأشيرة سياحية، ولا تسمح له هذه التأشيرة بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه عن النقابات العمالية المصرية المستقلة التي كان ينوي تقديمها إلى جامعته.. .
جامعة كامبردج
وفي سياق القضية فقد أفادت صحيفة ” بريماتو ناتشونالي ” الإيطالية، بأن جامعة كامبردج البريطانية عرقلت التحقيقات بحادث مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني،
وأوضحت الصحيفة أن شركة «أوكسفورد أناليتيكا» للاستخبارات الخاصة، أجرت تحقيقات بشأن المستفيدين من مقتل ريجيني وأسباب مقتله، مشيرة إلى أن جامعة كامبردج لم تفتح أبوابها للمحققين، ولم تُسَهل شهادة الأساتذة المشرفين على أبحاث ريجيني في قضية مقتله، وأوضحت أن جامعة كامبردج هي مفتاح حل لغو الحادثة، منوهة بأنها قدمت له منحة بقيمة 10 آلاف جنيها إسترلينيا عام 2015 ضمن تمويلها للمنح الدراسية الدولية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المفتوح التي يدعمها جورج سورس.. ؟؟؟. كما أشارت شركة الاستخبارات أيضاً إلى أن التقارير التي ظهرت بعد عامين من مقتل الطالب الإيطالي، كانت مضللة وتعمدت جامعة كامبردج إعاقتها لفترة طويلة، وتم تركيز الاتهام على الحكومة المصرية بشكل خاطئ.. وأضافت : السؤال المهم الواجب طرحه الآن هو من المستفيد الحقيقي من قتل ريجيني ؟؟؟، ونوه في معرض الإجابة عن الدور الغامض لأساتذة ريجيني الأكاديميين ومن ورائهم.
هذا ولخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأمر في حديث له مؤكداً على :
* وجود أخطاء في التعامل مع الملف من قبل أجهزة الإعلام المصرية.
* أن أجهزة الأمن المصرية ليس لديها أي مصلحة لقتل هذا الشاب، فكان لها أن ترحله إن أرادت منعه من القيام بنشاط ما تراه الدولة المصرية ضار بها.. .
* أن من قتل ريجيني يهدف لتعكير صفو العلاقات المصرية الإيطالية، فإيطاليا هي أول الدول التي دعَمَت مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013..