تقرير: ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – أدلت ناجيهان آلتشي، الصحفية المقربة من السلطة السياسية في تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان، بتعليق مثير للجدل فيما يخص نظام الحكومة الرئاسي في البلاد، حيث قالت: “إن تحالفًا سريًّا يضم الزعيم اليساري دوغو برينجك يتولى حكم تركيا”.
وخلال مشاركتها في برنامج على قناة “خبرترك تي في”، أدلت آلتشي بتصريحات مثيرة للجدل خلال تعليقها على نظام الحكومة الرئاسي الذي يتمسك به حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة أردوغان.
وزعمت آلتشي أن النظام الذي يترأسه أردوغان يُدار عبر تحالف، مفيدة أن “تركيا تُدار بتحالف يتكون من زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي من جهة، وزعيم حزب الوطن اليساري دوغو برينجك من جهة أخرى”.
وتجدد الجدل بشأن الانتقال للنظام الرئاسي عقب خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم رئاسة بلدية إسطنبول خلال الانتخابات التي أقيمت في الحادي والثلاثين من مارس/آذار والثالث والعشرين من يونيو/حزيران الماضي.
وفي تعليقهم على هذه التصريحات التي أثارت ضجة واسعة في تركيا، أفاد بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك شريكًا رابعا في هذا التحالف ألا وهو: زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي بعث رسالة داعمة لأردوغان قبيل انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، على حد تعبيرهم.
من هو دوغو برينجك؟
لقد خطف برينجك الأضواء على نفسه عبر مواقفه الحساسة في اللحظات الحرجة طيلة تاريخ السياسة التركية. فمع أن نسبة الدعم التي يحصل عليها في الانتخابات ضئيلة جدًا لا تتجاوز 1%، إلا أنه تمتع حتى اليوم بنفوذ قوي في أجهزة الدولة، خاصة في أجهزة الأمن والقضاء والجيش، ولعب أدوارًا حاسمة في تلميع أو تشويه حركات ومجموعات سياسية أو مدنية، بفضل علاقاته “الغامضة” و”المثيرة” مع بؤر القوى الداخلية والخارجية.
وأسّس برينجك أربعة أحزاب وترأسها، وهي حزب العمال والفلاحين (1978-1980)، والحزب الاشتراكي (1991-1992)، وحزب العمال (1992–2015)، وحزب الوطن الحالي (15 شباط 2015 – ؟). لم يتبنَّ فكرًا معينًا ثابتًا، وإنما روّج لأي فكر مهما كان، بحسب الظروف واتجاه الرياح؛ فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماوِيًّا في سبعينات القرن الماضي؛ وداعمًا لليسارية الكردية في الثمانينيات؛ وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات!
وأصدر برينتشاك صحيفة يسارية علمانية باسم “آيدينليك” (Aydınlık)، وقاد المجموعة التي تكوّنت حول هذه الصحيفة. واللافت للانتباه أنه دعم في تسعينات القرن الماضي حزب العمال الكردستاني “الإرهابي”، وعمل على تشتيت اليسارية التركية من خلال توظيف اليسارية الكردية. حتى إنه كان يشرف على مجلة (نحو 2000) (2000’e doğru) التي تحولت إلى اللسان المتحدث باسم العمال الكردستاني.
وأجرى برينتشاك، الذي كان يمثل اليسارية التركية حينها، لقائين مختلفين مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي كان يمثل اليسارية الكردية، أحدهما في عام 1989، والآخر في عام 1991، والتقطتهما عدسات آلة التصوير وهما يتبادلان الزهور فيما بينهما، في أحد المعسكرات التابعة للعمال الكردستاني، على الرغم من أنهما يظهران اليوم العداء لبعضهما البعض، بل يعتبر أحدهما الآخر نقيضه، حيث يقدم برينجك نفسه في الوقت الراهن “قوميًّا وطنيًّا علمانيًّا” يجاهد ضد أوجلان الذي يحاول تقسيم تركيا!
وعُرف برينتشاك بمواقفه المصلحية المتقلبة، ولا يخفي أنه لا يتبني أي دين أو فكر أو توجه إيدولوجي معين؛ إذ يقف اليوم إلى جانب “المعسكر الأوراسي” بقيادة روسيا والصين، لكنه كان يدافع قبل ذلك عن “المعسكر الغربي” بقيادة أمريكا وبريطانيا أو حلف شمال الأطلسي الناتو ويصف الاتحاد السوفيتي بـ”الأمبريالي”؛ ويعلي اليوم من شأن “القومية التركية الطورانية”، غير أنه كان يصف تركيا من قبلُ بـ”الدولة المحتلة” لجزيرة قبرص، ويعترف بمزاعم الإبادة الأرمنية على يد الدولة العثمانية.
ومن المثير للانتباه أن محمد أيمور؛ رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات التركي سابقاً يصف برينتشاك بـ(fabricator)، أي المحترف في اختلاق أحداثٍ من أجل إثارة البلبلة والفوضى في البلاد؛ في حين يتهمه “هرم عباس”، نائب رئيس المخابرات الأسبق بـ”العمالة لدولة أجنبية”، ويشرح مهمته في كتابه بعنوان “التحليل” (Analiz) بقوله: “تنفيذ عمليات التصفية باستخدام طرقٍ وأساليبَ شتى ضد العناصر المستهدَفة التي تشكّل عائقاً أمام تحقُّق مصالح الدولة الأجنبية التي تعمل لصالحها، والسعي للحيلولة دون تطورِ وتقدُّم تركيا، ومنعها من اتباع سياسة وطنية مستقلة بعيداً عن مصالح تلك الدولة الأجنبية، وذلك من خلال تنظيم أنشطةٍ وفعاليات تقود البلاد إلى حالة عدم الاستقرار المتواصلة”.
وكان برينجك من الذين اعتقلوا في إطار تحقيقات تنظيم “أرجنكون”، الذي تصفه سجلات المحكمة بـ”الدولة العميقة” أو “الحكومة السرية”، ثم خرج من السجن في 2014 مع زملائه الآخرين بعد قضاء نحو أربع سنوات بموجب تحالف عقده مع الرئيس أردوغان بعد ظهور ملفات فساد حكومته في عام 2013.
ويرى مراقبون أن أردوغان عقد تحالفًا مع برينجك قبل عام 2013 للخروج من أزمة فضائح الفساد والرشوة، وفي عام 2015 وسّع نطاق التحالف بضمّ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، ليتمكن من إعادة الحكومة المنفردة بعد أن فقدها بدخول الأكراد إلى البرلمان بـ80 برلمانيًّا في انتخابات 7 حزيران 2015، مؤكدين أن تركيا يديرها منذ لذلك الحين هذا التحالف الثلاثي بين أردوغان وبهجلي وبرينجك.
ومن المثير أن برينجك يؤكد منذ عام 2014 أن أردوغان اضطر إلى الخضوع لإرادتهم، وأنهم باعتبارهم تنظيم أرجنكون من وضعوا خطة القضاء على حركة الخدمة والأستاذ فتح الله كولن، وأن أردوغان هو الذي يطبّق وينفّذ هذه الخطة.
وكان الكاتب والصحفي عبد الرحمن ديليباك “الإسلامي” المعروف بأنه من المؤسسين الفكريين لحزب أردوغان اعترف مؤخرًا قائلاً: “لقد اعتمدنا على منظمة فتح الله كولن في تصفية منظمة مجموعة العمل الغربية (تنظيم أرجنكون) التي أحدثت انقلاب 28 شباط 1997.. وفي هذه الأيام اعتمدنا على هذه المجموعة (أرجنكون) في تصفية حركة الخدمة”، على حد تعبيره.