بقلم: جانكيز تشاندير
كان يتم التفكير بعدما آلت الأوضاع إلى ما نحن عليه، في أن تركيا هي التي ستعرقل بدرجة أولى تأسيس”كردستان” المستقلة، التي تتشكل في العراق، بيد أن أقرب حليف لتركيا في ” منظومة شرق أوسط جديد” هي كردستان العراق.
“تتجزأ الدول دون تغيير الحدود”
أَهكذا يحدث؟
نعم يمكن ذلك، هذا كان عنوان مقالي في “13 يونيو/ حزيران”، وتطرقنا في جوانب هذا المقال، كافة، إلى أسباب وكيفيّة حدوث ذلك.
والآن دعونا نتساءل: هل تتغير الحدود بتجزئة البلاد عن بعضها؟
هذا أيضًا يمكن حدوثه، لأنه عادةً ما يحدث ذلك؛ إذ يمكن أن نستشعر بقوة من خلال التصريحات التي أدلى بها مسعود برزاني أن العراق اتخذت مسارًا نحو ذلك الهدف.
فإما أن “تتجزأ الدول دون تغيير الحدود” أو أن “تتغير الحدود بتجزئة البلاد عن بعضها“، إن الوصفين: “تجزئة الدول” و”تغيير الحدود” يندرجان على العراق وسوريا والشرق الأوسط بأسره.
هذا هو الوضع الحالي، لا سيما بالنسبة للعراق.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لو كان استطاع كيري أن يضع حكومة تستند على تصالح شيعي- سني بدلًا عن المالكي وأن يتفق على سحب دعم القوى السنيّة في المنطقة (والأهم من ذلك السعوديّة، وقطر، والكويت) لداعش والقوى المشابهة لها، وأن يمنع “عرقلة” السعوديين لتصالح الولايات المتحدة وإيران الذي تم البدء فيه، حينئذ سيمكنه إقناع الأكراد على مواصلة تجربة “دولة عراقيّة مقرها بغداد” لمدة أخرى.[/box][/one_third]ولعل يوم استيلاء تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش) على الموصل في 10 يونيو/ حزيران، يعتبر “ميلادًا” جديدًا في “عدم تكرار سيناريوالعراق” مرة أخرى، ومدينة الموصل انتقلت إلى حكم الأكراد عسكرياً بينما كانت تابعة لهم إدارياً.
بذلك تكون قد مُهدت أرضية تفكيك العراق من خلال “الانشقاق الأرضي العربي-الكردي” الذي جزّأها “الانشاق الأرضي الشيعي-السني” يوم استيلاء (داعش) على الموصل، وقد ذكرت كركوك، دومًا، وهي “البنية التحتيّة” اللازمة لاستقلال نهائي للأكراد.
إن صدام حسين كان يقبل أن يتحكم مركز الحكومة في بغداد في نصف كركوك، وترك النصف لـ “منطقة كردستان” ووافق على أن تنقسم إلى قسمين بحيث يكون قسم تابع لـ”إدارة كردية ذاتيّة“، ولم تلق تسوية الملّا مصطفى برزاني الذي يريد كركوك”بأكملها” موافقة وترحيبًا.
والنتيجة: إندلعت من جديد حرب بغداد وكردستان، وأسفرت الحرب عن عواقب وخيمة للأكراد، وسُحقت “حركة الأكراد القوميّة”، ولاذ الملا مصطفى بالفرار إلى إيران ثمَّ إلى الولايات المتحدة، ومات بها، وانقسمت الحركة إلى مسعود برزاني (الحزب الديمقراطي الكردي) وجلال طالباني (حزب الاتحاد الوطني الكردي)، وأسس صدام إدارة حكم كردية ذاتية في إربيل و”نبذ الأكراد المتمردين“.
وكما صرّح الدكتور فؤاد حسين، الذراع الأيمن لمسعود برزاني، يوم سقوط كركوك كافة في يد الأكراد والموصل في يد تحالف داعش ومواليي صدام،فإنه “بعد 10 يونيو/ حزيران تغير كل شيء بالنسبة للأكراد ولم يعد شيء كما كان عليه“.
والأهم من ذلك، هو التصريح الذي أدلى به مسعود برزاني “لكرستينا أمانبور” المراسلة المشهورة في قناة “سي ان ان”. وهو على النحو التالي:
“بذلنا قصارى جهدنا وأظهرنا المرونة المطلوبة كاملة من أجل إنشاء دولة عراق جديدة وديمقراطية في السنوات العشر الأخيرة، وبذلنا ما في وسعنا، لكن للأسف الشديد باءت هذه التجربة بالفشل، العراق اليوم يختلف عن العراق الذي نعرفه وكنا نعيش فيه منذ أسبوعين“. وسألته أمانبور: “هل هذا يعني أنكم ستطلبون الاستقلال؟”، لكن رده التالي باتجاه التطورات لا يدع مجالا لخوض النقاش:
“لقد حان الوقت لتقرير مستقبل الشعب الكردي، ونحن بدورنا سندعم قرار الشعب الكردي أيًّا كان“.
وحول سؤال آخر وجهته له: “ألا تشعر بقلق تجاه تفكك العراق؟” أجاب:
“بعد سقوط النظام الحاكم في 2003، نحن الأكراد حمينا اتحاد العراق ووحدته، وأخذنا على عاتقنا خلال السنوات العشر الأخيرة مواصلة ذلك، إلا أن العراق الآن آخذ في التفكك بشكل ملحوظ، والحكومة المركزيّة تفقد السيطرة على كل شيء تابع لها، الجيش والشرطة وكل شيء يتفكك، والآن نشهد ظهور ذلك التنظيم الذي نطلق عليه “داعش”، ونشارك حدوداً طويلة جدًا مع دولة جديدة ظهرت، هذا ليس ذنبنا، لم نكن نحن السبب في سقوط العراق؛ ولا نريد أن نكون أسرى المجهول”.
وهدفَ جون كيري وزير خارجيّة الولايات المتحدة في جولته بالشرق الأوسط التي بدأها من مصر، ومنها إلى العراق، تشكيل حكومة تستند على تصالح” شيعي- سني- كردي”، وتأخذ مكان المالكي في العراق ومن أهداف زيارة كيري “سحب الدعم السني” من داعش. وبعد ذلك مرّ على أربيل، ليلتقي مسعود برزاني وبرهم صالح وقوبات طالباني ونوشيروان مصطفى.
وبعدما التقى بجميع الشخصيات السياسيّة الكردية التي لا تدخل تحت جناح اتحاد محبي كردستان الواقع تحت “التأثير الإيراني” والشخصيّات “المنفتحة على الولايات المتحدة”، هل يستطيع أن يقنع الأكراد بحماية “وحدة العراق“؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان يمكن أن يتم الحفاظ فعليًا، وليس روحيًا على وحدة دولة العراق المصطنعة بديكتاتوريّة ظالمة مثل ديكتاتوريّة صدام. وما أن كسّرت القوات الأمريكيّة مع حلفائها عجلة الاستبداد وتروسها، في عام 2003، بدأ التفكك الحتمي الذي لا مفر منه.[/box][/one_third]وعندما ذكرت كرستينا أمانبور:”عدم ترحاب الولايات المتحدة باستقلال كردستان وزيارة جون كيرى لأربيل“، قال برزاني: ” هناك إمكانية إبعاد داعش من المنطقة في حالة حدوث اتفاق بين الشيعة والسنة وشراكة حقيقيّة في الحكم”. وطلب استقالة المالكي قائلًا: “عليه أن يترك منصبه أيَّا كان الشخص المسؤول عن هذه الأحداث“.
كما قال برزاني إن “المالكي يحتكر السلطة السياسيّة والقوة، (لا داعي للقول بإن هذه الخاصية ليست “عيب المالكي” فقط) يجب عليه أن يتحمَّل مسؤوليّة سياساته الخاطئة“.
والآن كيف لنا أن نتوصل إلى نتيجة من كل ما سبق؟
لو كان استطاع كيري أن يضع حكومة تستند على تصالح شيعي- سني بدلًا عن المالكي وأن يتفق على سحب دعم القوى السنيّة في المنطقة (والأهم من ذلك السعوديّة، وقطر، والكويت) لداعش والقوى المشابهة لها، وأن يمنع “عرقلة” السعوديين لتصالح الولايات المتحدة وإيران الذي تم البدء فيه، حينئذ سيمكنه إقناع الأكراد على مواصلة تجربة “دولة عراقيّة مقرها بغداد“لمدة أخرى.
وليس من المحتمل أن يستطيع كيري تحقيق “مهمته المستحيلة” هذه. إذ باءت محاولاته الذاتيّةبالفشل، بالأمس القريب، في عملية السلام بين فلسطين- إسرائيل” التي تعتبر “أقل تعقيدًا بكثير” من الموقف الحالي الذي يهدف إليه.
وإذا كان “الملف العراقي“، الذي ترجع فكرته لـ “جو بايدن” نائب الرئيس في حكم أوباما، أصبح معقدًا، فمن الواضح أن كيري لا يمكنه تنفيذ ما يرمي إليه.
وكان العراق قبل حوالي مائة عام دولة مُصطنعة، تآكلت أسسها منذ زمن بعيد، والأحداث التي تشهدها سوريا منذ ثلاث سنوات دمرتها داخليًا، وكذالك دمرت أسس العراق.
كان يمكن أن يتم الحفاظ فعليًا، وليس روحيًا على وحدة دولة العراق المصطنعة بديكتاتوريّة ظالمة مثل ديكتاتوريّة صدام. وما أن كسّرت القوات الأمريكيّة مع حلفائها عجلة الاستبداد وتروسها، في عام 2003، بدأ التفكك الحتمي الذي لا مفر منه.
ونحن نعيش الآن إحدى هذه المراحل، “سقوط الموصل أو إسقاطها” (من قِبَل الإئتلاف السنيّ الممتد من داعش حتى أتباع صدام) وتفكك العراق بحيث يتعذر استجماعه مرة أخرى، وازداد تقدم الأكراد، الذي لا يمكن إيقافه نحو إقامة “دولة كردستان”.
حسنًا، لو يتم إسترجاع مكاسب داعش العسكريّة بدعم غارات الولايات المتحدة الجويّة، فهل يمكن منع تأسيس “الكردستان المستقلة“؟
يقول لاسليه جالب: “إن الوضع في العراق هو عبارة عن اضطرابات وتقلبات، لا خلاص منها بطائرات بدون طيار للولايات المتحدة ولا بغاراتها الجويّة، فالمشكلة في الأرض وليست في السماء“.
كان يتمالتفكير بعدما آلت الأوضاع إلى ما نحن عليه، في أن تركيا هي التي ستعرقل بدرجة أولى تأسيس “كردستان مستقلة” تتشكل في العراق، بيد أن أقرب حليف لتركيا في “منظومة شرق أوسط جديد” هي كردستان العراق.
هل كان يمكن أن نتصور أن تركيا تقوم بدور المولِّدة لـ “كردستان المستقلة“؟!
نعم يمكن تأسيس دولة “كردستان” عندما يحين الوقت؛ وحينئذ ستتغير الحدود في الشرق الأوسط.
ــــــــــــ
جريدة راديكال التركية