بقلم : مايسترو
هؤلاء هم الشهداءُ بحقٍ
العقيد أحمد منسي بَطلٌ لا تُنسَى بطولاته أب يَحمِل ما تبقى من رفات ابنه الشهيد لدفنه
القاهرة (زمان التركية) – تحارب مصر الإرهاب من عشرات السنين إلا أن الموجة الإرهابية التي بدأت من يوليو 2013 وتزعمتها جماعة الإخوان المسلمين ـــ بعد ثورة شعبية أقصت نظام حكم الجماعة ـــ تُعد المواجهة الإرهابية الأعنف التي تشهدها الدولة المصرية حتى تاريخ كتابة هذه السطور، نظراً لتوحد الجماعات الدينية الإرهابية ـــ القاعدة؛ داعش… وغيرهما ـــ مع الإخوان بجانب دعم دولي غير مسبوق لتلك التنظيمات الإرهابية، واستُشهِد في مواجهة هذه الموجة الإرهابية الألآف من خيرة جنود مصر المناضلين في سبيل حماية واستقرار الوطن.. هؤلاء هم الشهداء بحق.
وإذا كان الموت هو أعدل الحقائق في هذه الحياة، فهو قدر محتوم على كل البشر.. ولنتوقف في هذا السياق أمام الآية القرآنية الكريمة ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” (من الآية 185 آل عمران)، وفي آية أخرى قال المولى عز وجل ” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وكفي بِنَا حَاسِبِينَ ” (47) الأنبياء؛ فالعدالة المطلقة ستكون واقعاً في الحياة الآخرة.
ومؤخراً نشر خبر وفاة الدكتور محمد مرسي العياط رئيس مصر الأسبق أثناء مثوله أمام المحكمة في قضية التخابر مع جهات أجنبية، وذلك بعد أن طلب من القاضي أن يدافع عن نفسه بنفسه، وسمح له القاضي، وعقب انتهائه من دفاعه ودخوله محبسه بقاعة المحكمة سقط مغشياً عليه ونقل على وجه السرعة للمستشفى لإسعافه، إلا أن أمر الله قد نفذ حيث وصل للمستشفى متوفياً، وأمر النائب العام المصري بانتقال فريق من أعضاء النيابة العامة لإجراء المناظرة لجثة المتوفى والتحفظ على كاميرات المراقبة الموجودة بقاعة المحكمة وقفص المتهمين، وكذلك سماع أقوال الموجودين معه في ذلك الوقت، كما أمرت النيابة بالتحفظ على الملف الطبي الخاص بعلاج المتوفي، وندبت لجنة عليا من الطب الشرعي لإعداد تقرير طبي بأسباب الوفاة، ولم يطلب أحد من أسرة محمد مرسي تشريح جثته، وعقب ورود التقرير الطبي يفيد بأن الوفاة طبيعية، أمرت النيابة بتسليم الجثة لأهليته لدفنه.
ونعى تنظيم ولاية سيناء الإرهابي محمد مرسى العياط الإخواني الراحل، وذلك في بيان نشره على صفحته على فيس بوك، مهددا بشن عدد من الهجمات الإرهابية بعدة محافظات خلال الفترة المقبلة. ولعل هذا دليل واضح على علاقة التنظيم المتورط في سفك دماء المصريين بجماعة الإخوان الإرهابية، والتي تقوم على الدوام بتقمص العديد من الأدوار من أجل تحقيق أهدافها التي تهدف لهدم الدولة.
وفي هذا السياق أعرب الرئيس التركي أردوغان في تصريح صحفي أدلى به في اسطنبول عن تعازيه للشعب المصري، قائلا: ” مع الأسف جرى هذا في قاعة المحكمة، وأنا بداية أدعو الله بالرحمة لأخينا وشهيدنا “، ورفض عموم الشعب المصري عزاء الرئيس التركي، فالشعب يدرك من واقع ملموس أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية، ومن يمولها أو يروج لها فهو إرهابي مثلها، ولا داع للمزايدة على الشعب المصري الذي يشهد له التاريخ قيامه بثورتين خلال سنة واحدة، فهو شعب نابض بالحياة ويميز بوضوح بين الصالح والطالح، ويدرك من هو الشخص الوطني ومن لا يعترف بالوطن ويعتبره حفنة من تراب.. !!!
واعتبر أردوغان أن الغرب بقي صامتا حيال الإعدامات التي نفذت في مصر خلال عهد الرئيس المصري الحالي، مشيرا إلى أن البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي شاركت في الاجتماع، الذي دعا إليه الرئيس السيسي في مصر، وذلك في الوقت الذي تحظر فيه هذه الدول عقوبة الإعدام.. وتناسى الرئيس التركي أنه صرح مراراً برغبته في إعادة تطبيق عقوبة الإعدام بتركيا، وحذره الاتحاد الأوربي من هذه الخطوة وتراجع عن هذا الأمر.. فهل فقد الرجل الذاكرة ؟ لنقل أنه فقد الصواب من أمره، وورط تركيا في بناء جدار من العداوة بينها وبين العديد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية وسوريا، فمن المؤسف أنه ورط الشعب التركي مع شعوب صديقة.. وورط دولته وأجهزة مخابراته في أنشطة مباشرة مع تنظيمات إرهابية، وهو أمر لا يغتفر على المستويين القانوني والسياسي، وسيأتي اليوم الذي يُتَهَم فيه بتوظيف الإرهاب، وربما يَمثُل أمام القضاء الدولي متورطاً في جرائم ضد الإنسانية.. .
هذا وفي شأن قضية مقتل خاشقجي فقد ادعت أغنيس كالامار المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون القتل غير القضائي، أن بحوزتها أدلة تربط ولي عهد السعودية بقتل الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي.
المحققة الأممية في مقتل خاشقجي
وقات كالامار، الخبيرة المستقلة التي لا تتحدث نيابة عن الأمم المتحدة، إن تحقيقها “حدد وجود أدلة موثوقة تستدعي المزيد من التحقيق في المسؤولية الفردية لمسؤولين سعوديين كبار من بينهم ولي العهد” وحملت تصريحاتها تناقض صارخ في فقد أكدت السيدة كالامار أنه ” لم يتم التوصل إلى استنتاج فيما يتعلق بالمسؤول عن الجريمة” وذلك بعد تحقيقاتها التي تدعي أنها استندت على أدلة هامة، من بينها صور كاميرات المراقبة من داخل القنصلية.. ومن سياق ما صرحت به كالامار استنتج كخبير قانوني ومحلل أمني أن خبرتها محل شك؛ فالمملكة العربية السعودية اعترفت بالجريمة وأدانتها وقدمت مرتكبيها للقضاء، حيث سبق وأعلنت النيابة السعودية أنها وجهت اتهامات رسمية بالتورط في قتل خاشقجي لـ 11 شخصاً وتطالب بإعدام خمسة منهم، أما عن اتهام الخبيرة الأممية لولي العهد السعودي، فهي لا تملك أدلة على ذلك والعجيب في الأمر أنها أقرت بهذا.. فادعاءات أردوغان وأتباعه لا تعدو عن كونها استنتاجات لا تستند لدليل، وإن كان لديهم الدليل فليقدموه.. فالإدانة في المسائل الجنائية لا تبنى على التخمين والتوقعات والقرائن وحدها.. ولكن تبنى فقط على الجزم واليقين.
وقد استقر القضاء عامة في كل الدول المحترمة على أن القرائن التي تستنتج من التحريات الأمنية ـــ أقصد التركية هنا ـــ ﻻ تصلح بمجردها أن تكون دليلاً كافياً بذاته على ثبوت الاتهام، فهي ﻻ تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان، والصدق والكذب؛ إلى أن يُعلن مصدرها ويكون موثوقاً فيه.. فما بالك إذا كان أردوغان وأتباعه خصوماً سياسيين للنظام الحاكم السعودي، والسبب الرئيسي لهذه الخصومة هو دعم النظام التركي لتنظيم الإخوان الإرهابي.. وقد ادعت أجهزة الأمن التركية هذا في إفاداتها التي قدمتها للمحققة كالامار.
ورداً على هذا فقد علق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أتراك في قضية مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، خلال حواره مع صحيفة الشرق الأوسط. قائلاً ” فيما يتعلق بتصريحات بعض المسؤولين الأتراك تجاه المملكة، فالمملكة بوصفها حاضنة الحرمين الشريفين تسعى لأن تكون علاقاتها قوية مع كل الدول الإسلامية، بما فيها تركيا، وهذا أمر مهم لمصلحة المنطقة بشكل عام والعمل الإسلامي المشترك بشكل خاص “. ويتضح من هذا التعليق أن ولي العهد شخصية متزنة واثق من موقف بلاده، فالمهاترات والإساءات لا يراها تليق بالكبار. ونحن من جانبنا نطلب من أي طرف لديه دليل ما في قضية خاشقجي أن يقدمها، كما نرى أن جمال خاشقجي خائن لوطنه، وحاولت السلطات السعودية مراراً تقويم سلوكه الشائن.. إلا أنه أبى، فوضعه تماماً كوضع سكريبال؛ الجاسوس الروسي لدى بريطانيا.. وأؤكد في هذا الصدد رفض قتل الخائن خارج نطاق القانون، وهو موقف القيادة السعودية أيضاً.
هذا ومن ناحية ثانية فأرى أن موقف الرئيس التركي ينطبق عليه قول المولى عز وجل في كتابه الحكيم “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ“ (6 الحجرات)، وقد يختلف معي قارئ في وصفي لأردوغان بأنه ” فاسق”؛ لذا أسوق هذه الحجج المؤيدة لانطباق هذا الوصف عليه : فهو سمح بتقنين الدعارة في دولته؛ وتوجد دلائل دامغة قدمها معارضوه على تورط أقاربه وأسرته في جرائم فساد مالي ولم تتحرك السلطات التركية المشاركة له في الفساد؛ وتعامل مع تنظيمات إرهابية وقام بتصدير الإرهاب للعديد من الدول ومنها مصر واعترف صراحة بهذا؛ وقمع معارضيه، فليس خافياً على أحد أن بالسجون التركية ما يزيد على ١٥٠ ألف محبوساً باتهامات تتعلق بالانقلاب؛ فنحن نتحدث عن حاكم طاغية يزور إرادة شعبه في الانتخابات المحلية التركية الأخيرة؛ التي كشفت عن معارضة شعبية تركية قوية لسياسة هذا الطاغية؛ رجل يراوده وهم أحقيته في زعامة العالم الإسلامي؛ وأخيراً وليس آخراً فقد أمر جنوده باحتلال جزء من أراضي الدولتين السورية والعراقية، فتركيا في عهده أضحت دولة احتلال مثلها مثل إسرائيل تماماً.. لكل هذا فإن لفظ “فاسق” لا يليق به؛ بل يستحق ما هو أدنى من هذا بكثير.. ومع هذا وبكل موضوعية وتجرد فإن هذا الفاسق اتخذ قراراً يُحترم ـــ حتى الآن ـــ بشأن إصراره على تنويع مصادر تسليح الجيش التركي، وذلك بشراء منظومة S400 الروسية، رغم الضغوط الأمريكية الشديدة.. وإن صمد للنهاية فستحسب له بالطبع، وإن تراجع في اللحظات الأخيرة فهذا هو عهدنا به؛ وستضاف كحلقة من حلقات الإذعان المُهين لهذا الرئيس.