بقلم : مايسترو
“دونالد جون ترامب” مواليد 1946، ملياردير أمريكي، رجل أعمال في مجال العقارات، أسس وأدار عدة مشاريع وشركات ومنتجعات ترفيهية في جميع أنحاء العالم، ساعدته طريقته الصريحة في التعامل على جعله من المشاهير في الولايات المتحدة والعالم، وقد سبق له القيام بتجربة تقديم برنامج واقعي على قناة (NBC) عرف بـــ (The Apprentice)، وبدأ دخول ميدان السياسة عام 1986، وشرع في الترشح للرئاسة عام 2012 عن حزب الإصلاح ولكنه تراجع، وبعد انضمامه للحزب الجمهوري نافس على الرئاسة عام في انتخابات 2016 واستطاع الفوز بها أمام مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وأصبح في 20 يناير 2017 الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
اتسمت لغة خطابه ومواقفه بالشعبوية، فحمل مواقف تتفق مع حزبه الجمهوري أهمها تخفيض الضرائب خاصة للطبقة الوسطى، وأخرى تميز بها الحزب الديمقراطي مثل زيادة الصرف على البنية التحتية مما أدى إلى زيادة شعبيته بين الناخبين؛ وأهم القضايا السياسية التي أعلن عنها: مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية الدولية بما يتفق وتحقيق المصالح الأمريكية، وحظر الهجرة غير الشرعية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وصَرَّحَ مرارًا عن دعمه وتبنيه لمبدأ “أميركا أولًا” في سياسته الخارجية؛ وبناء عليه واجه الاتحاد الأوربي برفضه المساهمات المالية المتواضعة التي تقدمها الدول الأوربية خاصة ألمانيا وفرنسا في حلف “الناتو” وما زال يضغط في هذا الاتجاه حتى الآن.
وإذا كان رؤساء أمريكا على مر العصور لم يقف أي منهم في موقف عدائي من الصحافة “صاحبة الجلالة” إلا أن ترامب غير في قواعد التعامل مع الصحافة والصحفيين، فمنذ توليه لمنصب الرئاسة دأب على الدخول في صدامات حادة مع أكبر الصحف الأمريكية والعالمية انتشاراً، فقال ذات مرة ( إن صحيفتي “واشنطن بوست” و “نيويورك تايمز” أكثر وسائل الإعلام كذبا… ) وغرد مهاجما الصحيفتين باعتبارهما “أعداءً للشعب” وجاءت تغريدته عقب إعلان النص الكامل لتقرير المحقق الخاص روبرت مولر، حيث ذكرت صحيفة واشنطن بوست في يونيو 2017 أن مكتب مولر يحقق أيضا في قضية الرئيس ترامب واحتمالية عرقلته للعدالة، في إشارة إلى التحقيق الخاص بالدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
كما حدثت مشادة كلامية بين الرئيس الأمريكي ترامب وصُحفي بشبكة “CNN ” الإعلامية الأمريكية أثناء مؤتمر صحفي للرئيس بشأن نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس، وخلال إجابته عن سؤال طرح الصحفي بعض الأسئلة الإضافية. وبعد سؤالين أو ثلاثة منه قال ترامب ” نكتفي بذلك”، لكن الصحفي واصل محاولاته بطرح مزيد من الأسئلة، فقال ترامب مخاطبا الصحفي إن “CNN” يجب أن تكون خجولة من أن شخصا مثلك يعمل فيها، وأنت وقح وفظيع”.
ولعل أخطر مواقفه المتعلقة بالشرق الأوسط هو ما دعا إليه عام 2015 باللجوء لاستخدام لقوات البرية والجوية الأمريكية في الاستيلاء على النفط في المناطق التي كان قد احتلها تنظيم (داعش( فاحتلال منابع النفط في هذه المنطقة حلم يراوده.. كما يسعى لتنفيذ مقترح لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اطلق عليه إعلامياً ” صفقة القرن” وفقاً لقواعد جديدة بعيداً عن مبدأ ” الأرض مقابل السلام” حيث تهدف هذه الصفقة إلى تقديم مقومات الازدهار الاقتصادي للفلسطينيين مقابل السلام.. ويبدو أن قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو بمثابة ضربة البداية في طريق تنفيذ تلك الصفقة.. ويحاول تهيئة الظروف المواتية لتنفيذها مع الأطراف المعنية، ورائده في هذا هو تبني كل الطموحات الإسرائيلية.. والتي تصل به في معالجة الموقف الإيراني إلى الشروع في دخول حرب من أجل إنفاذ هدف استراتيجي إسرائيلي يتمثل في تدمير البنية التحتية النووية لإيران، رغم المخاطر الجمة التي تحيط بهذه المواجهة، حيث سيخسر جميع الأطراف بدرجات متفاوتة.. فالرجل يحاول جاهداً تغيير كل قواعد اللعب السياسي والاقتصادي الدولي.. .
وفيما يتعلق بموقفه من قواعد اللعب على مسرح الاقتصاد العالمي فالأمر يتطلب عرض لأهم معطيات الموقف؛ وبداية فقد عقدت الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة عام1947، وهي المعروفة اختصاراً باتفاقية الجات ” GATT” وتهدف إلى التخفيف من قيود التجارة الدولية، وتضمنت خفضاً للرسوم الجمركية، وهي اتفاقية غير ملزمة لأعضائها وأهم أهدافها : العمل على تحرير التجارة الدولية، وإزالة العوائق أمام التبادل التجاري بين الدول وإلغاء نظام الحصص وكبح الدعم والإعانات الحكومية.. ويبدو أن هذه الاتفاقية كانت تهدف إلى ضمان تحقيق الدول الغربية الصناعية الكبرى ميزات تجارية في مواجهة الدول النامية، فهي باختصار تستفيد من استخدام التكنولوجيا بتحقيق انتاج ضخم يتم تسويقه بقواعد تكاد تمنع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية من التحكم في دخول السلع والخدمات بفرض ضرائب ورسوم جمركية.
هذا وتأسست عام 1998 منظمة التجارة العالمية (World Trade Organization) وهي منظمة عالمية مقرها مدينة جنيف بسويسرا، ومهمتها الأساسية ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من الحرية، يضمن من خلاله المنتجين والمصدرين استمرار الأسواق الخارجية مفتوحة لهم، في ظل وضع دولي تنافسي للتجارة يعتمد بشكل أساسي على الكفاءة الاقتصادية في تخصص الموارد، وهي بهذا تسير في اتجاه اتفاقية الجات السابق الإشارة إليها، بل تعد بمثابة النسخة الجديدة لها، إلا أنه في ظل نظام الجات كانت الدول تتمتع بقدر أكبر كثيراً من الحرية بما يضمن تحقيق استراتيجياتها الاقتصادية الخاصة، حيث كانت القواعد التجارية أضعف وأقل شمولاً، وربما لم يخطر ببال واضعي هذه القواعد أن يستفيد منها عملاق أسيوي كالصين والهند مثلاً.. بما يجعل قواعد اللعب تتحول لصالح أطراف أخرى غير المحركين الأساسيين لمنظومة التجارة العالمية الحرة في نسختيها.
هذا ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد سبق ووقعت على اتفاقية الجات،
وهي كذلك عضو في منظمة التجارة العالمية، إلا أن للرئيس ترامب رأي آخر يغير به قواعد اللعب؛ فإذا كانت العلاقات التجارية مع الصين وفقاً للمنظومتين المشار إليهما تميل ميلاً كبيراً لصالح الصين؛ فلتتغير القواعد تطبيقاً لمبدأ “أمريكا أولاً” ولا شيء فوق المصالح الأمريكية.. حتى لو كانت اتفاقيات دولية.. وسَمِها ما شئت، أهي بلطجة تجارية وسياسية.. يرى ترامب أن ما يفعله تجاه الصين هو استرداد لحقوق مسلوبة أهمها حقوق الملكية الفكرية الأمريكية التي تُهدر من قبل الصين؛ وحجج أخرى يرددها ترامب وإدارته.. ولهم أيضاً الحق في الدفاع عن مصالحهم، فالنظام الاقتصادي العالمي الآن يشهد أحد أهم مراحله الانتقالية، إذ أنه بصدد تغيرات وتبدلات كبيرة على صعيد موازين القوى وآليات اتخاذ القرار، فما أشبه اليوم بالبارحة، فالمرحلة التي تمر بها التجارة العالمية أشبه بتلك التي كانت إبان نهاية الحرب العالمية الثانية، فهل سيربح ترامب في هذا الصراع التجاري مع الصين ؟ أم أن الأخيرة لديها أوراق ضغط يمكن استخدامها في مواجهة الانقلاب الأمريكي، أم أن الجانبين يمكن أن يتوصلا لنقطة تلاق تتحقق عندها مصالح العملاقين، كبديل لحرب تكسير عظام تضر بالجميع.
هذا وإذ تمتعت الصين في هذه الآونة بميزات تجارية نسبية أكبر من غيرها في منافسة الولايات المتحدة على صدارة ترتيب الاقتصاد العالمي فهذا لا يعني أنها ستكون الوحيدة؛ فهناك اقتصادات أخرى كالهند قادرة على إحداث ثورة في كمية الإنتاج منخفض التكاليف، بالقدر الذي يمكنها من إغراق الأسواق العالمية بمنتجاتها، فوالدول النامية بشكل عام ــــ شريطة قدرتها على تسخير التكنولوجيا في مقومات انتاجها ـــــ ستكون هي الأقدر على التحرك في هذا الاتجاه، نظراً لما تتمتع به من انخفاض في تكاليف الإنتاج ووفرة في الموارد الطبيعية؛ مع رغبة رأس المال العالمي للهجرة إليها.. .