بقلم : مايسترو
تزايد في الآونة الأخيرة الحشد العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي بما يشير لحرب وشيكة ضد إيران، رغم أن الخبراء العسكريين يشيرون إلى أن الحرب تتطلب حشوداً من الجنود المشاة لا تقل عن 120 ألف جندي، فهي حرب لا يكتفي فيها بالصواريخ وحدها، ورغم أن ترامب مُصِر على عدم الدفع بجنود مشاة ضمن الحشد إلا أن ضغط البنتاجون سيجعله غالباً سيوافق على إرسال 10 آلاف جندي كمرحلة أولى، ومع هذا فما زال المشهد لا يعدو ــــ حتى الآن ــــ عن كونه استعراضاً للقوة هدفه دفع إيران لإعادة التفاوض، لذا فإن إيران تتشدد في ردها وتَظهَر بمظهر الواثق من قدراته، ولكنها لن تتهور بالقيام بأي اعتداء في مواجهة المصالح أو الحشود العسكرية الأمريكية. وعلى جانب آخر فقد صرح خامنئي المرشد الأعلى الإيراني بتصريحات نارية تجاه واشنطن؛ حيث قال : إنه لم يكن على قناعة تامة بالطريقة التي يجري بها تنفيذ الاتفاق النووي، وأكد أن زوال الحضارة الأمريكية وإسرائيل “أعداء البشرية” أمر محتوم.
هذا وأشارت أحدث استطلاعات للرأي أجرتها رويترز بالاشتراك مع “إيبسوس” الأمريكية ــــ الأخيرة شركة أمريكية عالمية للدراسات والأبحاث ـــــ ذهب فيها 51% من الأمريكيين إلى أن الولايات المتحدة في سبيلها لشن حرب على إيران، هذا وكشف أيضاً عن أن 49% من الأمريكيين غير راضين عن الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع الملف الإيراني، وأنه رغم المخاوف، فيرى 60% من العينة التي تم استطلاع رأيها عدم توجيه ضربة استباقية لإيران.
وإذا كان الخطر الإيراني يهدد الخليج، فإنه يهدد بشكل أكبر إسرائيل.. وأرادت الولايات المتحدة تشكيل “ناتو عربي” لمواجهة إيران بشكل مباشر، وهو أمر من شأنه زيادة الانقسامات بين دول المنطقة، وبهذا يتحقق لإسرائيل هدفها دون أدنى تكلفة ! ولما رُفضَ هذا المقترح، فقد حشدت أمريكا سفنها وطائراتها الحربية في الخليج من أجل الضغط على إيران للتفاوض، وإن تهورت الأخيرة.. فقد هددها ترامب بدفع الثمن غالياً، وبهذا فالحرب الأمريكية الإيرانية المباشرة ليست هدفاً للدولتين، بينما تسعى إسرائيل لها بقوة، وتعتبر قصف المشروع النووي الإيراني هدفاً استراتيجياً يجب إدراكه، وتخطط له من زمن؛ فقد حاولت بكل ما أوتيت من قوة تنفيذه في نهاية الفترة الرئاسية الثانية لأوباما.. وفشلت، وما زالت تدفع في هذا الاتجاه حتى ولو كان ثمنه دماء أمريكية ستسيل بغزارة، ومن المؤكد أن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً في هذه المواجهة إن دارت رحاها.. حيث مواجهة إيران وأذرعها المتمثلة في : حزب الله وجيوب إيران في سوريا سيصعب من المواجهة، خاصة إذا كان توقيت ضربات تلك الأذرع مع إيران متزامناً، ويبدو أن محور الجبهة الحمساوية هو المشكوك في قيامه بالدور النشط حال وقوع الصدام الرهيب، لذا أُمرت قطر بتقديم المال الوفير لحماس في الآونة الأخيرة، وغالباً ستشترط عليها التزامها الحياد تماماً حال نشوب الصراع المشار إليه، مع وعد بمزيد من العطايا.. بل ونشاهد صمت مطبق عن حديث البيت الأبيض الذي ثار منذ أسابيع عن إدراج الإخوان على لائحة التنظيمات الإرهابية.. ! فيبدو أنها كانت مناورة سيتم المساومة بها مع قيادات التنظيم لإلزام حماس أيضاً بالتوقف عن أي تحرك حال المواجهة المشار إليها.
هذا ويجب أن نؤكد على تحرك نشط مرتقب للتنظيمات الإرهابية المعادية لواشنطن سيصاحب حالة الصدام المفترض وقوعه، فهذه التنظيمات لا شك أنها جهزت خططاً انتقامية حال وضعت الحرب أوزارها، فهي فرصة سانحة لتحقيق أهدافها في ظروف تنشغل فيها الأجهزة الأمنية بما هو أخطر؛ فالمصالح الأمريكية ومن يحمل الجنسية الأمريكية ستكون في خطر خاصة في منطقة الشرق الأوسط.. لذا فإن من مصلحة أمريكا الحقيقية إضعاف تلك التنظيمات الإرهابية بوقف الدعم لها من قبل الدول الراعية للإرهاب، فهذه التنظيمات بالطبع غير مؤمنة بالنسبة للغرب بشكل عام وأمريكا خاصة، فإن سنحت الفرصة فهم يعتبرون أمريكا الشيطان الأكبر، كما أن القطع البحرية الأمريكية في الخليج أصبحت في مرمي الصواريخ الإيرانية، كما أن القاعدة الأمريكية في البحرين ستكون في خطر داهم، فالنيل منها من خلال بعض عناصر شيعة البحرين المتطرفين وارد وبقوة، فمنهم من هو على استعداد للقيام بعمليات انتحارية، وغالباً سيلجئون لأساليب هجومية غير تقليدية ومؤثرة بدرجة كبيرة، تقترب من حد اليقين.. وغني عن البيان أن الخسائر الإيرانية ــــ ودون استخدام للقوة النووية الأمريكية ـــــ ستكون فادحة لدرجة غير مسبوقة في تاريخ الحروب، وهنا يبدو أن نتيجة الصدام المحتمل مؤداها أن الكل في هذه المواجهات خاسر وبدرجات متقاربة.. وإذا كان ما سبق هو ما يتعلق بتأثيرات الحرب المحتملة على أطرافها، إلا أن هناك تأثيرات أخرى عالمية بالغة الخطورة، تتمثل في إشكالية توقف حركة النفط عبر الخليج العربي من ناحية وباب المندب من ناحية أخرى، والأخير بسبب اعتداءات متوقعة يقوم بها العناصر الحوثية اليمنية، والمدة قد تطول.. .
أما عن الموقف التركي من هذا الصراع، فأمريكا مدركة تماما لشخصية الرئيس التركي أردوغان، فقد كشر ترامب عن أنيابه الاقتصادية فتراجع أردوغان عن شراء النفط الإيراني قهراً، رغم المميزات التجارية التي يشتري بها هذا النفط، أما عـــــن S400 فنغالب الظن أنه سوف يتراجع في الوقت المناسب، فقد سبق له وسلم الجاسوس الأمريكي “أندرو برونسون” دون أي مقابل، وحاول أردوغان أن يبادل القس الجاسوس بالمُصلِح الاجتماعي والمفكر الجليل فتح الله كولن المقيم في أمريكا، ورُفضَ طلبه وانصاع للقهر الأمريكي، فالخسائر الاقتصادية المقابلة في حالة إصراره على موقفه لا يستطع تحملها وتُكَلف تركيا الكثير، فقد سبق وعاند فهبطت الليرة التركية لتفقد 40% من قيمتها في أقل من شهرين، وإبان أزمة الجاسوس روبنسون لم يتوقف أردوغان عن مهاجمة الولايات المتحدة والتصريح بأن بلاده لن تُهَدد ولن تخضع للشروط الأمريكية، وأن القضية هي شأن قضائي لا يتدخل الرئيس فيه.. وعندما تدهورت الأحوال الاقتصادية وهددت الإدارة الأمريكية بتوقيع عقوبات على بنك “خلق” الحكومي التركي لتورطه في عملية غسل أموال لصالح إيران لمساعدتها في تجاوز العقوبات الأمريكية، مما يهدد تركيا بتوقيع عقوبات على البنك بمليارات الدولارات.. فرضح الديكتاتور وسلم الجاسوس روبنسون ولم يقف القضاء التركي حائلاً دون هذا الأمر كما سبق وادعى !!! وإن دل هذا على شيء إنما يدل على ضعف شديد في بصيرة أردوغان السياسية.. وهو الآن يحاول المساومة بموقفه من صفقة S400 ويزايد بالوقت، فموسكو جاهزة لتسليم المنظومة الدفاعية حالاً، إلا أنه يرجئ مرحلة التنفيذ.. ولعل مساومته لأمريكا ستتركز على طبيعة واستمرارية وجوده في الشمال السوري ومدى الدعم الأمريكي للأكراد.
هذا وإن جاز لنا أن نوجه رسالة للبيت الأبيض في نهاية المقال، فنقول : إذا كان الصدام العسكري مع إيران فرض يمكن أن يصبح واقعاً، فليس من الحكمة أن تحارب في عدة جبهات مؤثرة، فكيف تعلن الحرب الاقتصادية الطاحنة على الصين في هذه الظروف ! فسوف يساومك بالتأكيد التنين الصيني على اتخاذه موقفاً محايداً من صراعك مع إيران، بالطبع فهو لن يحارب مع إيران في مواجهة القوات الأمريكية، ولكن المساومة ستكون مقابل موقف محايد معلوماتياً وتكنولوجياً.. لذا فقد يُعلَن عن اتفاق أمريكي صيني على إعادة النظر في المنظومة الضريبية والعلاقات التجارية بينهما بما يحقق الفائدة للدولتين؛ وذلك فقط لإنقاذ ماء الوجه. أما عن الدب الروسي فخطورته بالغة حال تعرض قواته خاصة في حميميم لنيران إسرائيلية.. فتعرضها لأي هجوم سيضطر معه بوتن للرد بقوة، وربما تنفلت الأمور لمواجهة مباشرة مع إسرائيل، ستتورط فيها أمريكا بالطبع.. وبهذا يتحول الصدام لحرب عالمية.