بقلم: مايسترو
اضغط على الصورة للوصول إلى الرابط
سترة مجهزة بعبوات ناسفة يستخدمها الانتحاري
(زمان التركية) – شباب ينتحرون بتفجير أنفسهم، يقتلون ويقتلون من أجل عقيدة رسخت في أذهانهم، وساقهم فكرهم المنحرف إلى اعتبار جرائمهم نوع من الجهاد في سبيل الله..
ولعل المتابع لهذه العناصر سواء من تم ضبطهم بضربات أمنية استباقية قبل قيامهم بتنفيذ جرائمهم، أم من خلال متابعة السيرة الذاتية للانتحاريين منهم فسيجد أن خلفياتهم الدينية ضحلة؛ فمعظمهم لا يكادون يحفظون من القرآن الكريم سوى ما يعينهم فقط على الصلاة، ومستواهم الثقافي الديني متواضع للغاية، وهم يخضعون لبرامج إعداد خاصة من قبل التنظيمات الإرهابية تتعلق بالتأصيل الشرعي الذي يقدم لهم من مزوري الفقه الإسلامي الصحيح، وبجانب هذا تُقدم لهم تلك التنظيمات في كثير من الحالات أموال وفيرة، تُمنَح لذويهم بعد تنفيذهم للعمليات الانتحارية، وتقوم التنظيمات الإرهابية بانتقاء العناصر المرشحة للقيام بهذه العمليات، خاصة ممن لهم تجارب سابقة مؤلمة مع أجهزة أمنية.. حيث تسفر بعض تجاربهم السلبية مع السلطات عن رغبة محمومة في الانتقام.. وبدراسة حالة أحد الانتحاريين نجده شاب في أوائل العقد الثالث من العمر، طالب بكلية علوم، يحمل أفكار تكفيرية، تم حبسه احتياطياً على ذمة جريمة ارتكاب أعمال عنف أثناء فعاليات للتظاهر، ثم أخلي سبيله، وخلال فترة حبسه الاحتياطي مر بتجربة صعبة.. وله أخ شقيق ينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية. لذا قرر القيام بتفجير نفسه في الكنيسة البطرسية بالقاهرة 11 ديسمبر 2016.
نموذجان آخران لشخصيتين يتسمان بفكر ديني سطحي، تملكهما بعمق حالة من اليأس اندمجت معها مشاعر الإحباط.. واعتنقا الفكر التكفيري الداعشي، ويمثلهما : الإرهابي/ أحمد محمد زيد، 27 سنة، خريج معهد فني تجاري ولا يعمل، والإرهابي/ حمزه شعبان، 19 سنة، حاصل على الإعدادية ويعمل فران، وتم ضبطهما من قبل الأمن الوطني المصري عام 2017 قبل عيد الفطر مباشرة بضربة أمنية استباقية، أُجهِض على أثرها مشروع الجرم الإرهابي الذي كان يخطط لارتكاب تفجيرين انتحاريين متتالين لكنيسة بالإسكندرية نهار الأحد، الموافق لأول أيام عيد الفطر المبارك.
أحمد محمد زيد وحمزه شعبان ومشروع لعملية انتحارية في محيط كنيسة بالإسكندرية
اضغط على الصورة للوصول إلى الرابط
ويؤكد سلوك هؤلاء الإرهابيين ضد المسيحيين في مصر على أنهم لم يستوعبوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، الذي كان قائماً على العدل والرحمة والتسامح، وسيرته صلى الله عليه وسلم خير شاهد على تمتع الأقلية غير المسلمة بالحرية الدينية؛ فلم يرتضِ يومًا أن يَفرِض عليهم عقيدة الإسلام امتثالاً لأمر تعالى ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” 99 يونس؛ لم يفقه هؤلاء أيضاً تقريب العقول وترقيق القلوب في قول المولى عز وجل ” وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ” 46 العنكبوت، فالآية تبعث في أهل الكتاب هِمَّة التعاون والتآلف لا التنافر والتباغض، فخالقنا واحد، وقد أنزل إلينا وإليهم هديا لا تعارض فيه حول حرية العقيدة والحفاظ على الأنفس وغيرها من أصول الدين.
وجدير بالذكر أن هناك تبايناً في الرؤى بين الخبراء؛ فريق منهم يمثله غالبية خبراء الأمن والمفكرين ــ اتفق معه ــ يرون أهمية وجدوى المواجهة الفكرية للتطرف ويعتبرون هذا المسار مساو في الأهمية للمواجهة المسلحة للجرائم الإرهابية، بينما هناك فريقاً آخر يرى عدم جدوى هذه الجهود، ويمثله جانب من خبراء الأمن المعنيين بعمليات المواجهات الأمنية للتنظيمات الإرهابية والإرهابيين، وسندهم في هذا أن نسب نجاح هذه الجهود لمن دخل بالفعل دائرة الإرهاب نادرة؛ بينما هي ضئيلة للغاية لمن دخل فقط دائرة التطرف، وأن المواجهة الواقعية للخارجين عن القانون هي الرادع الأساسي لمن يدعو للتطرف أو يدخل في دائرة ارتكاب الجرائم الإرهابية، خاصة وأن التجارب السابقة للمعالجات الفكرية في مصر شهدت ارتدادا للكثير ممن أعلنوا ـــ أعضاء الجماعة الإسلامية في السجون المصرية ـــ عام 1997 العدول عن اتخاذهم للعنف والقوة سبيلاً لمواجهة الدولة، فالكثير منهم ادعوا عام 2012 تعرضهم لضغوط من السلطة أجبرتهم على هذا النهج السلمي؛ ثم ما لبثوا أن عادوا وآخرين للمسار الإرهابي عقب الثورة المصرية في 30 يونيو 2013. هذا ويتفق الجميع ـــ الفريقان المشار إليهما ـــ على أهمية ومحورية الدور الوقائي لمواجهة الفكر الديني المتطرف الذي يستهدف عموم الجمهور الذين لم يدخلوا دائرة التطرف بعد.
ونؤكد في هذا السياق على حتمية بذل جهود قوية لمعالجة أصحاب الفكر المتطرف، بل ولمن سلك سبيل الجريمة الإرهابية، ولعل نجاح هذه الجهود خاصة إذا حققت نجاحاً مع عناصر قيادية للتنظيمات المتشددة أو الإرهابية.. فسوف تؤدي لعدول الكثير من أتباع التنظيم ليحذوا حذوهم، ولنا في نهج رسولنا الكريم الأسوة فبرغم كل التاريخ الأسود لقبيلة ” ثقيف” مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، إلا أنه استقبل وفدهم خير استقبال، ولم يُذَكِّرْهُمْ بماضيهم.. بل قابلهم صلى الله عليه وسلم بالترحاب وكرم الضيافة وجلس معهم يستمع لمفاوضيهم ومقترحاتهم ولم يغضب منهم، بل ناقشهم بهدوء وتكلَّم معهم برَويَّة، ومع سفاهة مطالبهم ورفضه لها إلا أنه استخدم معهم أسلوباً يتسم بالحجة والإقناع، حتى قَبِلَ وفد ” ثقيف ” بالإسلام كاملاً دون انتقاص ولا تفريط، ودخلت بعد ذلك القبيلة في الإسلام، وكانت من أكثر الناس ثباتًا على الإسلام حتى في زمن الردة.. .
ولعل السؤال الذي يتبادر لذهن القارئ الآن : ما هي أهم سبل مواجهة هذا الفكر المتشدد ؟ والحقيقة أننا أمام معضلة، فالغالبية العظمى من المتطرفين لا يسمعوننا؛ فهم يتجنبون مشاهدة القنوات التليفزيونية العادية سواء التابعة للدولة أم القنوات الخاصة، وتحرص التنظيمات الإرهابية على عزلهم عن جهود التنوير والتثقيف ليظلوا محاصرين فكرياً في عالمهم المظلم.. وتُجَنِد تلك التنظيمات أتباعها منذ نعومة أظافرهم وتحيط عقولهم بسياج من المفاهيم المغلوطة فيظلوا عليها عاكفين.. لذا فإن جهود الدولة ومنظمات المجتمع المدني يجب أن تتخذ مسارات غير تقليدية لمواجهة هذا الفكر المتشدد الغارق في الغلو.. .