علي يورطاجول
كان يوم 24 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي هو الموعد “النهائي” للتوصل إلى اتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن + ألمانيا) بشأن برنامجها النووي. ولأن “المواعيد النهائية” هي عبارة عن فترة زمنية، فكان من الطبيعي أن تمدَّد هذه الفترات.
أصبح هدف الغرب هو التوصل إلى اتفاق مع إيران بحلول شهر يوليو/ تموز 2015. لكن لم تتسرب معلومات كثيرة حول سير المفاوضات المستمرة بين الطرفين في فيينا. ونفهم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن طرفي المفاوضات قطعا شوطًا إيجابيًا من أجل التوصل إلى اتفاق، وإن لم يكونا قد توصلا بعد إلى اتفاق فعلي.
ستبدأ المفاوضات من جديد بين الجانبين في ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وستستمر على مدار أربعة أشهر، وبعدها سيتناولان تفاصيل نص الاتفاق خلال الفترة ما بين شهري أبريل / نيسان ويوليو / تموز 2015، أي أن طرفي التفاوض سينتقلان إلى الفصل “الساخن” من المفاوضات. وربما يتطلب الأمر مد المفاوضات لعدة أشهر بحلول شهر يوليو. ومن المعروف أن الشيطان يكمن عادةً في التفاصيل، كما أن الزمان في منطقة الشرق الأوسط مفتوح دائمًا على المفاجآت.
تمتلك إيران نحو 100 مليار دولار مجمدة في البنوك الغربية، ومن المقرر أن يتدفق على إيران مبلغ 5 مليارات دولار، من هذه الأموال المجمدة، حتى يوليو 2015 (بواقع 700 مليون دولار كل شهر). ويثبت قرار تخفيف الحصار المفروض على تجارة النفط ومشتقاته التي تقوم بها إيران، والذي اتخذه مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي أن المفاوضات بين طهران والغرب قطعت شوطًا إيجابيًا. كما تبرهن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي على أن الأجواء بين الطرفين أصبحت إيجابية، حيث قال: “أصبح العالم أكثر أمنًا بفضل الاتفاقات التي جرى التوصل إليها مع إيران في جنيف. ولم يعد هناك تهديد القنبلة النووية الإيرانية بعد اليوم؛ إذ إن طهران لا تنتج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%. كما أصبحت وحدة إنتاج اليورانيوم خارج نطاق الخدمة. ولم تعد طهران تنتج البلوتونيوم.كما أضحت الشفافية هي السمة الغالبة على أنشطة إيران النووية”.
يحمل تشديد كيري على لفظ “الشفافية” أهمية كبيرة للغاية؛ حيث إنه يثبت أن طرفي المفاوضات قطعا شوطًا كبيرًا للوصول إلى “الثقة” التي تعتبر أكبر عقبة في العلاقة بين إيران والغرب. وبالرغم من هذا، يدافع كيري عن فكرة أن العقوبات المفروضة على طهران لن تلغي دون التوصل إلى اتفاق شامل؛ إذ إنه يرى أن المشكلة التي تواجه المفاوضات ليست نابعة من موقف إيران فقط، بل يكمن وراءها – في الوقت نفسه – إدارة العقوبات المفروضة عليها. أضف إلى ذلك أن سطوة أوباما لم تزد في الانتخابات الأخيرة. ولهذا، فلا يمكننا القول إن مرور الوقت يصب في مصلحة إيران.
لقد لعبت إيران لسنوات طويلة على عامل الزمن، ليس من أجل حل قضيتها النووية بل في سبيل قطع مسافة في مجال التكنولوجيا دون أن يصيبها أي أذى على مستوى العلاقات الدولية. وكانت طهران دائمًا ما تفتح أبوابها كلما ضاق بها الحال أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإذا ما أفضت رقابة الوكالة على منشآتها النووية إلى نتائج خطيرة كانت تتهم الوكالة بأنها أداة في يد واشنطن، ومن ثم تغلق أبوابها في وجهها وتسعى لكسب المزيد من الوقت. ولا يمكن القول إن طهران لم تنجح في الوصول إلى مرادها إلى الآن.
لقد أصبحت إيران قادرة على دخول حديقة نادي الدول ذات القوة النووية وإن لم تتجوّل في حديقة هذا النادي بمظهر مبتذل مثل باكستان وإسرائيل إلا أنها بلغت مستوىً يمكّنها من الدخول إلى هذه الحديقة. أما المشكلة فتكمن في فاتورة هذه السياسة.
تدرك مجموعة الدول 5+1 محدودية إمكانية فرض عقوبات على إيران في مواجهة المكر الشرقي لإيران، ولهذا ردّت على هذه المسألة بفرض عقوبات اقتصادية.
يحمل النفط أهمية حيوية بالنسبة للغرب، وقد اعتقد ملالي إيران أن الغرب سيكون بإمكانه دفع فواتير النفط عندما ترتفع أسعاره إلى مستويات جنونية.
كان قطاع الاقتصاد بالنسبة للحرس الثوري الإيراني عبارة عن إدارة مصادر الطاقة المستخرجة من تحت الأرض في سبيل المحافظة على سلامة النظام. وكان الحرس الثوري قد بسط سيطرته على قطاع النفط وسائر المصادر والموارد الأخرى في إيران بعد أن تسلَّح تسلحًا كاملًا وحوّل الجيش الإيراني إلى مؤسسة لاستعراض القوة. وعندما بدأ الإيرانيون يشعرون بتأثير العقوبات في قطاعات كالصحة والصناعة والمواصلات والغذاء، بسط الحرس الثوري سيطرته كذلك على هذه القطاعات خشية أن تتحوّل إلى مشكلة أمنية. وكلما توسّع نطاق العقوبات المفروضة على إيران، أصبح الحرس الثوري غير قادر على السيطرة على الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
تعاني إيران في الوقت الحالي الأمرّين بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، بالرغم من أنها تملك أغنى مصادر الطاقة في العالم. فهذه الدولة التي “تسبح” في بحر من النفط، تستورد البنزين من الصين لتحافظ على الحركة المرورية في شوارعها. أضف إلى ذلك انهيار قطاع الصحة، فالعديد من الأمراض التي أصبحت لا تشكل معضلة كبيرة في بلاد الغرب، تعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة لإيران بسبب نقص الدواء. ويعتبر الأطفال الفئة الأكثر تضررًا جرّاء هذا الوضع. كما تعتبر البطالة هي المعضلة الكبرى للشباب.
يباع برميل النفط في الأسواق حاليًا بسعر أقل من 70 دولارًا، بالرغم من أن هذا السعر يقترَح عند مستوى 140 دولارًا في ميزانية إيران التي سيكون من الصعب على إدارتها أن تتغلب على العجز التجاري دون أن تلجأ إلى الاستعانة بالنفقات الاجتماعية. ولن يكون من الصعب بعد الآن أن تنسحب إيران من المفاوضات مع الغرب. هذا فضلًا عن أنها بدأت تلعب دورًا مهمًا في قضايا الشرق الأوسط بفضل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) على الساحة.
تسير المفاوضات بين طهران والغرب في الوقت الراهن بشكل جيد من وجهة نظر العالم والمنطقة وتركيا. ربما يبدو الأمر صعبًا. لكن من الممكن أن تخرج إيران من قالب الدولة التي تمثل مشكلة لتكون جزءًا من حل قضايا المنطقة. وسنكمل الحديث عن هذا الموضوع في وقت لاحق بحول الله.
صحيفة” زمان” التركية