1- تيسير التواصل وفتح آفاقه
أصبح الوصول إلى الخبر والحدث وتفاصيل الوقائع أينما حصلت في العالم، ممكنًا في مدة وجيزة جدًّا، وأصبح ممكنًا أيضًا ترجمة الخبر إلى اللغة التي يتقنها المتصفح بسرعة وسهولة، بل وتجاوز الإعلام وظيفة نقل الخبر إلى تقديم التحليل والتفسير، بعد أن كان مثل هذا العمل يحتاج زمنًا طويلاً أو أيامًا عديدة. وهذا التواصل لم يعد ينحصر بين طرفين اثنين، بل أصبح ممكنًا تعدد الأطراف مهما نأت بهم المسافات.. لقد سقطت الحواجز وانمحت الحدود.
2- سهولة وتعدد مصادر المعلومات
أكدت أبحاث كثيرة أن دوافع استخدام الشباب لشبكة الإنترنت، هو البحث عن المعلومة في المقام الأول؛ فقد أتاحت محركات البحث -مثل جوجل وياهو ويوتيوب- للشباب فرصًا ذهبية للوصول إلى المعلومات والاطلاع عليها، ولبَّتْ هذا الحق الإنساني الهام. فقد أصبح الوصول إلى المعلومات ممكنًا وبسرعة هائلة، وبالكمية الكافية، والشكل المتنوع.
3- توعية المواطنين
الوعي هو فهم وتحليل وتفسير للمعلومات، ويتطور طرديًّا مع الحياة الاجتماعية للشخص، وتفاعله القائم بينه وبين الموضوع الذي يتعامل معه. والإعلام الجديد التفاعلي الحر، أسهم بشكل لافت في رفع الوعي السياسي والاجتماعي والبيئي لدى الشباب، وأثّر فيهم وغيّر اتجاههم نحو كثير من القضايا.
التأثير والتغيير
الإعلام الجديد يعمل على تزويد الشخص بالمعلومات وتشريبه إياها حتى تشكِّل مكونًا من مكونات ثقافته، فتؤثر في مواقفه بتعديلها وتغييرها، ليأتي سلوكه مطابقًا لما تزود به من معلومات.. ومن خلال الفرد يتم التأثير في المجتمع، ومن ثم تسهم المعلومة في صياغة وبناء الواقع الجديد. فالتغيير المعرفي هو أحد مجالات عمل الإعلام الجديد، والتأثر هو تغير يقع إما في التفكير أو في المشاعر أو في السلوك، بسبب تلقي الرسالة الاتصالية. ولمعرفة هذا التأثير نحتاج إلى سبر التغييرات الفكرية أو الشعورية أو السلوكية أو المعرفية الناتجة عن إطلاق الرسالة الاتصالية ودراستها.
كيفية تأثير الإعلام
إن كمَّ المعلومات الهائل، التي يتلقاها الفرد في شكل صور جامدة أو لقطات فيديو متحركة أو بيانات ورسوم توضيحية أو غيرها، يُخضعها للتقييم الأولي، ثم يقرر قبولها أو رفضها. وهو غالبًا ما يقبل المعلومات التي تتفق مع ميوله وأهدافه ومخزونه المعرفي، أما إذا تناقضت المعلومات مع مخزونه المعرفي، فإنه يرفضها أو يعدّلها.
إن قبول معلومات جديدة، يؤدي إلى إحداث تغيير جزئي أو كلي في طبيعة المخزون المعرفي للإنسان؛ فالأفكار الجديدة التي يقبلها عقل الإنسان سوف تطرد القديمة، ما يؤدي إلى أداة تشكيل وحدات المخزون المعرفي من جديد، فيحصل التغيير المعرفي الذي أشرنا إليه. والتغيير المعرفي هو درجة متقدمة من تأثير وسائل الإعلام في حياة الإنسان، يمر بعملية تحول بطيئة تستغرق زمنًا طويلاً، لأن تأثير وسائل الإعلام في التكوين المعرفي للأفراد، يحدث من خلال التعرض طويل المدى لوسائل الإعلام كمصدر للمعلومة، فتقوم باجتثاث الأصول المعرفية القائمة لقضية أو لمجموعة قضايا لدى الأفراد، وإحلال أصول معرفية جديدة بدلاً منها.
إن الإعلام يؤثر بطريقتين؛ الأولى تغيير معلومات المتلقي، والثانية تغيير اتجاهاته ومواقفه العاطفية، وهو ما يؤدي إلى بناء نموذج إدراكي جديد يتأسس على الخبرات الجديدة، والحالة النفسية للمدرك وقدراته العقلية. فالخبرات البصرية والتصنيفات والتقييمات التي يقدمها الإعلام، والتي يوظفها الفرد في بناء النموذج الإدراكي الذي يشكل نظامًا تأويليًّا للعالم أو نموذجًا إدراكيًّا يتوسط بين الإنسان والعالم الحقيقي، هو الذي يمكنه من امتلاك نظام تأويلي للعالم. وقد أصبح هذا النموذج الإدراكي معممًا بدوره، وهو يتيح التقبل المباشر لكل منتجات الاتصال التقنية عبر تعميم نظام قيم وتفضيلات خاصة.
يتعين على المدرسة تنمية القدرة النقدية لدى الشباب إزاء الخطاب الإعلامي، وذلك من خلال تعليمهم كيفية استخراج الرسالة المضمنة فيه، وتعريفهم ماذا يراد بالعمل الإعلامي.
تكوين الصورة
إن تكوين الصورة الذهنية هي عملية حركية، تتغير وتتبدل حسب تطور الواقع الاجتماعي، وتغير الأوضاع الاقتصادية، والظروف السياسية والثقافية، لذلك فهي لا تتصف بالثبات والجمود، وتتسم بالمرونة والتفاعل المستمر، فتتطور وتنمو وتتسع وتتعدد وتتعمق، وتقبل التغير طوال الحياة. أمّا الصورة النمطية فهي ثابتة متحيزة سلبية في الغالب، تقاوم التغيير. يعد الإعلام الجديد أهم القنوات التي تسهم في تشكيل الصور الذهنية في أذهان الشباب وتكوينها، بمنحهم الإحساس بالقدرة على احتضان العالم في عقولهم كمنظومة من الصور.
وسائل الإعلام مصدر رئيس للصور وللمعلومات عن الدول والأحداث والأشخاص، ويوميًّا يتعرض النشء لشلال من الأخبار ووجهات النظر واللقطات الفوتوغرافية والفيديو والعناوين، التي من شأنها أن تؤدي إلى خلق صورة ذهنية أو صورة نمطية تساعده على تكوين تصور للعالم الذي يعيش فيه. وتخضع عملية تكوين الصورة وفقًا للبعد الزمني، إذ يقوم الشاب ببناء الصورة وفقًا للمعلومات التي تَرِد إليه.
إن وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع، ستحدد طبيعته، وتعين قيمه وكيفية معالجة مشاكله، فالوسيلة تشكل الظروف المؤثرة على طريقة التفكير والعمل،وترتبط قوة التأثير بطول فترة التعرض لتأثير الإعلام.
وهنا مربط الفرس، فالإعلام الجديد يقوم بتقديم المعلومات ودعمها وترسيخها وتوجيهها بالطريقة التي يحددها المتحكمون فيه، مما يؤدي إلى نشأة صورة ذهنية جديدة معينة لم تكن موجودة، أو إلى تقوية تصورات معينة موجودة، أو يعمل على تحويل وتعديل التصورات وتغييرها.
فهذا الإعلام لا ينقل المعلومات فقط، بل يوجه الشباب ويكوِّن مواقفهم الفكرية والاجتماعية. ودوره لا يقف عند صنع الصورة فقط، بل ينظمها ويطبعها في أذهان الشباب، خاصة حين يكون الموضوع جديدًا. فالشباب يتقبل وجهة النظر التي يتلقاها عن الإعلام، ذلك لأن العمليات الانتقائية لن تقف -في تلك الحالة- عقبة في وجه المعرفة. ومن ثم أصبح الإعلام النافذة التي يطل الفرد من خلالها على العالم وعلى الأحداث المحلية والكونية، وأضحى الإعلام الجديد امتدادًا طبيعيًّا لبصرنا وسمعنا على حد تعبير “مارشال ماكلوهان”. وبهذه المعلومات والصور والتحليلات المقدمة في قالب خاص وبلغة محددة وأسلوب موجه، يبني الشاب الجانب الإدراكي حول موضوع أو شخص أو أمة، مما يؤدي في النهاية إلى إحداث ميل سيكولوجي لدى الفرد يؤثر بدوره في بناء ومحتوى الصورة لديه.
خصوصية تأثير هذه الوسائل تكمن في أنها تؤثر على الفرد من خلال إعادة صياغة بنيته الإدراكية بكاملها، أي إنها ليست مجرد محتوى، بل هي صيرورة فكرية وإدراكية تفرضها طبيعة هذا الإعلام وخصوصياته.
طرق وأساليب
يستعمل الإعلام عدة أساليب في صنع الصورة الذهنية، منها انتقاء الأحداث والمعلومات، والتركيز على أحداث معينة، وتلوين الحقائق وتحريفها، واستخدام عبارات ومصطلحات خاصة ومؤثرة. كما يستعمل أساليب إخبارية مدروسة بدقة تقوي الأساليب السابقة، نذكر منها شخصنة المواقف والأحداث، وتنميط المواقف والأحداث من خلال تقديم تفسيرات نمطية لها، وتجزيء المواقف والأحداث بعزل وعدم ربط القصص الإخبارية عن بعضها البعض، أو محاولة إيجاد الروابط بينها بحيث تبدو الأخبار منفصلة يغيب فيها العمق الإخباري.
إن الخطر لا يكمن في الإعلام بحد ذاته أو في أجهزته ومضمونه، بل يكمن في طريقة معالجته للمعلومات والأحداث والمضامين؛ كتضخيم الإعلام للوقائع أو تحريفها، وانتفاء الأمانة والدقة في نقلها ووصفها وطبعها بقوة في الأذهان، إلى درجة شعور المتلقي وكأنه عاش الأحداث الواردة في الخبر رغم أنه لم يعشها أبدًا. لذلك صنف الباحث الكندي “مارشال ماكلوهان” وسائل الإعلام إلى نوعين:
1- وسائل باردة: تتطلب هذه الوسائل من المتلقي، بذل جهد في المشاركة والمعايشة والاندماج وفك الرموز، للربط بين الجمل والعبارات، والبحث عن معانيها، واستحضار ما يختزنه عقله من معاجم أو قواعد، ما يستدعي منه اندماجًا في الرسالة، وتفاعلاً قويًّا مع مضمونها وتأويلها، وبالتالي إعادة إنتاجها. وهذه العمليات لا يستوي فيها الناس لاختلاف قدراتهم العقلية والمعرفية. ومن هذه الرسائل، الكتابة، والهاتف، وبعض البرامج التلفزيونية وليس كلها.
2- وسائل حارة: هذه الوسائل تزود الإنسان بعناصر إخبارية وافية، وتمده بالوسائل التي تمكنه من فك رموزها وفهم مضمونها بسهولة، أي إنها لا تستدعي تفكيرًا عميقًا واستحضارًا للذاكرة ومهارة التحليل أو شيء من ذلك.. فالوسيلة تعرض الرسالة بشكل يكون فهمها في متناول الجميع مهما اختلفت مستوياتهم العقلية والمعرفية، تعفيهم من التأويلات الخاصة، ومن التدخل في إعادة إنتاج مضمونها.. ومن هذه الوسائل، الصور السينمائية، والتلفزيونية، والإذاعة، والإعلام المطبوع من جرائد ومجلات إخبارية. ويؤكد “ماكلوهان” أن وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع، ستحدد طبيعته، وتعين قيمه وكيفية معالجة مشاكله، فالوسيلة تشكل الظروف المؤثرة على طريقة التفكير والعمل.
وترتبط قوة التأثير بطول فترة التعرض لتأثير الإعلام؛ فعملية التعرض الطويلة المدى لوسائل الإعلام -كمصدر للمعلومات- تؤدي إلى اجتثاث الأصول المعرفية القائمة لمسألة أو لمجموعة من المسائل لدى الأفراد، وإحلال أصول معرفية جديدة بدلاً منها. إن تأثير وسائل الإعلام في طريقة تفكيرنا وأسلوب تقييمنا للأشياء من خلال ما نتلقاه منها من معلومات، يؤدي إلى تحولٍ في قناعاتنا وفي معتقداتنا.
وهكذا يحدث التغيير المعرفي عبر وسائل الإعلام، وتتداخل فيها عوامل كثيرة، مثل شخصية الإنسان وبنيته الاجتماعية وتشكيله الثقافي، ونفوذ قوى الضغط الاجتماعي المضادة في المجتمع. إن وسائل الإعلام تستطيع أن تُحدث تغيرًا معرفيًّا لدى الجمهور متى استطاعت أن توظف العوامل السابقة وتوجهها في إيقاع واحد متناغم، يعجل بالتغيير المعرفي المنشود.
أهمية التربية الإعلامية
إن عملية التغيير المعرفي السريعة والمذهلة التي نعيشها، لا تعني هشاشة ثقافتنا، ولا ضعف مناعة نظامنا القيمي ضد الثقافات الغازية. إننا أمام اكتساح لوسائل الإعلام الجديد لأطفالنا وشبابنا، وهم الأكثر إقبالاً على وسائل الإعلام الجديد، والأقل تحصينًا من مغبة السقوط الأخلاقي، وخلخلة النظام القيمي والاجتماعي. ينبغي العمل على تكوين مستهلك ذكي للإعلام، وينبغي كذلك أن تكون هناك خطة تربوية في المدرسة لتكوين مشاهدين أحرار، لأن المدرسة هي التي تجعل الإعلام الجديد تربويًّا، وتستثمر محتواه استثمارًا تربويًّا وتعليميًّا نافعًا.
ينبغي على المدرسة أن تطور منهاجها بمواد جديدة تعرّف التلاميذ بالإعلام الجديد، وآلياته ولغاته وطرقه ووسائله.. كما أن على المدرسة ألاّ تحصر عملها في تعليم المتعلم قراءة النص المكتوب فقط، ففي عالمنا اليوم أشياء كثيرة تحتاج القراءة، ونحن أميون في مواجهتها، كالفيلم السينمائي، ولقطات الفيديو، وبرامج التلفزيون، والإعلانات التجارية، وسائر المشاهد المصورة.. فيتعين تعليم التلاميذ فك رموزها.
ويتعين على المدرسة تنمية القدرة النقدية للأطفال والشباب إزاء الخطاب الإعلامي، بتعليمهم كيفية استخراج الرسالة المضمنة فيه، حتى يأخذ بعدًا عن المشهد ولا يبقى مستلبًا به، وأن يعرف ماذا يراد بالعمل الإعلامي، وما نوع العمل المعروض عليه، وما هي تقنياته ومراحله، وأن يتعلم كيفية استثمار المشهد الإعلامي والاستفادة من تقنياته، وكيف يرقى إلى كنه الرسالة الإعلامية ويتحصن بالحيطة إزاء خطاباتها.
إن الرسالة الإعلامية توظف رموزًا تحمل مختلف المعاني؛ تستعمل للشرح والتوضيح، والخداع والإثارة، والتعمية والتضليل، وإثارة الغرائز وإحداق الصراع، والحض على الفعل وغير ذلك.. ومعرفة هذه الرموز تعين على فهم الرسالة وسبر أغوارها، والتحكم في آثارها. فيجب أن يتعلم الشاب كيف يقرأ ويسمع، ويشاهد ما يدور حوله بعين نافذة وفكر ناقد، حتى يكتشف الطريقة الصحيحة للتعبير عن أفكاره، ويحقق أحسن تواصل مع غيره.
بقلم/ الزبير مهداد
المصدر: مجلة حراء