لندن (زمان التركية) – من المعلوم أنه إذا ما تم الحفاظ على “الحصن”، فإن سقوط مستوطنات صغيرة حوله لا يحمل أهمية استراتيجيَّة مهما كثر عددها.
وهذه الصورة تنطبق تماماً على الوضع الحالي لحزب العدالة والتنمية، الذي خسر كبرى مدن تركيا أي قلاعها في انتخابات المحليات التركية الأخيرة، وحافظ على المدن الصغيرة، وزاد من نسبة أصواته، فالمعارضة اختطفت من يد أردوغان معظم المدن، التي تتمتع بثقل سياسيّ واقتصاديّ وثقافيّ.
وفي هذا الصدد تناول المحلل السياسي التركي “تورغوت أوغلو “في مقال له نشر بصحيفة “الإندبندنت العربية ” أهم الأسباب التي أفقدت أردوغان وحزبه أهم قلاع تركيا .
ولخص المحلل التركي أسباب الهزيمة التي مني بها إردوغان وحزبه تحت أربعة عناوين رئيسية؛ أولها الأزمة الاقتصاديَّة المتفاقمة التي أدت الي تراجع الدخل القومي للفرد إلى أقلّ مما كان عليه قبل 12 عاماً، وجعلت مؤسسات التصنيف الائتماني الدوليَّة تصنّف تركيا في مقدمة الدول الأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية، مثل البرازيل وإندونيسيا والهند وجنوب أفريقيا.
والسبب الثاني هو خطاب أردوغان وحزبه القائم على العداوة والإقصاء مما أدى إلى اضطرابات سياسيَّة واجتماعياً، والظاهر أن أردوغان ينظر إلى الأكراد المؤيدين لحزب الشعوب الديموقراطي، وكل معارضيه، على أنهم إرهابيون وخونة، ويزج بهم الي السجون والمعتقلات مما أدى إلى استقطاب حاد في المجتمع، واضطرابات خطيرة في المشهد السياسي.
السبب الثالث هو ممارسة القمع والتضييق على الحريات والانتهاكات الخطيرة في مجال حقوق الإنسان؛ فقد دفع أردوغان تركيا إلى المرتبة الأولى في خانة الدول أكثر اعتقالاً للصحافيين، بعدما أرسل نحو 200 صحفي إلى الزِنازَين وليس هذا فحسب، فقد اعتقل 511 ألف مواطن مدني، بينهم نحو 18 ألف سيدة، مع 750 طفلاً رضيعاً، وفَصَلَ 250 ألف موظف في القطاع العام، إضافة إلى اعتقال أو فصل آلاف الأكاديميين والمثقفين، بالتهمة الجاهزة: الانقلاب أو الإرهاب، وفق البيانات التي أدلى بها وزير الداخلية سليمان صويلو، ولا شكّ أن هذه الممارسات أثارت استياءً كبيراً، حتى لدى مجموعات قريبة من أردوغان.
أمَّا السبب الرابع في الفشل، الذي هزّ أردوغان وزعزع مكانته، فهو تطبيع الفساد والرشوة، تحت مسمى العمولات، التي شكّل من خلالها كتلة رأسمالية جديدة موالية له، وهذه الممارسات التي لم تقتصر على كوادر الحكومة فقط، بل امتدت حتى إلى أفراد عائلة أردوغان، مما تسببت في انزعاج قاعدته المحافظة.
وأكد المحلل والسياسي التركي تورغوت أوغلو علي أن الشعب التركي أعطى رسالة إلى أردوغان من خلال هذه النتائج، مفادها أنه إن لم يراجع ويصحّح مساره، ويتخلّ عن الممارسات الأربع المذكورة أعلاه -وهذا يبدو شبه مستحيل- فإنه سوف يوجّه له صفعة أقوى في أول انتخابات قادمة.
واختتم أوغلو مقاله بالإشار إلى زعيم سياسي جديد، نجح في مواجهة أردوغان وإذاقته مرارة الفشل، بعدما لم يتزلزل منذ 17 عاماً، وهو: مرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو الذي استطاع أن يبدي موقفاً صارماً أمام المساعي الرامية إلى التلاعب بالنتائج، ولم يستسلم للأمر الواقع، وحافظ على إرادة الناخبين من دون أدنى تنازل من قواعد المروءة والآداب والأخلاق، الأمر الذي حظي بتقدير الرأي العام في الداخل التركي والعالم برمته.
جدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان خسر بلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير في الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت الأحد الماضي.
محلل سياسي ،تركي ، أسباب فشل ، أردوغان، الانتخابات