بقلم: مايسترو
(زمان التركية) –تسعى الإدارة الأمريكية الحالية وبتوافق إسرائيلي كامل إلى تطبيق استراتيجية “فرض السلام بالقوة”، وذلك من خلال صفقة أُطلِقَ عليها صفقة القرن.. ورصد كل متابع للأحداث مواقف متعددة حاولت من خلالها أمريكا تمهيد الطريق للوصول إلى هدفها النهائي بحل قضية الأراضي العربية المحتلة على حساب جميع الأطراف عدا إسرائيل، كما نرصد أيضاً ردود أفعال تؤكد للجانب الإسرائيلي والأمريكي أن سياسة الإكراه تتعارض مع السلام الحقيقي، ففرض أمر واقع بالقوة هدف لن تدركه؛ فلست وحدتك من يملك القدرة على الردع.. ولنتوقف بالتحليل أمام أهم مشاهد هذه الدراما الواقعية :
* تنحاز الإدارة الأمريكية انحيازاً يصل إلى حد الانقياد للسياسة الإسرائيلية في شأن القضية الفلسطينية، ويصل هذا الانحياز المتطرف لحد التضاد مع الثوابت الدولية بشأن القضية الفلسطينية والجولان، فنقل سفارة أمريكا للقدس، ثم إقرار السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان ومحاولة تغيير وضعها من أرض محتلة إلى منطقة عازلة تحت السيادة الإسرائيلية، الهدف منها بالطبع الاحتيال على التكييف القانوني الصحيح لوضع “أرض محتلة” وهذه المحاولات رغم خطورتها إلا أنها ستفشل كأوراق ضغط لتمرير صفقة القرن.. خاصة وقد قوبلت هذه المواقف برفض دولي منقطع النظير.. .
* تحاول إسرائيل من جانب آخر إثبات تفوقها العسكري في محيطها خاصة في سوريا، حيث تتخوف ـــ بحق ــــ من الوجود الإيراني، وتناور مع روسيا لحد وصل للتهديد، مدعية التفوق العسكري.. وقد نالت بالفعل ــــ بضربة صاروخية وجوية ــــ من مواقع في سوريا دمرت من خلالها 8 بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، بما في ذلك الأنظمة الروسية C-75 و C-125 و بوك وبانتسير ومحطة إشارة.. لذا زود بوتين سوريا بمنظومة صاروخية متطورة لمواجهة الطيران والصواريخ الإسرائيلية، ومن وقتها لم يحاول الطيران الإسرائيلي دخول المجال الجوي السوري، والرسالة الروسية لإسرائيل ” نحن أيضاً قادرون على الردع “.
* ولعل أخطر الأحداث تأثيراً في المشهد هو: إطلاق صاروخ من غزة داخل الأراضي الإسرائيلية وفشل القبة الحديدية الإسرائيلية في اعتراضه، ودلالات هذا الحدث في منتهى القوة؛ فمن المؤكد أن هذا الأمر لا يرجع لحداثة وقدرة الصاروخ البدائي الحمساوي، ولكن هناك تشويش ناجح لمنظومة رادار القبة الحديدية ترتب عليه تحييد المنظومة، فمن يملك هذه التكنولوجيا.. ؟ الرسالة أيضاً لإسرائيل ” انتبه الردع ممكننًا “، وهذا الانكشاف الإسرائيلي من المؤكد أنه أحدث شروخاً قوية في قدرة إسرائيل على الردع الآمن.. وهو ما يؤكد فشل استراتيجية فرض السلام بالقوة.. .
* هذا وأعلن المبعوث الأميركي الخاص بسوريا جيمس جيفري أن مخطط إقامة منطقة آمنة لتركيا بشمال سوريا لا يزال ساريًا، مؤكداً الاستجابة للمطالب التركية بشأن عدم وجود قوات وحدات حماية الشعب الكردية بالمنطقة، تمشياً مع مخاوف اسطنبول من وجود اتصالات بينهم وحزب العمال الكردستاني، ونرى أن هذه الاستجابة الأمريكية لتركيا ـــ في هذا التوقيت ـــ لها علاقة بصفقة القرن وموقف تركيا منها.. .
هذا ولوح مؤخراً الرئيس التركي أردوغان بتحويل كاتدرائية “آيا صوفيا” في اسطنبول ـــ أهم معلم مسيحي مقدس من العصر البيزنطي ـــ إلى مسجد رداً على مواقف ترامب من الأراضي المحتلة؛ القدس والجولان، ويذكر أن هذا المَعلم التاريخي العالمي الشهير للعمارة البيزنطية في القرن السادس تم تحويله بعد سقوط القسطنطينية عام 1453 من كنيسة مسيحية إلى مسجد، وفي العام 1935، أصبح مُتحفا، وقد وعد الرئيس التركي أنصاره في تجمع انتخابي منذ أيام بأن يعيد الكنيسة إلى وضعها السابق كمسجد، ونص كلامه جاء فيه “يعلن ترامب الآن أن القدس هي عاصمة إسرائيل، ويمنح مرتفعات الجولان للمحتل الإسرائيلي، سوف تتلقون الرد من تركيا”. فهل هذا الموقف الذي يَرُد به الرئيس التركي مناسب من منظور سياسي ؟
متحف ” آيا صوفيا ” في تركيا
نرى أنها كلمة استعراضية شعبوية في غير موضعها، فهل التعامل المناسب مع لص هو أن نسرق منه أو من غيره.. !!! ليس هكذا تكون المواقف السياسية المحترمة يا سيد أردوغان، من المؤكد إن نفذت تهديدك أن تخسر تركيا كثيراً، بل وتخسر قضية الأراضي المحتلة، فستتحول الدول المساندة للقضية إلى معادية، أو على الأقل ستفقد تأييدها للمواقف الدولية الثابتة، وربما يرون أن بواعث ترامب ومواقفه في محلها.
هذا وأختَتِم مقالي بكلمة لقادة إسرائيل مضمونها: لن تعش إسرائيل آمنة في ظل أحلام الهيمنة الكاملة والقدرة على الردع.. بل وليس من قبيل الأوهام أن تتطور الصدامات العسكرية الإسرائيلية، خاصة تجاه سوريا لمواجهات مباشرة مع القوات الروسية؛ وهنا ستصبح إسرائيل كدولة مهددة بالانهيار.. وتأكدوا يا قادة إسرائيل أن كل القوى المضادة لكم في المنطقة تنتظر هذه اللحظة، ومن المؤكد أن لدى كل منها خططه التي سينفذها..، وأؤكد أيضاً أن النتيجة في هذه الحالة “الكل خاسر، وأفدحهم إسرائيل“، فالضربات التي ستنالها دولة الاحتلال ستؤدي يقيناً لهجرات جماعية للشعب الإسرائيلي من دولته الدينية المتطرفة المعادية لكل محيطها.. وإذا كنتم تتبادلون مع ترامب الهدايا الانتخابية، فالأخير يَدعم نتنياهو بكل قواه في الانتخابات الإسرائيلية، رداً لجميل اللوبي اليهودي في أمريكا الذي أثَر ــــ بدرجة كبيرة ــــ في الإطاحة بالحزب الديمقراطي لصالح الجمهوري خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ ولصالح من : ترامب.. !!! وليس هذا من قبيل التقليل من شأن الرئيس ترامب؛ فهو رجل أعمال بارع، إلا أنه كسياسي يقل قدره مقارنة بأساطين الحزب الجمهوري وقتها. والغريب في الأمر أن المنصات الإعلامية التابعة للوبي الإسرائيلي وجهت أنظار المجتمع الأمريكي بعيداً؛ فرَوَجَت لوهم التأثير الإلكتروني الروسي على نتائج الانتخابات الأمريكية، موجهين كل الأنظار تجاهه.. بل وكُلِفَت لجان للتحقيق تتبعاً للحقيقة.. ! وهى واضحة وضوح الشمس، دون حاجة لمُخبِر مستجد يتحرى عنها، ولا أجد كلمة ختامية أبلغ من قول المولى عز وجل في كتابه الحكيم ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” (251ـــ البقرة).