ويقول عن فضائل القرآن ومكارمه في عبارات مشرقة: “القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يعلّم الإنسان معنى الإنسان وماهيته والحق والحكمة وذات الله وصفاته وأسمائه الحسنى، وذلك بأدقّ ميزان. وليس هناك كتاب يماثله في هذا الميدان أبدًا. ولو طالعت حكم الأصفياء والأولياء وفلسفة الفلاسفة الباحثين عن الحق، لعرفت ذلك بنفسك”.
الرد على أعداء القرآن
إن كولن يدرك إدراكًا عميقًا الأهدافَ التي يسعى إلى تحقيقها أعداء القرآن -وهم كثر-، فيقول موضّحًا هذا الأمر: “الذين يرون القرآن منبعًا للأساطير والخرافات، هم الذين ورثوا هذا الهذيان الأحمق من عصر الجاهلية العربية قبل أربعة عشر قرنًا. والحكمة والفلسفة الحقيقية تسخران من هذه النظرة”.
ليس من المبالغة أبدًا النظر إلى المستقبل بأنه سيكون عهد القرآن، ذلك لأنه الكلام الذي يرى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد.
ثم يستطرد في كشف نوايا مَن يهاجم القرآن -وقد نشطوا في الفترة الأخيرة-متحديًا إياهم قائلاً: “ويا ليت الذين يهجمون على القرآن وعلى تعاليمه، يستطيعون تقديم أي شيء بديلاً عنه لصالح النظام البشري وأمنه وسعادته. والحقيقة أن مِن الصعب جدًّا فهْم سبب هذا التمرد وهذا العناد ضد القرآن في الوقت الذي تتخبط فيه جميع الحضارات والمدنيات المخالفة لتعاليم القرآن وتعاني الويل والثبور وتتجرع الآلام، كما تعاني جميع القلوب الخالية من نور القرآن أزمات نفسية حادة ومؤلمة.
ويضع كولن يده على مفصل الصراع المحتدم اليوم -كما كان محتدمًا طيلة القرون الماضية-بين المؤمنين بالقرآن وبين المحاربين له بشتى الأساليب. وقد ظهر منها اليوم أسلوب في غاية الدهاء والمكر والخداع، وهو “محاربة القرآن من الداخل”، من خلال التأليف في موضوعات قرآنية من مثل “مدخل إلى القرآن”، و”فهم القرآن”، و”قراءة معاصرة للقرآن”، و”القرآن والكتاب”، و”تاريخ القرآن”، و”القرآن والتأويل”، و”تاريخانية(؟) القرآن”، إلى آخر هذه العناوين التي تنتشر اليوم ويروج لها على نطاق واسع.
إن الذين يَحُولون دون فهْم المسلمين لقرآنهم والتعمق في معانيه، يكونون قد حالوا بينهم وبين روح الدين وبين لب الإسلام وجوهره.
يقول الأستاذ محمد فتح الله كولن: “الذي يؤمن بالقرآن يؤمن بمحمد ﷺ، والذي يؤمن بمحمد ﷺ، يؤمن بالله تعالى. فمَن لا يؤمن بالقرآن لا يؤمن بمحمد ﷺ، ومن لا يؤمن بمحمد ﷺ لا يؤمن بالله تعالى… هذه هي أبعاد الإسلام الحقيقية”.
المستقبل للقرآن
لقد وجدتُ الأستاذ محمد فتح الله كولن متفائلاً بحكم إيمانه القوي الثابت الراسخ. وأنا أشاركه هذا التفاؤل، فهو يقول: “أنا أرى بأنه في المستقبل القريب ستشاهِد الإنسانية بنظرات ملْؤها الإعجاب والتقدير، كيف أن شلالات مختلف العلوم والفنون تتّجه نحو القرآن وتصبّ فيه. عند ذلك سيجد العلماء والباحثون والفنّانون أنفسهم في البحر نفسه. ليس من المبالغة أبدًا النظر إلى المستقبل بأنه سيكون عهد القرآن، ذلك لأنه الكلام الذي يرى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد”. فقطعًا ويقينًا أن المستقبل للقرآن الكريم، وإن الإنسانية ستؤوب إلى القرآن طال الزمن أم قصر. نقول هذا عن يقين مطلق وإيمان كامل لا تزيده الأيام إلاّ رسوخًا ووثوقًا. والمؤلف يعبر عن هذا اليقين في جميع مؤلفاته.
فهم جديد للقرآن
ففي كتابه “أضواء قرآنية في سماء الوجدان”، يذهب الأستاذ محمد فتح الله كولن مذهبًا جديدًا في تفسير الآية العاشرة من سورة الأنبياء: “لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ”(الأنبِياء:10)، فيقول: “إن هذه الآية الكريمة تشير لمخاطبيها آنذاك بالوضع الذي سيتبوّأونه في المستقبل، وتقول: إنكم ستشغلون في المستقبل موقعًا مشرفًا لن تستطيع أمّة أخرى بلوغه، وإن هذا القرآن سيحفظ لسانكم ولغتكم من الضياع والسقوط، ويبقى مرجعًا لكل مَن يريد فهْم دينه. نجد هذا المعنى في كلمة “ذِكْرُكُمْ”، وهي كلمة لا تفيد معنى الموعظة فحسب، بل تشمل أيضًا معنى بقاء ذكركم، وعدم نسيانه، وعدم زواله”. وهذا معنى عميق وفهم مستنير للآية الكريمة، اهتدى إليه المؤلف المفعم قلبه بنور القرآن، المشرق قلمه من نور القرآن، فجاء شرحه لها وتأمله فيها، مشبعًا بنسائم القرآن مضمخًا بعطره الفواح.
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يعلّم الإنسان معنى الإنسان وماهيته والحق والحكمة وذات الله وصفاته وأسمائه الحسنى، وذلك بأدقّ ميزان. وليس هناك كتاب يماثله في هذا الميدان أبدًا.
لقد صدق المؤلف حينما قال في كتابه “الموازين”: إن “الذين يَحُولون دون فهْم المسلمين لقرآنهم والتعمق في معانيه، يكونون قد حالوا بينهم وبين روح الدين وبين لب الإسلام وجوهره”. وأعرف رهطًا من هؤلاء الذين يمتهنون الكتابة في الصحف والمجلاّت ويصدرون الكتب تباعًا، وشغلهم الشاغل هو الحَوْل بين المسلمين وبين التعمق في فهم كتاب الله وتدبّره على النحو الذي يملأ قلوبهم بأنوار القرآن. وفي فترة سابقة كان جل هؤلاء ممن هم من غير جلدتنا، أما اليوم، فقد تواطأ هؤلاء مع أندادهم من البلدان الغربية، وصاروا من عتاة خصوم القرآن وإن تحت شعار “القراءة الجديدة للقرآن” أو “الفهم المستنير للقرآن”. والغريب أن لا أحد يتصدى لهم بالعلم وبالفكر وبالحجة والمنطق، عدا قلة محدودة من الغيورين على دينهم تقوم بواجبها في هذا الصدد في حدود ضيقة.
بقلم/ عبد القادر الإدريسي