ويعرف مصطلح آليات التأطير بكونه أساليب معالجة الأحداث بانتقاء وإبراز جوانب للحدث دون أخرى، يتم ذلك عبر آليات متعددة مثل الشخصنة والتضخيم. الخطورة أنها لا تعمل منفردة إنما تتشابك وتتم بعملية منظمة مما يضاعف من أثر توظيفها إعلاميًا تحقيقًا للمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية من ورائها، هذا ويمكن حصر أهم الآليات وفق تصنيف أسامة عبد الحميد إلى:
التعميم
يتم بنسب خصائص فرد أو جماعة محدودة لكل الأفراد الذين ينتمون لعنصر أو أمة معينة، يأتي تأثيرها المتنامى مع عدم قدرة أي فرد على ملاحقة السيل الجارف من المعلومات التي تصله عبر الإعلام، وتتم عملية التعميم عبر ثلاث مراحل (تصنيف الأفراد على أسس سهلة مثل النوع أو العرق، ثم إلصاق مجموعة سمات لكل أو معظم أفراد الجماعة على أساس التجانس والتشابه، ثم قصر هذه السمات على الجماعة الخارجية دون غيرها)، مثل : العرب متماثلون في المظهر وطريقة التفكير.
مثال آخر : الآخرين والجرائم، الآخرين والأزمات السياسية، أو افتراض تهديد التركيبات المجتمعية القائمة من أجل إنشاء حالة من التعصب المجتمعي، وترجيح احتمالية العنف، إذ الإعلام يحدث آثارًا معرفية ووجدانية وسلوكية في ذهن الجمهور تؤدي لكراهية الآخر، بل والمؤكد أن الإعلام لا يزال له دور في الصراعات القائمة، لا سيما مع متغيرات المنطقة العربية. وهناك طريقة أخرى للتعميم بهدف مغاير: أحيانًا يتم التعميم بشكل متدرج لصناعة تصور معين، كحال الصورة النمطية المتكونة عن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الأفلام والمسلسلات الممتدة لعقود طويلة بأنها أقوى دولة في العالم، وأنها أكثر دول العالم تقدمًا علميًا، ثم يبدأ التعميم على كل فرد من أفراد الشعب الأمريكي، هكذا تنشأ الصورة النمطية التي يكونها الأفراد، ويتم تعميمها، ويصعب تغييرها.
التضخيم
تصوير جماعة أو أمة فوق حجمها الطبيعي بطريقة تثير المخاوف منها، أي ما يعرف بثقافة الخوف، مثل استمالة الخوف الهيستيري في الإعلام عقب حدث ما لتحقيق هدف أو أجندة سياسية أو عسكرية.
النزعة الإنسانية
العامل الإنساني مؤثر للغاية، مثل: وصف العدو أو الجماعة الخارجية بصفات لمخلوقات أدنى كالحيوانات، أو وصف الجماعة الخارجية والعدو بصفات أقوى كالشياطين. ويستخدم بطريقتين، إحداهما بشكل إيجابي عبر إضفاء الطابع الإنساني على تصرفات شخص بهدف خلق صورة محببة عنه لدى الجمهور وجمع أكبر قدر من التأييد الشعبي لأعماله أو سياساته، والطريقة الثانية في استخدامها بشكل سلبي عبر إنكار آدمية جماعة أو تشويه صورة حضارة أو شعب بنبذ أي منها، وتصويرها بالخروج عن الأعراف والقيم الإنسانية.
إضفاء القداسة
استغلال أن لكل مجتمع مقدساته وأهمها الدين،وعلى سبيل المثال قامت مؤسسةGallup في التسعينيات باستطلاع أثبت أن 96% من الأمريكيين يثقون في المؤسسات الدينية لتحتل المركز الأول لديهم، وهو ما استغله صناع القرار حينما أضفو القداسة على صورة أمريكا في مقابل صورة الاتحاد السوفيتي؛ فيصف أمريكا بالمتدينة وروسيا بالشريرة، ومن جانب آخر يصف ستالين وبعده جورباتشوف أمريكا بأنها عدوة المسيح
استدعاء الماضي
الماضي جزء من المكون العقلي للفرد ويستخدم لدعم صوره عن العالم، وهو ما يستغله الإعلام في بعض الدول باستدعاء الحروب الصليبية في مطالبة الحكومة الأمريكية بالرد على أحداث سبتمبر، إلى حد استخدام صور ريتشارد قلب الأسد، ذلك لأن الأفراد يصرون على الرجوع لمعلومات وخبرات قديمة، عند حاجتهم إلى إصدار أحكام، متغافلين تعرضها لعوامل التغيير والتجديد.
الإحلال والتبديل
عبر إحلال جماعة محل عدو قديم تم الانتصار عليه، ذلك لهدفين، أولهما إكساب الجماعة الجديدة عداوة كبيرة مضاعفة لنسب سمات سلبية تكونت في سنوات طويلة وهي المتعلقة بالعدو القديم، ثانيهما تحقيق الثقة بالنفس لدى الجماعة الداخلية في تحقيق النصر، ودفعهم للاستعلاء في التعامل مع الجماعة الجديدة.
وذلك من خلال:
-
- القمة: توظيف رموز شخصية لإضفائها على شعوب أو دول، ذلك لأن العقل البشري يميل للتشخيص، إذ صورة الشخص أسهل في الاستيعاب من صورة الدولة، ويشير علماء السياسة للتوظيف السلبي لهذه الآلية بمصطلح “القمة السوداء” كتشويه صورة قيادات الآخر ورموزه لتنسحب على أفراد الجماعة باعتبارهم تابعين لتلك القيادة.
- المصطلح: باستغلال أوصاف لفظية تعبيرًا عن اتجاه معين، في ذلك ثلاثة مستويات للغة أ- المستوى الرمزي أو اللغوي للنطق أو إشارات الكتابة،ب- المستوى الدلالي ويقصد ما تشير إليه العبارة، جـ- مستوى المعاني ويقصد ارتباط الصورة بتلك العبارة.
- المرآة العاكسة: تسقط الجماعة الداخلية خصائصها السلبية المكروهة على الآخر، نحن الخير والآخر الشر.
- التجزئة: كتناول الموضوعات بشكل منفصل ومنعزل، أي حصر المشكلات في بؤر محددة بدلاً من رؤية أبعادها.
- النمط: جعل إدراكنا للأشياء والأشخاص جزءًا أساسيا من المكون العقلي للفرد والمجتمع، عبر ترسيخ الصور وتحويلها إلى سمة من سمات الحياة وطبائع الأمور، حقيقة غير قابلة للتغيير بمرور السنوات.
- علمنة الصورة: عبر إسباغ الصفة العلمية على الصورة، وخطورتها أنها تحول الصورة المشوهة إلى حقيقة علمية، بجانب تنشئة الأجيال الجديدة على كراهية الآخر واستحقاره.
- التهكم والسخرية: وهي من أخطر آليات ترسيخ الصورة في عقول الجماهير، إذ تصبح الصورة المشوهة مادة لإسعاد الجماهير وبث روح المرح بينها، كما تحط من قيمة الآخر وتخلق الدافع للسخرية.هذا والترفيه عمومًا بالغ الخطورة، لذا آثار الترفيه غير الهادف الباحثون، وفي ذلك ما أكدته دراسات فيشمان 1980 وجينكينز 1994 وبوتر 1996 وغلاسنر 1999 وجنسن 2001 من أنه ورغم دور وسائل الإعلام في البناء الاجتماعي، إلا أن علاقتها بالترفيه مستجابة كما الأخبار، بل والمعتقدات الخاطئة التي تنشأ من الترفيه أو الأخبار عنصر مهم في إنشاء القوانين ووضع السياسات، كما في أجهزة العدالة الجنائية وفق نتائج هولبروك وهيل 2005 التى أشارت إلى أن حديث وسائل الإعلام شوه طبيعة الجريمة الفعلية. إلى جانب ما يذكره ناعوم تشاموسكي عن استخدام الترفيه ضمن إستراتيجية الإلهاء، يتم ذلك بتحويل انتباه الرأي العام عن القضايا المهمة والتغيرات التي تقررها النخب، يحدث ذلك عبر إغراقهم بوابل من وسائل الترفيه في مقابل شح المعلومات وندرتها، وهي إستراتيجية لمنع العوام من الوصول إلى المعرفة (حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدا عن المشكلات الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها، أبقوا الجمهور مشغولاً، مشغولاً، لا وقت لديه للتفكير).
يتبقى لنا أن نشير إلى غياب عنصران في غاية الأهمية ضمن استراتيجية مواجهة الإشكاليات الإعلامية المتنامية، أولهما: الاعلام النقدي الذي يساهم عبر تحليل المتضادات بتنمية مهارات الاستدلال والوعي المعرفي لدى الجمهور العربي، ثانيهما: في النقد الإعلامي للممارسة غير المهنية، كالنقد الاعلامي للمحتوى والمضمون المتحيز العامد إلى انتهاك المعايير الاعلامية تحقيقًا لأهداف غير معلنة.
بقلم/ أحمد مصطفى علي