كما يقع شمال حصن بابليون أول مسجد في إفريقيا بالكامل ورابع مسجد بُني في الإسلام بعد مسجد قباء ومسجد الرسول صل الله عليه وسلم بالمدينة المنورة والحرم المكي بمكة المكرمة؛ إنه
جامع عمرو بن العاص
ويُقال له تاج الجوامع والجامع العتيق وهو أول مسجد أُسس بديار مصر بعد الفتح الإسلامي 21هـ/641م().واخُتير موقعه فى منتصف مدينة الفسطاط، وقد أُستوحي تخطيطه من التخطيط التقليدي للجامع النبوي في المدينة المنورة فجاء تخطيطه بسيطًا جدًا عبارة عن غرفة مسطحة مستطيلة مَبنية بالحجارة الخَشنة المَلساء وأُعيد بناءه أكثر من مرة وللأسف لم يبق هناك الآن قدم واحد من البناء الأصلي، المسجد الأن هو الذي أعاد بناءه عبد الله بن طاهر سنة212هـ/827م ثم أصلحه مراد بك في1212هـ/1792م في العصر العثماني، وتخطيطه الحالي عبارة عن صحن مكشوف يتوسط الميضأة وتُحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة.
ومازال هذه الجامع يَقصده أهالي القاهرة لإقامة صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وكانوا يَعتقدون أن الله سبحانه وتعالى يتقبل صلاة ودعاء من يُصلي في هذا الجامع العتيق، وكذلك إذا تأخر فيضان النيل وخشي الناس هبوط مائه ومايَعقبه من قَحط ونُدرة الأقوات، صَدرت الأوامر إلى كبار المشايخ والأئمة وأهل الورع من المسلمين أن يَذهبوا إلى جامع عمرو ويُصلوا صلاة الإستسقاء من أجل زيادة ماء النيل، كذلك كان يَعقد قساوسة الكنائس المسيحية المختلفة إجتماعات لهذا الغرض، ويُشاركهم اليهود في ذلك، وهكذا كان جامع عمرو المكان الذي يُقدّسه المسلمون والمسيحيون واليهود على سواء التماسًا للمطر.
الكنيسة المعلقة
تُعد أحد أهم الكنائس القبطية داخل حصن بابليون، وشُيدت الكنيسة المعلقة على اسم السيدة العذراء مريم وعُرفت بالمُعلقة لأنها بُنيت على أنقاض جدران برجيين من الأبراج القديمة لحصن بابليون الأثرى()، ولهذا فهي تُعد أعلى مبنى بالمنطقة ويَرجع تاريخ إنشائها إلى ق5م، وكانت فى الأصل معبد فرعونى ثم أنشأ الإمبراطور الروماني ”تراجان” حصن بابليون سنة 80 ميلاية على أجزاء من المعبد الفرعونى، وعندما انتشرت المسيحية وتّحول الرومان للمسيحية تحول المعبد الوثنى إلى أقدم كنيسة باقية فى مصر وهى بهذا تُعد رمز لإنتصار المسيحية على طغيان الرومان ()، وهي على الطراز البازيليكي كغيرها من كنائس مصر القديمة() .
وهذه الكنيسة جديرة بالملاحظة وتُثير الإنتباه لعدة أسباب لأنها أقدم كنائس مصر القديمة على الإطلاق، ولهذه الكنيسة مزايا أخري منها شكل أمبونها أي منبرها الذي نقش نقشًا بديعًا وهو مقام على خمسة عشر عمودًا على الطراز الإسلامي.
كما أن من أشهر كنائس حصن بابليون كذلك :
كنيسة القديسين سرجيوس وواخوس(كنيسة أبي سرجه)
وتُعتبر إحدى الكنائس التي لها مكانة خاصة في قلوب المصريين وبخاصة الأقباط منهم، وهي التي يَتردد عليها الناس أكثر من غيرها، فقد أصبحت مكان حج مشهور جدًا لبركتها، لأنها قد أُثر أن العائلة المقدسة استراحت في مغارة أسفلها حينما أتت إلي مصر()، أثناء رحلة العائلة المقدسة وهروبها من فلسطين من ظلم هيرودس ملك اليهود الرومانى وانتقالها إلى مصر، فكانت تلك الرواية من العوامل الجوهرية التي أسبغت على هذه الكنيسة طابعًا قدسيًا مما جَعل لها شهرة عظيمة قد تَفوق الكنيسة المعلقة.
وهذه المغارة عبارة عن كنيسة صغيرة تحت الأرض أبعادها 6م طول، 5م عرض و2.5م ارتفاع، ولها سقف مقبب وصحن وجناحان شمالي وجنوبي وتفصل الأجنحة أعمدة دقيقة عددها تسعة، وتقع هذه المغارة تحت مذبح الكنيسة، وتحتفل كنيسة أبي سرجه يوم 24 من شهر بشنس (أحد الشهور القبطية) الموافق أول يونيو بذكرى مجئ العائلة المقدسة إلي مصر بإقامة القداس في كنيسة هذا المغارة.
معبد بن عزرا اليهودى
ويَكتمل مجمع الأديان بوجود معبد بن عذرا اليهودى الذى يُعد واحد من أكبر المعابد اليهودية وأهمها، يُعرف بالسيناجوج Synagogue هو مصطلح يُطلق إلي اليوم على المعابد اليهودية في مصر ، وهي تُعني في الموسوعة البريطانية الصلاة في مكان مُحدد لليهود، ودائما مايكون هذا التجمع للتعريف بالشريعة اليهودية، وجرت العادة بناء معبد في مكان يوجد به عشرة من اليهود، وكلمة سيناجوج معناها في اللغة الهليستينية التجمع والترابط()، وأصل هذا المعبد كان كنيسة للمسيحين تُوجد بخط قصر الشمع من مصر القديمة، وكانت تُعرف بكنيسة الشاميين وبِيعت لليهود في عهد أحمد بن طولون، هذه الكنيسة عُرفت فيما بعد بمعبد بن عِزْرَه وتَقع شرق كنيسة أبي سرجة داخل حصن بابليون، وهُدمت هذه الكنيسة وأعيد بنائها في نهاية القرن التاسع عشر، وفي أثناء عملية الهدم كُشف بداخلها على مجموعة أوراق الجِنيزَة.
ولهذا المعبد أهمية خاصة اكتسبها بعد اكتشاف أوراق الجنيزة به ونظرًا لإحتواء مكتبته على نفائس الكتب والدوريات اليهودية التي تُؤرخ لوجود طائفة اليهود في مصر، وسُمي المعبد بهذا الإسم نسبة إلى”عزرا الكاتب” أحد أجلاء أحبار اليهود.
ويتكون المعبد من طابقين؛ الأول يُستخدم للمصلين من الرجال والثاني لصلاة السيدات، وتخطيطة على الطراز البازيليكي يتكون من صفين من الأعمدة الرخامية ، ويَنقسم إلى ثلاثة أقسام، أكبرهم هو الصحن الأوسط وفي وسطه منصة الوعظ التي تُعرف بإسم (البيما) وحولها مقاعد المصلين، ويوجد الهيكل في الجانب الشرقي ().
وقد جمعت معظم هذه المنشآت تأثيرات فنية معمارية اسلامية فقد امتلات الكنائس المسيحية بهذه بالعديد من التفاصيل المعمارية والكتابات الإسلامية.
هكذا عاش المصريون مسلمين ومسيحين ويهود في مجتمع واحد في منطقة مصر القديمة التي تُعد مجمعاً للأديان السماوية الثلاث, فقد أجتمعت أقدم الآثار الإسلامية والمسيحية واليهودية في مكان واحد لتصنع مجمعاً طبيعياً للأديان لا تفصل بينهم سوي عدة أمتار قليلة ويشعر الزائر عن زيارته لهذا المجمع بمتعة نادرة للروحانية العالية بالمكان ويَكفيه شرفاً أنه شهد اثنين من أولى العزم وهما سيدنا موسى زعيسى عليهما السلام، فالمجمع يمثل صورة تؤكد حواراً حقيقياً بين الأديان الثلاثة يَسوده التسامح والتعايش وتَقبُل الآخر وسماحة الأديان والسلام، فهنا تجد الكنائس تحتضن المساجد، يمتزج فيها صوت الأذان برنين أجراس الكنائس وصوت بوق «الشوفار» اليهودى إيذاناً بإقامة الصلوات الثلاث، فى تناغم داعياً إلى الوحدة الوطنية والتراحم، مُعلنةً أن الدين لله والوطن للجميع .
بقلم/ محمد عبد الرحمن عنب
المصدر: مجلة حراء