إسطنبول (زمان التركية) – بعد مرور ستة سنوات علي قضية الفساد التي اتهم فيها وزراء وأبناءهم، وأقارب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأشخاص مقربون منه، قضت محكمة تركية بإسطنبول، الاثنين، بالحبس مدى الحياة على 15 شخصًا، ليس على المتهمين بالفساد بل على الذين اكتشفوه!
واتهمت المحكمة المدانين، بينهم 4 ضباط شرطة سابقين بـ”المحاولة للإطاحة بالحكومة التركية”.
وكانت المحاكمة انطلقت على خلفية قضية تتعلق بتسجيلات قيل إنها تظهر تورط أردوغان، الذي كان حينها رئيسا للحكومة، وعدد من وزرائه، في الفساد.
واعتبر أردوغان أن التسجيلات “مفبركة”، واتهم ما سماه “الكيان الموازي”، في إشارة إلى حركة الخدمة، بتلفيق فضيحة لإسقاط حكومته.
ثم أطلق أردوغان حملة فصل وتحقيقات واعتقال مضادة، سرح في البداية عشرات الآلاف من عناصر الشرطة والآلاف من القضاة والمدعين العامين الذين أشرفوا على قضية الفساد، أقدم بعد ذلك على إغلاق المحاكم الجنائية العاملة منذ عقود في البلاد وأسس مكانها محاكم الصلح والجزاء الجديدة، لتنطلق بعدها العمليات التي وصلت إلى أوجها بعد الانقلاب المزعوم في 2016.
أطول يوم في حياة أردوغان
وبهذه المناسبة نقدم لكم مجددًا مضمون الفيلم الوثائقي المسمى “أطول يوم في حياة أردوغان”، الذي أعده الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة “جمهوريت” التركية سابقًا جان دوندار، والذي نقلت وكالةُ جيهان للأنباء التي أغلقها أردوغان قبيل محاولة الانقلاب، نصوصه إلى العربية لأول مرة في عام 2014، ثم أخذت منها المواقعُ العربية الأخرى.
أرجنكون يعترف بتنصته على أردوغان!
يتكون مضمون هذا الفيلم الوثائقي من المحادثات الهاتفية التي جرت بين رئيس وزراء تلك الفترة أردوغان وأبناءه والوزراء وأبناءهم بعد بدء تحقيقات الفساد والرشوة، والتي نشرتها العديد من القنوات التلفزيونة المحلية والدولية والمواقع الإخبارية ورواد الإعلام الاجتماعي بلغات مختلفة. كان الأمن قام بالتنصتات على تلك المحادثات الهاتفية بقرارات صادرة من المحكمة، كما هو المطلوب، لكن كانت هناك تنصتات أخرى مجهولة المصدر نشرت في الإعلام.
ويرجح الخبراء أن هذه المحادثات “مجهولة المصدر” سربها إما مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي”، الذي تبين أنه يتابع ويتنصت على رضا ضراب وأعضاء شبكته منذ عام 2010 على الأقل، في إطار جهوده الرامية إلى الكشف عن الشبكة التي استغلت النظام المالي الأمريكي لخرق العقوبات الدولية على إيران؛ أو تنظيم “أرجنكون” الإجرامي الانقلابي الذي كان يسعى إلى أخذ أردوغان تحت سيطرته وإخضاعه لإرادته، بغرض إخراج قيادييه وأعضاءه من السجن.
وهناك اعتراف يعضد هذا الادعاء، فقد اعترف دوغو برينتشاك، أحد قياديي تنظيم أرجنكون، وزعيم حزب الوطن اليساري العلماني “الطوراني”، على إحدى القنوات التركية، بأنهم من تنصتوا على مكالمات أردوغان ونشروها في وسائل إعلام مختلفة، وأكد أنه لا يزال بحوزتهم نحو 40 تسجيلاً صوتيًّا ومصوّرًا من هذا النوع. وغني عن البيان أنهم استخدموا هذه التسجيلات للضغط على أردوغان، واستطاعوا الخروج من السجن وعقْد تحالف معه في عام 2014 بعد سنوات طويلة من البقاء خلف القضبان، لينتقل أردوغان بعده إلى فترة جديدة من الحكم مخالفة تمامًا لفتراته السابقة.
المحكمة الأمريكية: تسجيلات أردوغان صحيحة وليست “مونتاج”!
لقد أنكر أردوغان صحة محتوى تلك التسجيلات الصوتية التي سنوردها أدناه، وزعم أنها ممنتجة لا تعكس الحقيقة، إلى جانب إنكاره كل التسجيلات الصوتية الأخرى المنسوبة للمتهمين الآخرين من الوزراء وأبناءهم والإيراني رضا ضراب جملة وتفصيلاً. غير أن شركات عالمية مرموقة متخصصة في هذا المجال كذبت أردوغان وأكدت أن جميع المكالمات الهاتفية صحيحة غير ممنتجة. فضلاً عن ذلك فإن ضراب اعترف بصحة هذه التسجيلات الصوتية خلال محاكمته في المحكمة الأمريكية.
وأوضحت صحيفة “فوربس” الأمريكية في خبر لها أن قاضي المحكمة التي تنظر قضية ضراب استمع إلى تسجيلات تحقيقات الفساد والرشوة التي شهدتها تركيا في عام 2013، ولفتت إلى أنه أرسل تسجيلات المحادثة الهاتفية التي كان أردوغان يطالب فيها ابنه بإخلاء منزله من ملايين الدولارات واليورو وإخفاءها، إلى الخبراء، وهم بدورهم أكدوا صحة هذه التسجيلات، نافين أن تكون مزورة وممنتجة، كما زعم أردوغان.
وفيما يلي بعض من مضامين تلك التسجيلات الصوتية، وسنعود إليها مرة أخرى لنقوم بتحليلها في التقرير الرابع من هذه السلسلة.
أطول يوم في حياة أردوغان
فى الخامسة من صباح يوم السابع عشر من ديسمبر عام 2013 بتوقيت أنقرة وإسطنبول، بدأ اليوم الأطول فى حياة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فقد داهمت قوات الأمن المكلفة بالتحقيق فى عمليات الرشوة والفساد، منزل كاغان تشاغلايان، نجل وزير الاقتصاد ظافر تشاغلايان وقتها، فى منطقة “ينى محله”، لكن المنزل كان مسجلاً باسم أبيه ويتمتع بحصانة، وهو ما دفع الابن إلى الاتصال بوالده سريعاً لإيقاظه من النوم، فاتصل الأب بدوره بوزير الداخلية حينها معمر جولر، الذى نفى علمه تماماً بالواقعة، فاتصل بالمسئولين التابعين له، وفوجئ هو أيضاً بالخبر السيئ. فقد كان بيت نجل وزير الداخلية نفسه باريش جولر خضع للتفتيش أيضاً حوالى الساعة السادسة بتوقيت إسطنبول، وحين فتش رجال الأمن الشقة، ووجدوا فيها كميات كبيرة من الأموال الأجنبية والليرات التركية مخبأة فى صناديق أحذية.
فى الوقت نفسه، اقتُحم مقر بنك “هالك” (الشعب) فى منطقة “عطاشهير” وأُلقي القبض على مديره سليمان أصلان مع زوجته. كما كانت هناك عمليات تحرٍّ وتفتيش فى منزل كل من رضا ضراب فى منطقة “كانليجا”، ورئيس بلدية “فاتح” بمدينة إسطنبول مصطفى دمير، وشركة رجل الأعمال علي أغا أوغلو فى “عطاشهير”، بالإضافة إلى مكتب عبد الله أوغوز بايركتار، نجل وزير البيئة والتخطيط العمرانى أردوغان بايركتار.
فى السادسة والنصف بتوقيت إسطنبول، استيقظ مدير أمن إسطنبول حسين تشابكين على صوت اتصال هاتفي من مدير شعبة مكافحة الجرائم المالية يعقوب صايجيلى، حيث قال صايجيلى لتشابكين وهو يشعر بالخجل لبدء “العملية دون علمه”، وذكر له التفاصيل. وبدأت التحقيقات من قبل النائبين العامين فى إسطنبول جلال كارا ومحمد يوزكيتش. وكان رضا ضراب “الرقم الأول” بين المتهمين، إذ تبين أنه قدم الرشاوى لأبناء أربعة وزراء لتبييض الأموال وتهريب الذهب.
سبب سرية العملية
كانت شعبة الجرائم المالية تخطّط لاعتقال 71 شخصاً فى ذلك اليوم، فاستفسر تشابكين قائلاً: “لماذا لم تخبروني بذلك؟”، فأجابه صايجيلى قائلاً: “لو أخبرناك لاضطررت إلى إخبار المسؤولين الأعلى مقاماً منك، وحينها ما كنا لنتمكن من إجراء هذه العملية”.
فتساءل الأول: “وهل أدلتكم صحيحة وقوية؟”، فجاء الرد قاطعاً: “نعم صحيحة وقوية، والمتهمون كانوا تحت المراقبة منذ أشهر، وهناك صور ومشاهد وتسجيلات صوتية لهم أثناء تبادل الرشاوى”.
تريليون ليرة في منزل ابن وزير
وبعدها بدقائق، دارت مكالمة أخرى بين وزير الداخلية ونجله، حاول من خلالها الوزير الاستفسار عما جرى لمنزل الابن، وسأل جولر ابنه: “ماذا يوجد فى شقتك؟”، فأكد الابن أن هناك ما يقرب من تريليون ليرة تقريباً فقط، ولكن المحققين لم يكونوا قد عثروا عليها بعد. وقال جولر: “الأغلب أن القضية هي تحقيق فى علاقتك بضراب، وعليك أن تقول إن علاقتك به استشارية، ولكن بصورة غير رسمية حتى لا تضر سمعتى”.
إن استطعتم الهرب فاهربوا
تمر دقائق معدودة، ثم يتصل وزير البيئة والتخطيط العمراني أردوغان بايركتار بالمدير العام للتخطيط العمراني محمد علي كهرمان، ويقول للمسؤولين فى وزارته: “إن استطعتم الهرب فاهربوا”، بحسب ما جاء فى التسجيلات الصوتية القانونية للشرطة. وقال بايراقدار: “محمد علي، قد تعتقلك الشرطة، فقد اعتقلوا عبد الله وحسين سباهي، ونجل ظافر تشاغلايان فى إسطنبول، وقد يداهمون بيتك قريباً”.
أردوغان لابنه: أخرِج كل ما فى بيتك من مال!
فى الثامنة بتوقيت أنقرة، كان رئيس وزراء تلك الفترة أردوغان فى بيته الواقع فى منطقة “سوباى أفلاري”، ووفقاً لبرنامجه اليومي، كان يفترض أن يذهب بطائرته إلى “قونيا”، وسط تركيا، لحضور فعاليات إحياء ذكرى وفاة العالم الصوفي الشهير جلال الدين الرومي، لكنه قرر فوراً أن يرسل ابنته سمية إلى بيت ابنه بلال فى إسطنبول. وبالفعل جهزت سمية نفسها للذهاب إلى إسطنبول بالطائرة فى الساعة التاسعة، فاتصلت بأخيها بلال لإيقاظه. واستمرت المكالمة 14 ثانية، وبعدها مباشرة رنّ هاتف بلال ثانية فى الثامنة ودقيقتين، وكان المتصل هذه المرة والده أردوغان، ولم يكن بلال قد استيقظ تماماً من النعاس. تبدأ المكالمة بسؤال أردوغان لنجله: “هل أنت فى البيت؟”، فأجابه بلال: “نعم يا أبتِ”. فقال أردوغان: “نفذوا عمليةً هذا الصباح. والآن يفتشون بيوت كل من علي أغا أوغلو ورضا ضراب وابن أردوغان بايراكتار وابن ظفر”. فقال بلال: “هلا أعدت ما تقول يا أبتِ؟”، فرد الوالد: “أقول إنهم يفتشون بيوت 18 شخصاً، منهم ابن السيد معمر وابن أردوغان بايراكتار وعلي أغا أوغلو ورضا ضراب بتهمة الفساد الكبير”، فقال بلال: “نعم”، وهو ما دفع الرئيس التركى إلى إصدار أوامره إلى نجله، قائلاً: “أخرِج كل ما فى بيتك. مفهوم؟”. فسأل بلال: “ما الذى يمكن أن يكون عندي يا أبتِ. فى الخزانة أموالك فقط”، فقال أردوغان: “هذا ما أقصده. ثم أنا سأرسل أختك إليك. مفهوم؟”. وأضاف أردوغان: “بعد ذلك تكلَّم مع أخيك الكبير، فهو على علم بهذه المعلومات. مفهوم؟”، فرد بلال: “حسناً”، ثم قال أردوغان: “تكلم مع عمك ليخرج هو كذلك ما فى بيته. وتكلم مع صهرك أيضاً ليفعل الشىء نفسه”. ورد بلال: “ماذا أفعل بهذه يا أبتِ؟ أين نضعها؟”، فرد أردوغان: “ضعها فى أماكن معينة”. وخلال المكالمة ظهر صوت أمينة، زوجة أردوغان تقول: “برات”. فقال بلال: “وماذا عن برات؟”، فرد أردوغان: “هذا ما أقوله. اجتمعوا. وخذ عمك أيضاً، ولا أعرف إن كان عند صهرك ضياء أم لا. مفهوم؟ واتصل بأخيك براق أيضاً. مفهوم؟”.
تحركات ابنة أردوغان
فى الثامنة والنصف من صباح اليوم ذاته، اقتيد المقبوض عليهم فى عمليات التفتيش إلى مكتب المدعين العامين للتحقيق معهم. وفى نفس الساعة خرجت سمية، ابنة أردوغان، من منزلها فى منطقة “سوباى أفلاري” للذهاب إلى مطار “أسنبوغا” فى العاصمة أنقرة. وحين وصلت قاعة كبار الزوار، كانت الساعة التاسعة، وكانت حارستها معها، وكان فيها الوزير السابق كوراى آيدين أيضاً، حيث كان فى طريقه إلى إسطنبول، ومنها إلى طرابزون. ولاحظ كوراى أن سمية لا تكلم أحداً وأنها لا تترك الهاتف. فقد كانت تنظر إلى هاتفها وتكتب الرسائل وتتابع الأخبار فقط. وتوجهت الطائرة إلى إسطنبول التى كانت تهتز بأخبار الاعتقالات.
فى العاشرة والنصف بتوقيت إسطنبول، كانت سمية وصلت إلى إسطنبول، وتوجهت نحو منطقة “كيسيكلى”. كانت عائلة أردوغان تعيش حالة رعب حقيقية. وكانت ابنة رئيس الوزراء إسراء آلبايراق وزوجها برات آلبايراق عند بلال فى كيسيكلى. اتصل برات فى الساعة 11 صباحاً بـمدد نابي يانيك، الذى يعد ذراعه اليمنى. وقال له إن “هناك أمراً ذا أهمية كبرى. وأرسله لشراء آلة لتمزيق الأوراق بحيث لا يمكن قراءتها فيما بعد”.
البحث عن آلة لتمزيق الأوراق
ولما اتصل مدد نابي يانيك ببرات، كانت الشرطة تسجل مكالمتهما. وقال مدد: “يا أخي سلام عليكم”، فرد برات: “أين أنت يا مدد؟”، فأجابه: “أنا فى المكان الذى أشتري منه آلة تمزيق الورق”. فقال له برات: “لا تتجول هناك، فذلك المكان غير جيد من حيث الجودة، ولماذا أبذل أموالي سدىً مرة أخرى؟ اشترِ شيئاً جيداً أى منتج أجنبي كبير”، فرد مدد: “حسناً سأفعل، أشتري آلة تمزيق أوراق كبيرة”. ودارت تفاصيل المكالمة حول الآلة التى سيشترونها، وطالب برات من مدد ألا تكون آلة صينية أو منتجاً محلياً مغشوشاً، فقال له برات: اشتر آلة جيدة كبيرة، وتعال بأقصى سرعة.. بسرعة بسرعة”.
بعد المكالمة خرج بلال وبرات بسيارة خاصة من البيت الكائن فى منطقة كيسيكلى. وبقيت إسراء فى البيت، وجاءت سمية في الساعة 11 صباحاً. وبدأتا تنتظران آلة تمزيق الأوراق. ولما تأخرت اتصلت إسراء بـمدد، ودارت هذه المكالمة بينهما، على النحو التالى:
إسراء: “كنت ستحضر الـ.. “، فأجابها مدد: “نعم”، فقالت إسراء: “لو نضعها في الطابق السفلي أو في الطابق الذي أعمل فيه سيكون الأمر جيداً”، وأضافت: “حتى لا نحملها مرة أخرى أنا أعمل فى الأسفل”، ورد مدد: “حسناً يا سيدة إسراء.. أنا أحضرت تلك الآلات، ولدينا نموذجان، كنت أود أن أريهما للسيد برات، ولكنه خرج، سأخبره عندما أتصل به، وبناء على ذلك سأضع إحداهما فى الطابق السفلي إن شاء الله”. فقالت إسراء: “قل لي وأنا سأتصرف، أنا سأقرر الأمر”، فرد مدد: “حسنا أنا أتوجه إلى المدخل”، فقالت: “حسناً دُلّهم على الطابق السفلي.. أنا نازلة أيضاً.. إلى اللقاء”.
تأثير التحقيقات على برنامج أردوغان
فى الساعة 11 صباحاً بتوقيت إسطنبول، كان من المفترض أن يسافر أردوغان بالطائرة مع زوجته إلى قونيا في الساعة 11 من الصباح، لكن بسبب هذا الظرف الطارئ تأجلت حركة الطائرة مدة ساعة ونصف الساعة. اتصل رئيس الوزراء بنجله بلال فى الساعة 11:17 من أنقرة، وتم تسجيل هذه المكالمة الهاتفية الشهيرة. تبدأ المكالمة ويقول بلال: “السلام عليكم”، فيرد أردوغان: “عليكم السلام”، ثم يقول بلال: “الآن اجتمعنا بالـ.. الأخ حسن مع برات، فأنا وعمي نفكر فى الأمر. فقد خطرت على بالنا فكرة جديدة. يقول برات نعطي جزءاً من الأموال ليتصرف فيها كما تصرف فى الأموال الأخرى. طبعاً أنتم تكلمتم فى ذلك الموضوع من قبل. أنفعل ذلك؟ فقد نحلّ قسماً كبيراً منها بهذه الطريقة؟”. فأجاب أردوغان: “ممكن”، ثم رد بلال: “حسناً، والقسم الآخر هل نعطيه لمحمد جور ونقول له: ’لأننا شركاء معك فخذ هذه الأموال واحتفظ بها عندك، تستخدمها كلما بدأت مشروعاً؟‘، وهكذا نقلل الكمية وننقل البقية إلى مكان آخر”، فأجابه الوالد: “حسناً”، وقال بلال: “حسناً يا أبتِ”.
سأل أردوغان: هل جاءت سمية؟، رد بلال: “سمية وصلت إلى البيت وستأتي الآن إلى هنا حيث نحن”، فقال أردوغان: “الأفضل أن تفعلوا.. أن تصفّروا الأموال كلها”، فرد بلال: “حسناً يا أبتِ سنحل المسألة إن شاء الله. هل ثمة شىء آخر؟ نعم سنصفرها كلها إن شاء الله”.
محاولات أردوغان لإيقاف التحقيقات
كانت الساعة حوالى 11:44 بتوقيت إسطنبول، كان المدعي العام زكريا أوز هو المشرف على تنفيذ عملية “تشاغلايان”، وهنا فكر رئيس الوزراء فى الاتصال بـ”أوز” لإيقاف التحقيقات. وكان رئيس اللجنة الإدارية للخطوط الجوية التركية حمدي طوبتشو قد اصطحب أوز في وقت سابق لتعريفه إلى رئيس الوزراء. ولذلك أراد أن يبعث رسالة إلى أوز عبر طوبتشو. وقال ذلك لنجله، فى هذه المكالمة، قبيل صعوده إلى الطائرة المتجهة نحو قونيا.
أردوغان: “يا بنيّ سأعود من قونيا إلى إسطنبول هذا المساء، وظهر غدٍ سأعود إلى أنقرة ثانية. استدعوا الآن حمدي فقط”، فسأله بلال: “أي حمدي؟”، فرد الوالد: “حمدي.. حمدي”، فسأله بلال: “طوبتشو”؟ فأجابه: “طوبتشو”، فقال بلال: “حسناً”.
ثم قال أردوغان: “زكريا متورط فى هذا الأمر زكريا. إنه مشترك فى هذا الأمر. مفهوم؟”، أجابه بلال: “حسناً”. وقال الوالد: “وإذا اقتضى الأمر فليقل له ’أيها الصديق عليك أن تنهي هذا الأمر اليوم‘.. فليقل له هكذا، حسناً.. ولكن يبدو أنه يعمل معهم”، فرد بلال: “هو أصلاً منهم عزيزي”، ثم سأل: “هل لحمدي شىء وشأن عنده؟”، أجابه أردوغان: “هو يعرفه ويتعامل معه، هو الذى أحضره إلىّ”، فرد بلال: “ها حسنا يا أبتِ”. وقال أردوغان: “أو نأتي غداً ونفعل ما ينبغى.. فلنر ماذا سيقرر اليوم”، سأله بلال: “ماذا يا أبتِ؟”، أجابه أردوغان: “قد يستعجلون فى إحالتهم، يعني لا يمكن أن نعرف ونتوقع ماذا سيفعل هؤلاء”. سأله بلال: “يحيلون من؟”، فرد: “المحتجزين”، فقال بلال: “هاا.. للمحكمة نعم”. ثم قال أردوغان: “مدعيان عامان ينفذان المهمة”. فرد بلال: “سأكلم السيد حمدي بعد الظهر إن شاء الله. نلتقي مساءً”.
أردوغان: لن أخضع أمام التهديدات
عندما قال بلال لـبرات على الهاتف: “لنعطِ قسماً من الأموال لفاروق”، كان يقصد عمر فاروق كاليونجو. بعد المكالمة بمدة قصيرة تنصت الأمن على المكالمة الهاتفية لكل من خاقان أصلان، مساعد كاليونجو، ومدد نابي يانيك، مساعد برات ألبايراق. كانا يخططان للقاء فى أحد الجراجات، وكانت المكالمة فى اليوم نفسه فى الساعة 11:52 صباحاً. كانت التحقيقات جارية فى مديرية الأمن، وكانت تركيا تتلهف لسماع ما سيقوله رئيس الوزراء. أقلعت طائرة أردوغان متأخرة عن موعدها بساعة ونصف. وهبطت طائرته فى قونيا عند حلول الساعة 1:30 ظهراً. كان مرتبكاً، وبنبرة صوت مختلفة تماماً عن التي تكلم بها عبر الهاتف، أعلن أنه لن يخضع أمام التهديدات، وقال: “لن ننحني أبداً. أيها الإخوة فليجربوا كل الطرق، وليحيكوا ما شاءوا من المؤامرات القذرة. وأكررها مرة أخرى من هنا من قونيا.. فقد أصبحت الكلمة فى تركيا للشعب والقرار للشعب والسلطة للشعب”.
ابن أردوغان يحاول الوصول إلى المدعي العام
في الثانية ظهراً ذهب بلال أردوغان بناء على طلب أبيه إلى رئيس اللجنة الإدارية فى الخطوط الجوية التركية حمدي طوبتشو. وطلب اللقاء بزكريا أوز لوقف التحقيقات. واتصل بأبيه ليخبره بالإجابة التى حصل عليها طوبتشو عن أوز، وكان أردوغان لا يزال حينها فى قونيا. فقال بلال: “أبي خرجت للتو من عند السيد حمدي سيلتقيان الساعة السادسة، فرد أردوغان: “الساعة السادسة وقت متأخر، يكون الأمر قد انتهى”. فقال بلال: “إنه لا يعلم بالأمر، ثم إن الملف ممتلئ”. قال أردوغان: “إنه يكذب طبعاً.. يقول إنه لا يعلم، ثم يقول إن الملف ممتلئ.. كيف؟. قال بلال: “هذا يعني أن الملف وُضع أمامه، لا أدري ما الذي يقصده فى الصباح الباكر؟”، فرد الوالد: “يقول لا علم له، ويقول إن الملف ممتلئ”. فأجابه بلال: “نعم نعم”. قال أردوغان: “هل ذهبت إلى حمدي؟”، فأجابه: “نعم”. فقال أردوغان: “ليتك ما ذهبت”. سأله بلال: “ماذا أفعل يا أبتِ؟ لو التقينا فى مكان آخر لكان الأمر سيئاً أيضاً”. فرد أردوغان: “لقد أخطأت”.
فى الساعة الثالثة عصراً انتهى الحفل الذى كان يحضره أردوغان فى قونيا، وأجاب عن أسئلة الصحفيين حتى الثالثة والربع، وقال: “هذه عملية قضائية يا أصدقاء، ولا يصح أن أقول شيئاً عنها قبل صدور النتائج وانتهاء العملية”.
“أردوغان لابنه: لا تتكلموا بالهاتف!
وعند الساعة 3:39 عصراً اتصل بـبلال، لكن هذه المرة كان أكثر حذراً. قال أردوغان: “هل أديت المهام الأخرى التى كلفتك بها؟”، فأجابه بلال: “سنكون أنهينا ذلك مساءً، وانتهى القسم المتعلق ببرات. والآن يبدو أننا سننجز القسم الخاص بمحمد جور أولاً. والقسم الباقي سننجزه عندما يحل الظلام”. أردوغان:…..، بلال: إن شاء الله. سأل أردوغان: “ماذا فعلتْ سمية؟”، فأجابه بلال: “أما سمية.. فأخرجتها وأحضرتها وتحدثنا.. وما إلى ذلك”. سأل أردوغان: هل أنجزت الطرفين؟، رد بلال: “أظن أنها أعطتها يا أبتِ.. فقد قالت إنها أفرغتهما كليهما. هل تقصد هذا عندما تقول الطرفين؟”، رد أردوغان: “حسناً انس الأمر”. سأل بلال: “متى ستأتون؟” فأجابه والده: “حوالي الساعة 12”. وقال بلال: “صاحبتكم السلامة”، فرد أردوغان: “لا تتكلموا بالهاتف”.
وزير العدل يجمع أعضاء مجلس القضاء الأعلى
فى السابعة مساء بتوقيت إسطنبول، دعا وزير العدل سعد الله أرجين المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين إلى الاجتماع. وكان الهدف هو المدعين العامين الذين يقودون عمليات التحقيق. وعندما كان يتجه أرجين نحو العاصمة أنقر كانت قناة “فوكس” تذيع خبراً أن المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين يعقد اجتماعاً.
الساعة 11 وخمس دقائق بتوقيت أنقرة، جرت فيها المكالمة الأهم بين أردوغان ونجله، فوصلت طائرة أردوغان وزوجته إلى أنقرة، وفى طريقه إلى منزله جرى الاتصال.
أردوغان لابنه: هل صفرتم كل الأموال؟
قال بلال: “الآن يا أبتِ.. لقد أنجزنا إلى حد كبير. هل أنتم اتصلتم بي؟”. رد أردوغان: “لا، أنا لم أتصل بك، أنت اتصلت”. قال أردوغان: “جاء اتصال من رقم سري”. ثم سأل: “ما المقصود من “إلى حد كبير”؟ هل صفرتموها كلها؟”. أجابه بلال: “لم نصفرها بعدُ يا أبتِ.. فثمة مبلغ 30 مليون يورو أيضاً (مبلغ بسيط تبقى بعد إفراغ كل مكان). لم نستطع إخفاءه بعد. تذكرت أن أحمد تشاليك بقي له مبلغ إضافي بقيمة 25 مليون يورو، ويقولون لو إننا نضعها عنده ثم نفعل الـ.. وبالمبلغ المتبقي يمكن أن نحصل على شقة من شهيرزار. ما رأيك يا أبتِ؟”.
يُفكر أردوغان ولكن يسمع صوتاً من الأسفل يقول “آى”. فسأل بلال: “ماذا يا أبي؟”، فسأل أردوغان: “هل سمية عندك؟”، رد بلال: “نعم هل أناديها؟”، فأجابه: “لا، تشابهت علىّ الأصوات، ولذلك سألت”. قال بلال: “ها، يعني نعطي قسماً من المبلغ لتشاليك ونشتري بالباقي شقة من شهيرزار”. فرد أردوغان: “المهم.. تصرف أنت.. ممكن أن نفعل ذلك”. سأل بلال: “هل نفعل ذلك؟” رد أردوغان: “نعم، افعلها”. ثم سأل بلال: “هل نصفرها تماماً أم نترك لك بعض المال؟”، أجابه أردوغان: “لا تتركوا شيئاً.. لا يكون هذا.. لو حولتم القسم الآخر إلى هناك مع محمد أيضاً”. رد بلال: “نعم لقد أعطيناهم 20 مليون دولار”. قال أردوغان: “الله الله! لو حولتم أولاً ومن ثم عملتم الـ…”، سأل بلال: “كيف أعلم.. هذا ما استطعنا أن نعطيه الآن. أصلاً يستغرق حيزاً كبيراً، ووضعنا قسماً آخر فى مكان آخر، وبعد ذلك أعطينا قسماً للأخ تونتش”. سأله أردوغان: هل حولتها كلها لـتونتش؟”، قال بلال: “إلى أين يا أبتِ؟”، فرد أردوغان: “أقول تونتش.. هل حولت كلها لتونتش؟”. أجابه بلال: “سألوهم وأظن أنهم قالوا يمكننا أن نأخذ 10 ملايين يورو فقط”. سأل أردوغان: “على كلّ حال، لا تتحدث عن كل هذه الأمور على الـ..، ولو كان بهذه الطريقة، لا تتحدث”. رد بلال: “حسناً، إذن نحن نتصرف ونحل المشكلة”. قال أردوغان: “نعم تصرفوا أنا لن أستطيع المجيء هذا المساء سأبقى فى أنقرة”. قال بلال: “حسناً.. نحن نتصرف.. لا تقلق”.
تبين فيما بعد أنه فى تلك الأيام تم شراء 6 شقق من شركة “تشاليك هولدينج شهيرزار” التى ورد ذكرها فى المكالمة. كما ظهر أيضاً أنه تم تحويل 14 مليوناً و120 ليرة لشركة “تشاليك” عن طريق بنك “أكتيف”، الذي كان وزير الطاقة الحالي برات ألبايراق صهر أردوغان رئيس مجلس إدارته آنذاك. وقد ظهر فى عقود شراء الشقق 1-2-3-4-5-6 من المبنى (a) اسم عمر فاروق أكبولوت، وهو محامي عائلة أردوغان، ومخول بالبيع والشراء باسم العائلة.