محمد عبيد الله
إسطنبول (زمان التركية) – طالبت النيابة العامة في تركيا بالحبس المؤبد لـ16 شخصًا في قضية أحداث جيزي التي سينظرها القضاء في 24 يونيو/ حزيران، وعلى رأسهم رجل الأعمال البارز والناشط في المجتمع المدني عثمان كافالا، بتهمٍ عديدة، بينها محاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة والإضرار بالمال العام خلال احتجاجات حديقة “جيزي” التي شهدتها إسطنبول في عام 2013.
ومن اللافت أن النيابة العامة فرغت من إعداد مذكرة الاتهام بعد ستّ سنوات من بدء التحقيقات، كما أنها لم تكتفِ بطلب الحبس المؤبد لعثمان كافالا، عضو جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك “توسياد”، بل أوصت بتضيقات إضافية، حيث طالبت بأن يفرض عليه عزلاً انفراديا 23 ساعة يوميًّا، وحبسًا تصله مدته 3 آلاف و158 سنة أيضًا!
يشار إلى أنه يوجد بين المتهمين كثير من الشخصات المعروفة في تركيا، مثل الممثل محمد علي بورا والمهندسة المعامارية عائشة مجلى يابيجي ورئيس تحرير صحيفة جمهوريت سابقًا جان دوندار وغيرهم.
ووافقت الدائرة الثلاثون للحكمة الجنائية في إسطنبول على مذكرة الاتهام الخاصة بأحداث جيزي التي اندلعت في إسطنبول أولاً ثم انتشرت في جميع أنحاء تركيا، احتجاجًا على رغبة أردوغان في تحويل حديقة عامة في ميدان تقسيم إلى ثكنة عسكرية ومركز تجاري.
وكان الكاتب الصحفي المخضرم ياوز بيدر وصف دعوى أحداث جيزي ومذكرة اتهام النيابة العامة بـ”السخيفة”، مؤكدًا أنه لم يعد هناك أي جدوى من إعداد أجوبة منطقية للرد على المزاعم الواردة في مثل هذه الملفات القضائية، فلن يكون ذلك إلا محاولة عابثة وهدرًا للوقت؛ ذلك أن السعي لحوار عقلاني مع من تجردوا وانسلخوا من العقل والمنطق في ظل نظامٍ مصمّم على قواعد مافيويةٍ ليس إلا بلاهة. حسب كلامه.
وأضاف بيدر، رئيس تحرير موقع “أحوال تركية” الصادر باللغات الثلاث التركية والإنجليزية والعربية، أن المتهمينن القابعين في زنزانات انفرادية منذ 18 أكتوبر/ تشرين الثاني 2017 بتهمة التورط في سيناريوهات قائمة على الهذيان والهلوسة، في القضية عينها مع رجل الأعمال عثمان كافالا، ليسوا سوى عدد قليل جدًا من عشرات الآلاف من ضحايا شبح الفاشية المخيم على تركيا منذ خمس سنوات، وأضاف: “لقد سقطت تركيا منذ وقت طويل إلى درك الدول الأكثر ظلمًا وظلمةً في العالم، حيث تضم سجونها ما يقرب من 50 ألف ضحية هم بمثابة “سجناء سياسيين”.
ولفت الكاتب التركي إلى أن خُمُس نزلاء السجون التركية اليوم يتألفون من السجناء السياسيين المغضوب عليهم من قبل السلطة السياسية بسبب أفكارهم وأفعالهم ومواقفهم التي تعتبر ضمن حقوق الإنسان في أي دولة يسود فيها أدنى معايير الديمقراطية، فيما وصف إقدام أردوغان على هذه الأمور بالتحالف مع “صيّادين” لا يكنّون له قدر ذرة حبّ وسبق أن نصبوا له أسوأ المكائد وأقذر المؤامرات، في إشارو منه إلى مجموعة أرجنكون، بـ”المفارقة”.
وذكّر بيدار أن أردوغان وضع الجميع في القفص ذاته، بدءًا من الأكراد، وأعضاء جماعة حركة الخدمة، والعلمانيين القدماء من حزب الشعب الجمهوري، والليبراليين المغضوب عليهم، وانتهاءً بكل من سكتوا على سيئاته من أجل حسناته النسبية، ومن انتقدوا بصورة صارخة هؤلاء الساكتين من أمثال عثمان كافالا، ثم عقّب ساخرًا: “طبعًا لا يسأل أحد كيف تمكّن أردغان من حشد هذا القدر من الألوان المختلفة بل المتناقضة في القفص عينه؟!”
واختتم ياوز بيدار قائلاً: “لقد بدأت هذه الفترة المظلمة بعودة “الدولة” إلى العقلية القمعية منذ 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 عقب صدمة نجاح 80 نائبًا كرديًّا في الدخول إلى البرلمان بعد الانتخابات التشريعية في 7 حزيران 2015. وقد أقنعت هذه الدولة بشكل أو بآخر كتلة يمين الوسط والكمالية السياسية بضرورة العودة لهذه العقلية، وركبت على رياح “المانيفستو” التي أثارها “التحالف الوطني” الذي تشكل في ميدان يني كابي بعد الانقلاب المزعوم لتنطلق بعد ذلك بخطواتٍ حثيثة وواثقة إلى الأهداف المشؤومة التي حددتها منذ البداية. نعم هذه هي الصورة الفظيعة التي يجب علينا أن نراها بعد إزالة الغبار الذي تضعه أمام أعيننا لوائحُ الاتهامات ونظرياتُ المؤامرة القائمة على الشيزوفرنيا أو الفصام الذُهاني”.