بقلم: علي بولاج
يتغيّر نظام المنطقة الذي أُسّس في الربع الأول من القرن الماضي. وستتغيّر الأنظمة والخرائط السياسية كذلك. هذا علاوةً على أن الخريطة البشرية ستتعرّض للتغيير أيضًا بسبب عدم قدرتنا على تطوير نموذج تنظيمي آخر ذي طابع غربي ودولة قومية إلى الآن. ومع الأسف فإن هذا التغيير سيكون أليمًا على ما يبدو. فكل حرب أو صراع، كبيرًا كان أم صغيرًا، يتسبب في تغيير أماكن إقامة مئات الآلاف، بل ملايين البشر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الاستقلال التام قد فقد معناه بالكامل باضطرار الدولة القومية إلى تحويل جزء من سيادتها إلى الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين. ولن يكون الأكراد مستقلين بشكل كامل في عالم كهذا، فقد بقي هذا في الماضي. والمهم هنا هو ألا تكون نصف مستعمرة وألا يسمح لنشوب صراعات جديدة في أثناء البحث عن شركاء.[/box][/one_third]إنّ الأكراد هم العنصر الأول الذي يظهر على هذه الخريطة. ولا يوجد أدنى ريب في هذا. وهم يخطون بخطوات عملاقة في طريق تشكيل كيان سياسي مستقل بذاته مثل العرب والأتراك والإيرانيين. ولقد فُتح الطريق أمام الأكراد بسبب الاضطرابات التي شهدتها دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق وسوريا، اعتبارًا من عام 2003. وإن كان الأمر كذلك، فإن الإرث التاريخي للمنطقة وبنيتها الهشّة وديمغرافيتها المعقّدة والفوضى الاجتماعية والسياسية المسيطرة عليها، لا تجعل أي شيء آمنًا بشكل دائم.
يدرك جميع الأكراد هذه الوضعية. وهم لم يُمنحوا الفرصة في القرن العشرين لتأسيس دولة مستقلة لهم، وانقسموا إلى أربعة أقسام. والآن قسمان من هذه الأقسام الأربعة يتمتعان بالحكم الذاتي. ويعتقد القسم العراقي أنه حان وقت إعلان الاستقلال؛ إذ نرى رئيس الإقليم الكردي في شمال العراق “مسعود بارزاني” يتلفظ بهذا مستخدمًا لغة حذرة.
وبما أن الأكراد ليسوا مجرّة منعزلة عن جميع الأشياء والأقوام في فضاء هذه الدنيا، كما هو الحال بالنسبة لسائر المجموعات العرقية والسياسية الأخرى؛ فإنهم سيؤسسون علاقات مع شعوب المنطقة ودولها، وكذلك مع الجهات الفاعلة في العالم. وإن الاستقلال التام قد فقد معناه بالكامل باضطرار الدولة القومية إلى تحويل جزء من سيادتها إلى الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين. ولن يكون الأكراد مستقلين بشكل كامل في عالم كهذا، فقد بقي هذا في الماضي. والمهم هنا هو ألا تكون نصف مستعمرة وألا يسمح لنشوب صراعات جديدة في أثناء البحث عن شركاء. ونظريًا يمكن للأكراد اختيار واحد من الخيارات التالية:
1- فكرة الاستقلال التام وكردستان الموحَّدة.
2- التحالف مع القوى العالمية ضد دول المنطقة.
3- إقامة الدولة بالتعاون مع دولة من دول المنطقة.
4- تأسيس تكامل جديد وكبير مع دول المنطقة، وتولي دور فاعل داخل الاتحاد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الاتحاد الذي ذكرناه في الخيار الرابع هو طريق المصلحة لشعوب المنطقة كافة، لا سيما في هذا الزمان الذي تتغيّر فيه الخرائط السياسية والبشرية. ويجب أن نحيا جميعًا جنبًا إلى جنب إخوةً تحكمنا القوانين والحقوق. [/box][/one_third]أوضحنا أن الخيار الأول، الذي هو الاستقلال التام، يعتبر مستحيلًا تقريبًا. وأما الخيار الثاني فهو يحتّم الأخذ بعين الاعتبار الصراع مع شعوب المنطقة على المديين المتوسط والبعيد، حتى وإن كانت الأنظمة في موضع المتعاون. وبينما أقول “شعوب المنطقة” فأنا أضيف إليهم أيضًا مراكز الأكراد الاجتماعية التي بقيت خارج النخب الحاكمة. ولهذا السبب فإن هذا الخيار لن يجلب السعادة والطمأنينة إلى الأكراد أو شعوب المنطقة على حد سواء. فيما يُعتَبر المثقفون المحافظون والسياسيون الاتحاديون في تركيا هم أكثر الأشخاص المتحدثين عن الخيار الثالث الذي يقول “العيش عبر التعاون مع دولة من دول المنطقة”. فهؤلاء الأشخاص يرون أن دولة كردية ستؤسَّس عاجلًا أم آجلًا، ويطالبون بأن تتولى تركيا قيادتها. يقولون لتكنْ كردستان الكبرى، التي ستضمّ أولًا القسمين (العراقي والسوري)، ثم الثالث (الإيراني) وربما الرابع (التركي) في نهاية المطاف، تحت حماية تركيا، كما هو الحال بالنسبة لقبرص التي تبعد عن الأراضي التركية.
لقد وُضع أساس هذه الإستراتيجية السياسية عام 1974. وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وبدأ الصراع المسلح عام 1984. وقد شجع الرئيس التركي الراحل “تورغوت أوزال” هذه الوتيرة في أوائل التسعينيات. ومن ثم تطورت الأحداث بشكل دقيق حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من أن السلطة الحاكمة في تركيا حاليًّا تتجّه نحو هذا الفكر.
أنا من الذين يعتقدون أن الحالة القديمة -والتي لازالت قائمة إلى حد الآن- “محالة” بالنسبة للأكراد، هذا الشعب الأصلي المظلوم في منطقة الشرق الأوسط مثل العديد من الكيانات الأخرى. وقلتها مرارًا وتكرارًا: إن حق الأكراد متساوٍ مع حقوق العرب والأتراك والإيرانيين في المنطقة. وهم يعتبرون أن ما يراه الآخرون حقًا يستحقه أقوامهم ومجموعاتهم العرقية، هو كذلك حق لأنفسهم يستحقونه هم أيضًا.
غير أن الخيار الثالث لن يجلب السعادة والطمأنينة لا إلى الأتراك ولا إلى الأكراد، حيث إنه خيار يستند إلى آبار النفط والحسابات القومية الإستراتيجية. ذلك أن سائر دول المنطقة لن ترضى بذلك. كما أن القوى العالمية لن ترغب في إعطائهم الفرصة لتحقيق ذلك. وإن جشع النفط وحساب المصالح القومية على المدى البعيد سيتسبب في شيوع خصومة وعداوة ستدوم لقرون ليس بين الدول والحكومات فحسب، بل في الوقت نفسه بين الشعوب المسلمة.
إن الاتحاد الذي ذكرناه في الخيار الرابع هو طريق المصلحة لشعوب المنطقة كافة، لا سيما في هذا الزمان الذي تتغيّر فيه الخرائط السياسية والبشرية. ويجب أن نحيا جميعًا جنبًا إلى جنب إخوةً تحكمنا القوانين والحقوق.
ــــــــــــــــ
جريدة زمان التركية