شاهين ألباي
كنت واحدا من أوائلِ مَن لفتوا الأنظار إلى التشابه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان. وكنت قد نشرت بتاريخ 8 فبراير/ شباط 2011 مقالتي بعنوان “هل يريد أردوغان أن يصبح مثل بوتن؟” حيث نُشرت قبل وقت طويل من الانتخابات العامة الأخيرة. وازداد التشابه بينهما وضوحاً بعد الانتخابات.
وكانت صحيفة” ذي جارديان” البريطانية نشرت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول مقارنة عجيبة جدا بين بوتن وأردوغان، وذلك في مقال كتبته “نتالي نوجايريد”. ويمكن أن نلخص الحجج الأساسية في هذه المقارنة فيما يلي:
ثمة رجلان عصبيان يحكمان دولتين قويتين على الحدود الشرقية لأوروبا. وهما مغروران ويصرخان على الدوام، ولا يمكن غضّ الطرف عنهما، وبينهما خصائص مشتركة عديدة. فكلاهما يناهز الستين من العمر. وكلاهما في السلطة منذ وقت طويل (بوتين منذ 1999 وأردوغان منذ 2002). وكل منهما يدعي أنه أبو شعبه. وكل منهما يمزج في خطابه بين القومية والتيار المحافظ المناهض لليبرالية. وكلاهما يسيطر على القوة السياسية ويضغط على المعارضة ويحد من حرية الصحافة ويراقب شبكة الإنترنت ويجعل سلك القضاء تابعا له ويتلاعب بالدين. فأردوغان يرى نفسه حامي السنة في الشرق الأوسط، وبوتين يستخدم الكنيسة الأرثوذكسية لتأجيج المشاعر القومية وفرض النفوذ الروسي على الدول السلافية. فكل منها في صدد ترميم التفاخر القومي.
ولا يكاد يمر أسبوع حتى ينتقدان أمريكا وأوروبا. لكن العلاقة لم تسُؤْ بينهما وبين الغرب على الدوام. فقد تحالف بوتين مع جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. في حين عرضت أمريكا الشراكة الاستراتيجية على روسيا. وقد ظهر أردوغان في بداية حكمه كمصلح يريد العمل على تقريب دولته من الدول الأوربية. وقد لمع نجم تركيا في بدايات الربيع العربي بأنها دولة علمانية نموذجية تستطيع التأليف بين الإسلام والديمقراطية. ولكن خلال مدة قصيرة أدار الاتحاد الأوروبي ظهره لأردوغان. ويرى بوتن أن مصالح روسيا الاستراتيجية لم يضعها حلف شمال الأطلسي (ناتو) ولا الاتحاد الأوروبي في حسبانهما. وكلاهما (أردوغان وبوتن) يدعي أنه خُدع من قبل الغرب.
وكذلك من أهم الخصائص المشتركة بينهما أن أفكار كل منهما حافلة بنظريات المؤامرة. وهما يربطان المعارضة المتزايدة بأجندات الدول الغربية. وتعرض كلاهما للاحتجاجات الشعبية في السنوات الأخيرة. حيث واجه بوتن في 2011 -2012 احتجاجات” بالوتايا” كما واجه أردوغان احتجاجات حديقة جيزي في 2013. وكلاهما استتر خلف موجات التيار القومي تفاديا للاحتجاجات. وكلاهما وجد في توجيه الخطابات المناهضة للغرب وسيلة سهلة للاستفادة.
وعلى الرغم من كل هذا التشابه إلا أن هناك فروقاً بينهما. فهما مختلفان تماما في الشأن السوري. فحين كان أردوغان يسعى إلى تغيير النظام في دمشق كان بوتن في الاتجاه المعاكس من ذلك. وإن روسيا تمتلك الغاز الطبيعي بالإضافة إلى السلاح النووي. ويرى بوتن أن ضمان الناتو لحماية تركيا يشكل تهديدا بالنسبة له. أما أردوغان فيختلف عن بوتن في أنه لا يهدد الغرب، فهو يندد بصوت عال فقط”. وتنتهي المقالة بالجملة الآتية: “إن أحد هذين الرجلين العصبيين يُدار بشكل أسهل مما يدار به الآخر. ويمكن أن يكون الانتباه لهذا الأمر مفيداً عند تحديد السياسة المستقبلية للغرب وأوروبا”.
وثمة أمور نود إضافتها إلى هذا التحليل المنطقي. فالفارق بين بوتن وأردوغان ليس نظرتهما للأزمة السورية. أردوغان التزم الصمت إزاء ضم روسيا للقرم، بسبب ازدياد العلاقات الاقتصادية بينهما، حيث إن تركيا تؤمّن 60% من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه من روسيا (علماً بأنها تؤمن 20% من ذلك من إيران المدافعة الأخرى عن بشار الأسد). وإن أردوغان يؤسس لبوتن مركزاً نووياً تعود ملكيته إلى روسيا، وتتحمل تركيا جميع المخاطر المحتملة لهذا المركز النووي غير المجرّب من قبل. وبذلك يزيد أردوغان من التبعية لروسيا في موضوع الطاقة. يردّد أحد نواب رئيس الوزراء التركي القول بأنه لا يمكن تحقيق التنمية بدون سيادة القانون. وليس هناك من يؤسس هذه الرابطة من الإدارة الروسية. ولاتوجد فروق حقيقية بين بوتن وأردوغان من حيث ما يوجه إليهما من ادعاءات الفساد والمحسوبية.
فبوتن كان مسؤولا في المخابرات السوفيتية سابقا، وحسب التقاليد المتبقية فهو يملك السيطرة المتحيزة على القوات المسلحة. أي إن السلطة العسكرية والسلطة المدنية في روسيا تحملان الرؤية ذاتها (القومية الروسية). أما أردوغان فليست لديه هذه الميزة. فالجيش قومي علماني، أما رؤية أردوغان فهي قومية إسلامية سنية. صحيح أن أردوغان يبدو مسيطراً على الجيش والقوات المسلحة ولكن المحاولات الانقلابية العسكرية في تركيا استمرت حتى 2007. ولايزال هناك المخاوف من حدوث انقلاب عسكري في البلاد.
كان الاتحاد السوفيتي دولة عسكرية من الطراز الأول. وقد ورثت روسيا هذا الجيش عن الاتحاد السوفيتي. فهي لاتملك فقط السلاح النووي بل تحدِّث قوتها التقليدية دوما. وهي من خلال هذه القوة تغلبت على الشيشان وعلى جورجيا في أبخازيا، واحتلت القرم من أوكرانيا، وهي في طريقها لاحتلال شرق أوكرانيا أيضًا. وإنه لمن المشكوك فيه أن تتمكن القوات المسلحة التركية الدخول في مغامرة تستخدم فيها القوة خارج الحدود التركية. ولذلك فإن أردوغان يحتاج إلى خلق أعداء في الداخل لا في الخارج، وإلى المصالحة مع حزب العمال الكردستاني من أجل كسب تأييد الأكراد المتدينين واستمرار بقائه في السلطة. وإن بوتين يحظى بنظام رئاسي روسي ممتاز ومستمر، أما أردوغان فيتصرف وكأن النظام الرئاسي التركي الذي يحلم به موجود مع أنه غير موجود أصلا. فتركيا تتمتع بماض طويل ذي أحزاب متعددة بالمقارنة مع روسيا. وإن المجتمع المدني في تركيا أقوى منه في روسيا.
وأخيراً يمكن القول إن المشاكل الاقتصادية التي يواجهها بوتن جراء انخفاض سعر برميل النفط من 110 دولار إلى 80 دولار، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الدول الغربية لثنيها عن التدخل في السياسة الأوكرانية أكثر جدية من التي يواجهها أردوغان.