تقرير: حمزة قدير أوغلو
برلين (زمان التركية)- هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقاء تليفزيوني أذيع ليلة أمس السبت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلا إنه “لن يلتقي شخصية مثل السيسي” على حد تعبيره.
واشترط أردوغان إطلاق سراح جميع المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين من أجل إعادة العلاقات بين البلدين، زاعمًا ان هناك مساعي للوساطة وقبوله بعقد لقاء مع الرئيس المصري، مشددا على أنه لن يقبل هذه الوساطة.
وعلى الرغم من عدم إعلان الرئيس أردوغان جهة الوساطة إلا أن بعض المحللين يرون أن حزب الوطن التركي بقيادة دوغو برينتشاك قد يكون هو الذي يحاول التوسط في إعادة علاقات بين تركيا ومصر.
هذا وشدد برينتشاك في عدد من المناسبات أنه يرغب في إعادة علاقات الحكومة التركية مع الرئيس السوري بشار الأسد والحكومة المصرية.
وقال برينتشاك إنه لا يمكن اكتساب تركيا قوة إقليمية إلا إذا أعادت علاقتها مع سوريا ومصر في المنطقة.
هناك مقولة شهيرة في اللغة التركية تقول “لماذا قبلني صهري بدون مناسبة عيد أو فرح” في إشارة إلى غرابة التقبيل دون داع.
إذن لماذا قال الرئيس أردوغان إنه لا يمكن أن يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وخصوصا أنه ليس هناك طلب رسمي من الحكومة المصرية للقاء؟
أولا: جاءت تصريحات أردوغان لخفض حدة غضب جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا بعد انزعاجهم من تسليم شاب إخواني إلى مصر.
وقال أردوغان: “قبل كل شيء يجب على السيسي أن يقوم بإطلاق جميع المعتقلين من خلال إصدار عفو عام. ولا يمكن أن ألتقي السيسي ما لم يتحقق ذلك العفو”.
وكانت تركيا سلمت السلطات المصرية الشهر الماضي أحد عناصر الإخوان المتهمين بقضية اغتيال النائب العام ويدعى محمد عبد الحفيظ، وهو كان من ضمن المحكوم عليهم غيابيا بالإعدام، وأثار تسليمه عضب شباب الإخوان، ما اضطر تركيا لإعلان التحقيق في ملابسات ترحيله، مع توقيف عدد من أفراد الشرطة الذين شاركوا في عملية الترحيل.
ثانيا: يسعى أردوغان لكسب مزيد من الأصوات “الإسلامية” في الشارع التركي قبيل الانتخابات المحلية التي ستشهدها تركيا في نهاية مارس القادم، في ظل تقارير حول الانتخابات تشير إلى انخفاض الأصوات المؤيدة لحزبه.
ويحاول أردوغان من خلال هذه التصريحات توجيه اهتمام الشعب التركي المركز حاليها على طوابير الخضروات والفواكه في منافذ التنظيم التابعة للبلديات، إلى قضايا أخرى، وذلك للحفاظ على الصورة التي يروجها أردوغان دائمًا زاعمًا أن تركيا من أقوى عشرة الدول اقتصاديا حول العالم.
وعلى الرغم من حديث الرئيس أردوغان عن قوة اقتصاد بلاده وغيرة الدول الغربية من تركيا فإن الأرقام تعكس وضعا مغايرا لهذا، ففي الوقت الذي يبلغ فيه الفائض الحالي لتركيا 27 مليار دولار يبلغ عجز الميزانية في تركيا 12 مليار دولار.
وتبلغ معدلات التضخم في تركيا 20.3 في المئة، بينما تبلغ البطالة في تركيا 12.3 في المئة.
وأما مصر فتسعي في الآونة الأخيرة أنها تحاول بخطوات راسخة تقوية اقتصادها بمشروعات تجذب انتباه العالم.
ثالثا: نجاحات مصر بقيادة السيسي على الصعيدين الإقليمي والدولي في شتى المجالات، وعلى رأسها الاقتصاد، قد أغضبت الرئيس التركي وخاصة دخول مصر في صفقات تنقيب الغاز في الشرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى الدور الحواري والحضاري الذي يلعبه الأزهر الشريف برئاسة شيخه أحمد الطيب.
وفي هذا الإطار أكدت المديرة الإدارية للبنك الدولي كريستالينا جيروجيفا، أن الاجتماع الأخير للرئيس السيسي مع رئيس البنك الدولي كان ناجحًا للغاية، مشيرة إلى أن الرئيس يقود مصر لتحقيق نجاحات اقتصادية نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها مصر وساهم البنك في دعمها.
السيسي يُحقق نجاحات كبيرة في أفريقيا
وقالت مفوضة الشؤون السياسية بالاتحاد الأفريقي ميناتا ساميتى سيسوما، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيعمل على تحقيق نجاحات كبيرة في القارة الإفريقية، أهمها منع حدوث الصراعات.
وأضافت خلال لقاء خاص لها ببرنامج اليوم على قناة (DMC)، أنه من المهم للاتحاد أن تكون مصر رئيسا له لأنها بلد كبير وذو ثقل في العالم.
وأشارت إلى أنه يتم العمل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي على تحقيق أهداف الاتحاد الأفريقي لخدمة مصالح القارة.
وعلى الصعيدين العربي والدولي نجد هناك نجاح الدبلوماسية المصرية والذي ساهم في انعقاد القمة العربية الأوروبية حاليا بمدينة شرم الشيخ.
والرئيس عبد الفتاح السيسي لفت في وقت سابق انتباه العالم لمشكلة الإرهاب وأن العالم بحاجة للعلاج من خلال التقارب في وجهات النظر والحرب عليه وتحقيق التنمية المستدامة.
ويتفق المحللون على أن مصر بقواها السياسية والمدنية تلعب دورًا هامًا في دعم جهود إحلال السلام في الدول المجاورة ومكافحة الإرهاب في الداخل والخارج، كما اتخذت مصر على مدار السنوات الماضية جهودا جادة في مختلف المجلات للحد من الأزمات البيئية التي تتعرض لها الدولة، خاصة في ظل التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية، حتى إنها باتت تعرض تجاربها الناجحة للدول على أمل الاستفادة منها.
https://twitter.com/anteelamokom/status/1099608385991991296
ومؤخرًا عرضت عرضت مصر في تونس تجربتها في «حماية الشواطئ من التآكل»، أمام الملتقى العربي الأفريقي، حيث تحدث الدكتور أحمد على بدوي رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، عن جهود الدولة المتواصلة لحماية الشواطئ من منظور الإدارة المتكاملة.
ويأتي التحرك المصري بحسب رئيس قسم الزلازل في ظل التوجه العالمي الذي يربط بين الحد من مخاطر الكوارث والتنمية المستدامة.
وأشار إلى أن مصر سباقة في إعداد إستراتيجية وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، والحد من مخاطر الكوارث التي تم إطلاقها عام 2012، ومواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر المتوسط إلى متر ونصف متر، بجانب دراسة وتحديد الأماكن التي تحتاج تدخلات لحمايتها.
واتخذت مصر أطرًا تشريعية للتعامل مع الشواطئ، تمثلت في 9 قوانين وقرارات وزارية و5 استراتيجيات، كذلك إطار مؤسسي معني بحماية الشواطئ المصرية بمشاركة 8 وزارات بجانب جهاز شئون حماية البيئة.
وفي شهر يناير الماضي أعلن وزراء طاقة في 7 دول، إنشاء منتدى باسم “منتدى غاز شرق المتوسط”، على أن يكون مقره العاصمة المصرية، القاهرة، في محاولة للاستفادة من المنطقة الغنية بالطاقة، ولاسيما الغاز.
وقالت وزارة البترول المصرية في بيان إن أهداف المنتدى الجديد هي العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، على ما أوردت وكالة “رويترز”.
وأضافت الوزارة، في بيان صحفي، أن وزراء الطاقة المجتمعين يتألفون من مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.
ويأتي إنشاء المنتدى في إطار سعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة.
ومن العوامل المؤهلة لمصر لتحقيق هدفها كمركز للغاز الطبيعي: البنية التحتية الهائلة وسوق الاستهلاك الكبير، ما يجعل أي مشروع لتطوير إنتاج الغاز الطبيعي مجديا اقتصاديا.
وقدَّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2010 احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج.
وفي وقت تبرم مصر اتفاقات الناجحة في الشرق المتوسط نجد تركيا توجه انتقادات إلى مصر وقيادتها وترسل عددا من السفن للتنقيب بمفردها.
أردوغان يقود تركيا من نموذج تركي إلى نموذج استبدادي
عرف الكاتب المصري أحمد كمال النموذج التركى لدى البعض بأنه يتلخص فى دولة تعددية استطاعت دمج الإسلاميين فى النظام السياسى، وتبنت خيار الحرية الاقتصادية في إطار النظام الرأسمالي واستطاعت من خلاله تحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية.
كما تبنت أيضا خيار توثيق العلاقة مع الغرب كتوجه لسياستها الخارجية وانطلاقا من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلنطى الذى تقوده الولايات المتحدة.
وقال الكاتب: “الآن انتهى تماما الحديث عن النموذج التركي، خاصة فى وسائل الإعلام الغربية التى كثيرا ما روجت له، وبدلا من الحديث عن ديمقراطية الدولة التركية أصبح الحديث عن ديكتاتورية الرئيس التركى أردوغان”.
صحيح أن النموذج التركي الذي كان يتحدث عنه الكثيرون سواء في الإعلام الغربي والعربي والإسلامي قبل عام 2011 تحول الآن وخاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا عام 2016 والذي اعتقل بعده مئات الآلاف بتهمة الإرهاب والانتماء إلى جماعة إرهابية.
الأرقام المخيفة
بينما يتحدث الجميع قبل عام 2011 عن النموذج التركي وتوسيع نطاق الحريات والصحافة والسعي لقوة من بين عشرة القوة الاقتصادية حول العالم باتت تركيا الآن في عيون العالم “مع الأسف الشديد” دولة استبدادية تعتقل كل من يتفوه بكلمة معارضة ضد رئيس البلاد.
وفي شهر حزيران/ يوليو الماضي وحده شهد عزل أكثر من 18 ألف موظف نصفهم من رجال الشرطة، وأقيل حوالي 1000 موظف في وزارة العدل و650 آخر في وزارة التعليم.
وحسب تقرير للجنة حماية الصحافيين من مقرها في نيويورك، فإن أكثر من نصف الصحافيين المسجونين في العالم موجودون في تركيا.
منذ محاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016، طالت الاعتقالات صحافيين ومدنيين وعسكريين وحقوقيين، وصل عددهم حتى الآن إلى أكثر من 160 ألفا وفقا لآخر الإحصاءات التي قدمتها منظمات دولية.
وتشير تلك الإحصاءات إلى إقالة 160 آلف موظف من عسكريين ومعلمين وأطباء وأكاديميين وموظفين حكوميين ومحليين.
وأغلقت السلطات التركية أكثر من 2200 مؤسسة تعليمية خاصة و19 اتحادا عماليا و15 جامعة ونحو 150 وسيلة إعلام.
وكان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد دعا تركيا إلى “مراجعة وإلغاء كافة التشريعات التي لا تتماشى مع التزاماتها بالقانون الدولي؛ وإبطال الحظر المفروض على الموظفين المدنيين المقالين من الانضمام إلى الخدمة العامة، والحق في الحصول على التعويض، والإفراج الفوري عن الصحفيين، والكتّاب، والقضاة، والأكاديميين المحتجزين بناء على تشريعات مكافحة الإرهاب ومراسيم الطوارئ”.
والرئيس أردوغان بينما ينتقد إعدام 9 من شباب الإخوان الذين خضعوا لمحاكمة دامت سنوات ثم ثبتت جريمتهم لدى السلطات القضائية ينسى السجون التركية التي تمتلئ بالمعتقلين السياسيين، من بينهم الرئيس السابق لحزب الشعوب الديموقراطي الكردي صلاح الدين دميرطاش وعدد من البرلمانيين المعارضين لسياسته فضلا عن عشرات الآلاف من المعتقلين المدنيين، بينهم 17 ألف سيدة وأكثر من 600 طفل اعتقلوا بتهمة الانقلاب.
كما أن الحقوقيين في تركيا يشتكون من سجن آلاف منذ أكثر من ثلاث سنوات دون وجود حتى مذكرة اتهام بحقهم.