لندن (زمان التركية)ــ تناول تقرير صحفي، معلومات كشفها الصحفي التركي عبد الله بوزكورت الذي عمل سابقًا في صحيفة (زمان) حول “مئات التسجيلات السرية التي تم الحصول عليها من مصادر خاصة في العاصمة التركية أنقرة تكشف كيف أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان مكنت – بل وسهلت – حركة المقاتلين الأجانب والأتراك عبر الحدود التركية إلى سوريا للقتال إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي” وفق ما جاء في دورية التحقيقات الصادرة من مركز ستوكهولم للحرية.
وبحسب تقرير لموقع (العربية. نت) تشير الوثائق السرية، التي كشف عنها بوزكورت ونشرتها “كاليفورنيا كورييرThe California Courier ” إلى “وجود اتفاق ضمني بين “داعش” ومسؤولين أمنيين أتراك بموجبه تم السماح للمهربين بالعمل في حرية على جانبي مسافة بلغت 822 كيلومترا من الحدود التركية-السورية دون أي تداعيات من جانب حكومة أردوغان. كما أتاح الاتفاق لداعش تشغيل خطوط إمداد لوجستية عبر الحدود ونقل المقاتلين الجرحى إلى تركيا لتلقي العلاج الطبي.
وتفضح التسريبات الصوتية أن القائم على تنفيذ عمليات تهريب “داعش” سيئة السمعة شخص تركي الجنسية، يبلغ من العمر 36 سنة، هو إلهامي بالي.
تنظيم حركة مرور المقاتلين
قام إلهامي بالي، الذي يحمل الاسم الحركي “أبوبكر”، بتيسير وتنظيم “حركة مرور أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب والمحليين ذهابا وإيابا على طول الحدود التركية السورية. ونقل أبوبكر أيضاً السلع عبر الحدود إلى “داعش”، بدءا من الأحذية والملابس إلى الأصفاد، وأجزاء من الدرون والنظارات المكبرة والخيام وجهاز عرض “بروجيكتور” وحتى قارب.
وعلاوة على ذلك، تظهر التسريبات الصوتية للمكالمات الهاتفية أن الحكومة التركية كانت تعرف أسماء ومواقع 33 مواطناً تركياً تعهدوا بالعمل كسائقين في “شبكة التهريب التابعة لداعش”.
ووفقاً لعرائض الاتهام، التي قدمها ممثلو الادعاء العام التركي، “فإن أبوبكر (إلهامي بالي) المتهم بأنه العقل المدبر لـ3 هجمات إرهابية قاتلة عام 2015 في العاصمة التركية أنقرة، والتي أودت بحياة 142 شخصاً. وبعد مرور عام، أصدرت محكمة جنائية أمرا آخر باعتقال أبوبكر بسبب دوره المزعوم في هجوم انتحاري – وهو الأكثر دموية في تاريخ تركيا – في 10 أكتوبر 2015 في أنقرة، والذي أسفر عن مقتل 105 مدنيين، من بينهم الانتحاريان، عندما استهدفت عناصر “داعش” المنظمات غير الحكومية وأنصار الأحزاب اليسارية والموالية للأكراد، الذين كانوا يحتشدون في مسيرة سلمية خارج محطة القطار الرئيسية بالمدينة، قبل أسابيع من موعد الانتخابات الموجزة في الأول من نوفمبر 2015″، حسبما ذكر بوزكورت.
وعلى الرغم من أن السلطات التركية كانت على علم بموقع أبوبكر بالضبط وأن المحاكم التركية أصدرت عدة مذكرات توقيف ضده، فإن حكومة أردوغان سمحت له بالتجول بحرية بين تركيا وسوريا.
خط “داعش” الساخن
وأشارت تسريبات المكالمات الهاتفية أيضاً إلى أن تنظيم “داعش” كان يتمتع بخط ساخن بين الإرهابيين في سوريا وتركيا. كما راقب أبوبكر المكالمات الهاتفية ونظم نقل المسلحين من تركيا إلى سوريا.
وفي أحد التسريبات الصوتية، قال أحد المتشددين الجورجيين، ويدعى لاشا ناديراشفيلي، لأبوبكر إن 4 “جهاديين ينتظرون سيارة نصف نقل في مركز تجاري في مدينة غازي عنتاب”، التي تبعد نحو الساعة بالسيارة من الحدود السورية. وأخطر أبوبكر الإرهابيين بمكان الاجتماع المحدد حيث كان سيقابلهم ويساعدهم على عبور الحدود.
وفي تسريب صوتي آخر، قال أحد الإرهابيين الروس، أوليكسندر بوششوك، لأبوبكر إن “11 جهاديا في غازي عنتاب ينتظرون أن يتم نقلهم عبر الحدود”.
وتظهر التسجيلات الصوتية المسربة أبوبكر أثناء مكالمة هاتفية يقدم فيها تقريرا إلى “داعش” حول عدد الإرهابيين الذين ساعدهم على العبور بشكل غير شرعي إلى سوريا، يقول فيها: “في المتوسط ، في يوم واحد في نقطة عبور واحدة، يقوم تنظيم داعش بتهريب ما بين 50 إلى أكثر من 100 مسلح عبر الحدود التركية السورية”. ويقول بوزكورت: “إن هذا العدد يرفع التقديرات السنوية إلى تهريب أكثر من 15,000 شخص عبر الحدود”.
توفير العلاج الطبي للدواعش
وقدم أبوبكر خدمة أخرى هامة للإرهابيين وهي توفير العلاج الطبي في مستشفى M.I.S. Danismanlik في أنقرة. وكشف أحد تسجيلات المكالمات الهاتفية لمحادثة بين أبوبكر وسافاس دوغرو، مالك مستشفى M.I.S. Danismanlik، تتعلق بدفع مبلغ 62,000 دولار مقابل علاج 16 من مسلحي تنظيم “داعش”. وفي محادثة أخرى، يشتكي دوغرو من وجود فواتير غير مدفوعة بقيمة 150 ألف دولار نظير عمليات جراحية أجريت لإرهابيي داعش المهربين من سوريا.
كما فضحت التسريبات الهاتفية تورط جهاز المخابرات الوطنية التركية MIT أيضاً في مساعدة الإرهابيين على الهروب من الشرطة المحلية.
ويعد هاكان فيدان، مدير المخابرات التركية MIT، أحد المقربين من الرئيس أردوغان، وعندما أعلن أحد المراسلين في عام 2014 أنه تم إلقاء القبض على ضباط تابعين لـMIT في شاحنات محملة بالسلاح في طريقها للتهريب إلى الإرهابيين في سوريا، سارعت الحكومة التركية إلى الإفراج عن ضباط المخابرات واتهمت المراسل الذي أفشى أخبار الأسلحة المهربة بالخيانة.
وفي حوار مسجل بين أبوبكر وجندي تركي، تم إخبار أبوبكر أنه سيحصل على كل ما يحتاجه. واتفق الاثنان على ضمان عدم وجود مواجهة بين “داعش” وحرس الأمن التركي.
ومن المثير للدهشة أن رئيس الوزراء حينها، أحمد داود أوغلو، أعلن على شاشة التلفزيون أن الحكومة لم تتمكن من القبض على المفجرين الانتحاريين قبل تنفيذ هجومهم، على الرغم من أن تركيا كانت لديها تحذيرات مسبقة وقائمة بأسماء الانتحاريين المحتملين.
وعززت هذه التفجيرات الانتحارية من تصنيف حزب أردوغان الحاكم قبل الانتخابات البرلمانية التركية في نوفمبر 2015.
أسئلة بدون أجوبة
واستطرد بوزكورت قائلاً إن هناك أسئلة جدية تتعلق “بالقضايا التي تشمل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة وجماعات مسلحة أخرى، التي (يجري) التحقيق بشأنها وملاحقتها ومحاكمتها في تركيا. ويوضح العدد المنخفض من الإدانات في قضايا داعش كيف أن الحكومة غير راغبة في إصدار أحكام قضائية فعلية ضد عناصر داعش”.
وأشار بوزكورت بشكل واضح إلى أن حكومة أردوغان تقوم بإجراءات صارمة لاعتقال الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والأكاديميين والمعارضين السياسيين الأبرياء، لكنها تتساهل للغاية مع الإرهابيين الحقيقيين، قائلاً: “في حقيقة الأمر، في كثير من القضايا، تم السماح لمعتقلين من أعضاء داعش وتنظيم القاعدة بالخروج فقط مع صفعة خفيفة على الرسغ لا يمكن تفسيرها إلا من خلال التغطية والحماية السياسية، التي توفرها الحكومة لهم”.
وبحسب بوزكورت، يتعين على الدول الأوروبية والولايات المتحدة اتخاذ إجراءات قوية للحد من دعم أردوغان للإرهابيين في سوريا. ومن الغريب أن تركيا كعضو في حلف الناتو تساعد وتسلح الإرهابيين، الذين ارتكبوا جرائم قتل في العديد من دول الناتو الأخرى.
ويقول بوزكورت إنه لا يمكن السماح باستمرار هذا الأمر، خاصة أن الرئيس دونالد ترمب أعلن عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، بحجة أن الجيش التركي سيواصل القتال ضد “داعش” وهو قرار خطير وسيطلق يد الحكومة التركية بحرية لتعزز الإرهابيين في سوريا وفي غيرها من المواقع.