بقلم: محمد كاميش
نشرت وسائل الإعلام التركية قبل يومين صور نساء مسنّات يجمعن مخلفات الفحم الناجمة عن حفر المنجم الذي يحاصر بداخله 18 عاملًا في بلدة أرمنك التابعة لمحافظة كارامان، الواقعة في جنوب غرب تركيا، منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كلما شهدنا واقعة أو حادثة في تركيا، نتيقن أن مدن الأناضول وقراها تعاني فقرًا مدْقعًا، فالثراء غير الحقيقي الذي نراه في تركيا لا يظهر إلا في مناطق محددة في المدن الكبرى، وللأسف فنحن لا ننظر إلا إلى هذه المناطق فقط ولا نرى الصورة كاملةً، الواقع أنه لايمكن رؤية الثراء في تركيا إلا في مناطق معينة وطبقات عليا فقط مثل زبد البحر الذي يظهر على السطح دون أعماق البحر.[/box][/one_third]لقد حوصر أبناء هؤلاء النساء المسنّات وأحفادهن في منجم يقع على عمق مئات الأمتار تحت سطح الأرض وهم يعملون في ظل ظروف بدائية في سبيل توفير لقمة العيش، أما هؤلاء النسوة فأخذن ينظفن نفايات الفحم لاستخدامها في التدفئة في فصل الشتاء الذي اقترب؛ إذ إن هذا الفحم، الذي لا تساوي قيمته قيمة أرخص صمام من صمامات السيارات الرسمية الفاخرة، يعني بالنسبة لهؤلاء النساء العيش في دفء في فصل الشتاء قارس البرودة.
كلما شهدنا واقعة أو حادثة في تركيا، نتيقن أن مدن الأناضول وقراها تعاني فقرًا مدْقعًا، فالثراء غير الحقيقي الذي نراه في تركيا لا يظهر إلا في مناطق محددة في المدن الكبرى، وللأسف فنحن لا ننظر إلا إلى هذه المناطق فقط ولا نرى الصورة كاملةً، الواقع أنه لايمكن رؤية الثراء في تركيا إلا في مناطق معينة وطبقات عليا فقط مثل زبد البحر الذي يظهر على السطح دون أعماق البحر.
إقامة المشاريع الإنشائية في أكثر مناطق إسطنبول خضرةً، والتي يوجد من يشتري المتر الواحد في تلك المناطق بآلاف الدولارات، لايزيل مشهدَ النساء المسنّات اللاتي يجمعن مخلفات الفحم. وللأسف، فنحن ننتظر وقوع حادثة أخرى حتى ندرك وجود ملايين البشر الذين يحتاجون إلى الفحم لكنهم لم ينجحوا في الدخول إلى نطاق عدسات كاميرات الإعلام. فالأغنياء في تركيا يزدادون ثراءً على ثرائهم في ظل التوازنات الاقتصادية المختلة، أما الفقراء فتجري السيطرة عليهم من خلال تقديم مساعدات قليلة إليهم حتى يحافظ حزب العدالة والتنمية على بقائه في سدة الحكم، الأمر الذي يجعل الواحد منا يفكر بأنهم يقولون: “أساعدكم بالقليل من المال، فيجب عليكم أن تعطوني أصواتكم في الانتخابات، وإن لم تعطوني أصواتكم، فلن تحصلوا على المزيد من المساعدات” ،ولا يطرح أحد هذا السؤال: “ألم تكن المهمة الأساسية لحزب العدالة والتنمية على مدار فترة حكمه المستمرة منذ 12 عامًا أن يقضي على الفقر واختلال التوازن بين طبقات المجتمع؟”.
وبدلًا عن أن نتساءل عن أسس التوزيع العادل للدخل القومي في تركيا، نتحدث عن أن نصيب الفرد من الدخل القومي يبلغ 10 آلاف دولار، ذلك أن معظم الشعب التركي لايصل إلى هذا المعدل من الدخل السنوي على الإطلاق، ففي الوقت الذي يحصل فيه كل فرد من النخبة على دخل سنوي يبلغ مئات الآلاف من الدولارات، تجد أن هذا الدخل لا يتخطى بضعة آلاف من الدولارات في مدن الأناضول والأحياء الهامشية في المدن الكبرى.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن إقامة المسؤولين في تركيا في قصور فخمة وشراءهم الدائم للسيارات الرسمية الفارهة، يدل على أنهم لم يأخذوا الدين على محمل الجد إلا من الناحية الشكلية، خصوصًا وأنهم استغلوه في دعايتهم السياسية للوصول إلى مآربهم، وأصبح من الواضح عيانًا بيانًا أنهم لم يهتموا بالقضاء على فقر الفقراء، بل أولوا اهتمامهم بالأصوات الانتخابية لهذه الفئة المعدمة عن طريق جعلهم محتاجين إليهم على الدوام.[/box][/one_third]يتبنّى حزب العدالة والتنمية سياسة “إعطاء القليل من السمك إلى الفقراء بدلًا من تدريبهم على الصيد” ،ولا شك في أنه يتحمّل المسؤولية الأكبر عن هذا الفقر، وكلنا نعرف أن السياسة تهوى أن يظل الناس محتاجين إلى الحكومة عن طريق توزيع احتياجاتهم الأساسية من فحم ومواد غذائية عليهم بدلًا من ضمان العدالة في توزيع الدخل والعمل على زيادة موارد المناطق الفقيرة.
يعيش في تركيا في الوقت الحالي ملايين الأشخاص من الذين يعتبرون في أمسّ الحاجة إلى نفايات الفحم التي تستخرج من القمامة، ولا يمكن توضيح سبب إنفاق نحو تريليوني ليرة لبناء قصر رئاسي جديد يتميز بالفخامة في وقت ليس هناك حاجة إليه أصلًا، أضف إلى ذلك أن تركيا أصبحت معزولة على المستوى الدولي، كما تخلّت عنها قطر التي تعتبر حليفتها الوحيدة في الشرق الأوسط، وأغلقت الولايات المتحدة وأوروبا أبوابها في وجهها، الأمر الذي يجعل من المضحك أن نتحدث في الوقت الراهن عن رؤية تركيا وما إلى ذلك من العبارات الرنانة.
إن هذا القصر الرئاسي الجديد، الذي لم تنتهِ أعمال بنائه بالرغم من إنفاق تريليون و370 مليون ليرة، أثبت للشعب أن الهدف السياسي لهذا الحزب ليس القضاءَ على الفقر وضمانَ عدالة توزيع الدخل وإنهاءَ موجة الفقر التي يعاني منها سكان الأناضول منذ قرون، بل إعداد مستقبل باهر لأنفسهم وأبنائهم!
يعرف الجميع أن هناك نخبة في تركيا يبلغ نصيبها السنوي من الدخل القومي مئات الآلاف بل ملايين الدولارات، فهل كانت كل هذه المساعي المبذولة من أجل أن تنفق هذه الفئة التي أصبحت فاحشة بأموال الدولة خلال يوم واحد أو قُل في وجبة واحدة ما ينفقه عمال المناجم في عام كامل؟
إن إقامة المسؤولين في تركيا في قصور فخمة وشراءهم الدائم للسيارات الرسمية الفارهة، يدل على أنهم لم يأخذوا الدين على محمل الجد إلا من الناحية الشكلية، خصوصًا وأنهم استغلوه في دعايتهم السياسية للوصول إلى مآربهم، وأصبح من الواضح عيانًا بيانًا أنهم لم يهتموا بالقضاء على فقر الفقراء، بل أولوا اهتمامهم بالأصوات الانتخابية لهذه الفئة المعدمة عن طريق جعلهم محتاجين إليهم على الدوام.
صحيفة زمان التركية