نورية أكمان
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “المسلمين هم الذين اكتشفوا القارة الأمريكية، وليس كريستوف كولومبوس”، الأمر الذي جعل الشعب التركي – كالعادة – ينقسم إلى فئتين، ففي ناحية، تجدون مَن شعر بالفخر جرّاء هذه التصريحات الجريئة التي ستغير مجرى التاريخ، وفي الناحية المقابلة تجدون من يستهزئ بهذه التصريحات ويقول “هذا ما كان ينقصنا! أصبحنا أضحوكة العالم من جديد!”. وأما نحن، فلن نأخذ ما سمعناه من هذا أو ذاك على محمل الجد، وسنسير في طريق ثالث مختلف:
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا كان هناك مَن وصل إلى أمريكا قبل كولومبوس، وكان الإسلام هو الدين الذي ينتسب إليه، وأخطأ العالم – عن قصد أو جهل – بإرجاع فضل اكتشاف أمريكا إلى كولومبوس، فإن النقاش حول هذه القضية لايتم إلا في إطار المؤتمرات العلمية، فهل نجح هؤلاء البحارة في تحقيق اكتشافاتهم بالتعاون مع المسلمين؟ أم أنهم وصلوا إلى هذا الشرف الكبير بفضل تقويتهم لشخصياتهم المحبة للمغامرة من خلال المهارات المهنية والمعلومات التكنولوجية التي كانت موجودة عندهم في زمانهم؟[/box][/one_third]تكون المقارنة بين الأشياء المتشابهة من حيث النوع، فلا يمكنك – على سبيل المثال – عقد مقارنة بين اللحم والخضار أو بين التفاح والكمثرى، فكريستوفر كولومبوس اسم شخص، وأما كلمة “مسلم” فهي صفة، ولا يمكنك أن تضع اسمًا وصفة جنبًا إلى جنب في معادلة تستخدم فيها علامة التساوي.
بقي أن نقول إن أردوغان استخدم كلمة “المسلمين”، ووضع كلمة جمع في مواجهة مع كلمة مفردة، الأمر الذي يجعل هذه المعادلة غير متساوية على الإطلاق، ربما يعتبر البعض هذا الأمر انتقادا غريبا أو خياليا، إذن فلنطرح سؤالًا على النحو التالي: هل سمعتم قبل ذلك في حياتكم جملة من قبيل “لقد اكتشف القارة الأمريكية النصارى”؟ وهل ذكرت ديانة أي من الذين اخترعوا المصباح الكهربائي أو دواء البنسلين أو المذياع أو التليفزيون أو القطار البخاري أو الذين قدموا تحليل الجينات DNA لخدمة الإنسانية جمعاء؟ وهل أُعلنت أسماء الفائزين بجائزة نوبل من خلال إعطاء الأولوية لما يعتنقوه من الأديان؟ فبالله عليكم ما هذه النرجسية في إرجاع الابتكارات ونسبتها إلى أديان أصحابها؟
إذا كان هناك مَن وصل إلى أمريكا قبل كولومبوس، وكان الإسلام هو الدين الذي ينتسب إليه، وأخطأ العالم – عن قصد أو جهل – بإرجاع فضل اكتشاف أمريكا إلى كولومبوس، فإن النقاش حول هذه القضية لايتم إلا في إطار المؤتمرات العلمية، فهل نجح هؤلاء البحارة في تحقيق اكتشافاتهم بالتعاون مع المسلمين؟ أم أنهم وصلوا إلى هذا الشرف الكبير بفضل تقويتهم لشخصياتهم المحبة للمغامرة من خلال المهارات المهنية والمعلومات التكنولوجية التي كانت موجودة عندهم في زمانهم؟ من أين لكم أن تعرفوا أن تنفيذ هؤلاء البحارة لوصايا وأحكام أديانهم قد لعب دورا في نجاحهم في تحقيق تلك الاكتشافات؟ وربما كان أولئك البحارة مسلمين من الناحية الثقافية والاجتماعية فقط ولا يعتبرون أنفسهم – بالضرورة – متديّنين.
أرى أن مصطلحات من قبيل “العالم الإسلامي”، “الفن الإسلامي”، “العلماء المسلمون”، تعتبر مصطلحات عمومية واختزالية بشكل كبير. فتجد أنها آلية دفاع طوّرها المسلمون نتيجة شعورهم بالدونية، غير المبررَة، في مواجهة تطور وتفوق الغرب في هذا المجال، حيث ترتكز هذه الآلية على عبارة: “كنا نحن المسلمين متميزين في وقت من الأوقات، ولقد تعلّم الغرب منا كل شيئ”. لم تكن للمسلمين وحدة سياسية وإدارية في أي وقت من الأوقات تشتمل على كل المناطق التي انتشر فيه الدين الإسلامي، فكون العلماء الذين برزوا في سالف العصور في مجالات كعلم الفلك والرياضيات والطب والجغرافيا والكيمياء وغير ذلك، مسلمين كان عنصرًا واحدا فقط من العناصر في سيرتهم، مثل من كان يعتنق الديانة النصرانية أو اليهودية أو حتى البوذية من العلماء الآخرين، وحتى إن كان الإسلام هو الدين الذي اعتنقه هؤلاء العلماء العظماء، فإن المواد الجينية والبيئات الثقافية التي نشأوا فيها، كانت مختلفة تمام الاختلاف عن بعضها البعض.
إن الأديان كافة تطلب من البشر أن ينصهروا ويعيشوا في إطار الأخلاق الحميدة واحترام الحقوق والصداقة، أما التقييم والتقدير فيما إذا كانوا ناجحين في ذلك أم لا أو نسبة نجاحهم، فهو راجع إلى الله، فإظهار العقيدة الدينية لأي عالم ووضع خط تحتها، في الوقت الذي يقدم فيه هذا العالم خدمات جليلة تهدف لإسعاد البشرية، بالارتباط بشخصيته ومستواه الإدراكي، يعتبر محاولة للوصول إلى هدف وتحقيق منفعة من وراء الدين، وإن لم يكن كذلك، فهو يدخل في نطاق التصرفات غير الأخلاقية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الأديان كافة تطلب من البشر أن ينصهروا ويعيشوا في إطار الأخلاق الحميدة واحترام الحقوق والصداقة، أما التقييم والتقدير فيما إذا كانوا ناجحين في ذلك أم لا أو نسبة نجاحهم، فهو راجع إلى الله، فإظهار العقيدة الدينية لأي عالم ووضع خط تحتها، في الوقت الذي يقدم فيه هذا العالم خدمات جليلة تهدف لإسعاد البشرية، بالارتباط بشخصيته ومستواه الإدراكي، يعتبر محاولة للوصول إلى هدف وتحقيق منفعة من وراء الدين، وإن لم يكن كذلك، فهو يدخل في نطاق التصرفات غير الأخلاقية.[/box][/one_third]بقي أن نقول إن الاختراعات والاكتشافات التي ينجح بتحقيقها شخص من الأشخاص، ليست حكرًا أو ملكًا له على الإطلاق، فكل شخص يتعلم أشياء من الدراسات التي كانت قبله، ويضع حجرًا فوق الأحجار الموجودة بالفعل ليعلو صرح الحضارة ويسمو، فليس هناك أي عربات منفصلة في قطار العلم أو الفن أو الفلسفة؛ إذ إن كل هذه الإنجازات تعتبر جزءًا لا يتجزأ من قطار الإنسانية. وأود أن أضيف أن بعض هؤلاء العلماء المسلمين الذين تتفاخرون بهم، قد تعرضوا للظلم تحت حكم الدول الإسلامية. ومن هذا المنطلق فإنهم يشاطرون العلماء “النصارى” المصير نفسه.
إذا كان تاريخ العلوم ينسب بعض النجاحات إلى أناس لم يقوموا بها بالفعل، فيجب – بطبيعة الحال – أن تناقَش هذه القضية من خلال أسبابها. ولا ينبغي لرؤساء الدول إلا أن يشجعوا على تناول هذه القضايا في إطار المناقشات العلمية بدلًا من إطلاق الأحكام بطريقة مباشرة.
دعونا الآن ننتقل للحديث عن تصريحات أردوغان بشأن أن مذكرات كولومبوس تروي أنه رأى جامعًا في كوبا، وأنه – أي أردوغان – يريد أن يبني جامعًا متميزًا على رأس تلك التلال في ذلك البلد، إذا سُمح له بذلك. ولا شك في أن انتشار الرموز الدينية لن يزيد من إسلامنا، ناهيك عن أن المعلومات التي سردها الرئيس التركي كانت خاطئة. وطالما أنكم لم تنشئوا هذه الجوامع داخلكم أولًا، فلن تكونوا إلا مولعين بهذا الأمر إن بنيتم جامعًا في كل مكان بالعالم.
إن ما قام به أردوغان لا يحمل صفة دينية، بل يحمل صفة سياسية، ذلك أنه مؤشر للقوة، فبدلًا عن أن يبني المسلمون جامعًا على تلال كوبا، ألم تكن من الأنسب لهم أن يتغذوا وأن يتزينوا بالأخلاق الحميدة حتى يكونوا بفضائلهم قِبلة العالم، وأما كان ذلك سيجعل أمورهم أكثر سهولة؟