مصطفى أونال
من كان يتصور أن يأتي يوم يستهدف فيه زعيم حزب علماني في تركيا أصحاب التوجه الإسلامي المحافظ من خلال شخصية الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري؟ هذا ما فعله كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، عندما هاجم حزب العدالة والتنمية بسبب القصر الرئاسي الجديد، مستخدمًا اللغة التي اعتاد الحزب الحاكم عليها، كان الأمس يوم الاجتماعات بالبرلمان، حيث وجّه زعماء الأحزاب السياسية رسائلهم إلى المجتمع.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من كان يتصور أن يأتي يوم يستهدف فيه زعيم حزب علماني في تركيا أصحاب التوجه الإسلامي المحافظ من خلال شخصية الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري؟ هذا ما فعله كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، عندما هاجم حزب العدالة والتنمية بسبب القصر الرئاسي الجديد، مستخدمًا اللغة التي اعتاد الحزب الحاكم عليها.[/box][/one_third]أستمع دائمًا إلى الكلمات التي يلقيها زعماء الأحزاب السياسية بالبرلمان التركي يوم الثلاثاء؛ إذ لا يمكنني أن أكتب مقالًا دون أن أتابع ما يتحدث عنه السياسيون، من جانبه، واصل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو نقاشه الذي كان قد بدأه حول مذبحتي “درسيم وكربلاء” في منطقة حاجي بكتاش ولي، وكان يستهدف بكلامه حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضين، وكما هو معلوم، فإن النقاش الدائر حول مذبحة درسيم قديم، وحزب العدالة والتنمية يطرح هذا الموضوع للنقاش مرارًا وتكرارًا من أجل الضغط على كيليتشدار أوغلو، وكان الهجوم قد وصل إلى ذروته عام 2011، حتى اضطر أردوغان، بصفته رئيسًا للوزراء، للاعتذار، وفتح الأرشيفات التي تتناول هذه الواقعة.
أما أجندة أحزاب المعارضة فكانت مختلفة للغاية، فقد ردّ دولت بهشلي، رئيس حزب الحركة القومية اليميني المعارض، على داود أوغلو، موجهًا انتقادات لاذعة للحكومة، وأعرب عن رد فعل غاضب إزاء القصر الرئاسي الجديد، قائلًا: “سيأتي اليوم الذي سيهدم فيه صراخ المظلومين سقف ذلك القصر!”.
كنت أفكر في أن أكتب عن مذبحة درسيم التي أطلق عليها داود أوغلو “كربلاء العصر” ،ذلك أننا مازلنا نعيش مذابح كربلاء في هذا العصر، فيما هاجم كليتشدار أوغلو الحكومة بشكل غير متوقع عندما لجأ إلى الحديث عن الصحابي الجليل أبي ذر، وقال عنه إنه لم يطمع في مغريات الدنيا.
ذكّر كليتشدار أوغلو من استمع لكلمته بوجود مقام لأبي ذر بمدينة أدييامان الواقعة جنوب شرق تركيا، ثم انتقل للحديث عن القصر الأخضر الذي أنشأه معاوية في دمشق، ومن حظ أردوغان وحزب العدالة والتنمية تسمية القصر الرئاسي الجديد الذي بني في أنقرة ب “القصر الأبيض”. ومن الملفت أن الألوان تسيطر على الأجواء السياسية في تركيا في هذه الأيام؛ إذ كان “الكتاب الأحمر” مسيطرًا على أجندة الرأي العام الأسبوع الماضي، واليوم القصر الأبيض.
وعلى الرغم من أن هذا الاسم ليس الاسم الرسمي للقصر، فلا شك في أنه مليء بالمشاكل، ذلك أنه يستدعي إلى الذهن الاسم المختصر للحزب الحاكم ” الحزب الأبيض”Ak Parti . ولاريب في أنه من المفترض أن يكون القصر الرئاسي دون لون ودون تحيز إلى جهة معينة بل يجب أن يكون محايدا أمام جميع الأحزاب السياسية بالبلاد، غير أن كل شيئ في القصر الجديد موضع للجدل والنقاش.
من المعروف أن الأموال التي تخرج من خزينة الدولة تثير ردود أفعال المواطن البسيط في الشارع، فالعالم الحديث حسّاس للغاية بشأن هذا الأمر، وللأسف فمن الصعب أن نلاحظ الحساسية نفسها في بلدان العالم الإسلامي، فالقصر هو تعبير عن القوة والسلطة والثراء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من المعروف أن الأموال التي تخرج من خزينة الدولة تثير ردود أفعال المواطن البسيط في الشارع، فالعالم الحديث حسّاس للغاية بشأن هذا الأمر، وللأسف فمن الصعب أن نلاحظ الحساسية نفسها في بلدان العالم الإسلامي، فالقصر هو تعبير عن القوة والسلطة والثراء.[/box][/one_third]تذكّروا الرؤساء والزعماء الذين اقترنت أسماؤهم بالقصور… وانظروا إلى الأحداث الأخيرة التي شهدتها إسبانيا؛ إذ مثلُت الابنة الصغرى للملك أمام القضاء، ولم تأبه هيئة المحكمة بدموعها، وأصدرت حكمًا برفع دعوى ضدها لتهربها من سداد الضرائب، ولم تقل الملكة: “لا تزال هذه المرحلة مرحلة ادعاء، ولننتظر حكم المحكمة”، بل تحركت على الفور، وأبعدت الأميرة الصغيرة عن العائلة، لتحرَم الأميرة من الآن فصاعدًا من أي امتياز تتمتع به لانتمائها إلى العائلة الملكية.
أعلم أن هذا المثال بعيد جدًا عن عالمنا الذي نعيش فيه، فلم نجد أحدًا يخرج علينا من الحكومة ليوضح لنا أي تفاصيل عن القصر الذي يتكون من ألف غرفة، لماذا ألف غرفة؟ ولماذا انتقل القصر الرئاسي إلى هناك وليس مقر رئاسة الوزراء (إذ كان يعرف أنه سيكون مقر رئاسة الوزراء عندما كان أردوغان رئيسا للوزراء)؟ للأسف، لاتزال هذه الأسئلة من دون إجابة، ولم يقتنع أحد بالحجج التي ساقها الحزب الحاكم بقوله: “هو قصر الشعب وهو يليق بدولتنا، وسنبني في نفس المكان جامعًا كذلك ، وسندعو الشعب أيضا، وسنعقد فيه اجتماعات مع العُمَداء وغيرها “.
كما أضيف سؤال آخر؛ إذ وجّه أحد النواب البرلمانيين سؤالًا قال فيه: “هل صحيح أن هناك ممرًا سرّيًا أسفل القصر الرئاسي الجديد؟” فهل هذه أسطورة المدينة أم أنها حقيقة وواقع بالفعل؟ فالجميع يشعر بالشغف لمعرفة مايقع في أسفل القصر، كما هو الحال بالنسبة لما يقع في أعلاه.
وإذا عدنا للحديث عن الهجوم الذي شنّه كليتشدار أوغلو على الحزب الحاكم من خلال شخصية الصحابي أبي ذر، سنرى أن زعيم الحزب المعارض قال إن “أبي ذر صحابي كسب ثناء النبي صلى الله عليه وسلم”، وذكّر بكلامه حين قال: “يا معاوية! إذا كنت تبني ذلك القصر بمالك الخاص فهذا إسراف، وإذا كنت تبنيه بمال المسلمين، فهذه خيانة!”. وكرّر العبارات ذاتها قاصدًا القصر الرئاسي الأبيض الجديد في أنقرة.
نعرف أن اعتراض أبي ذر على قصر معاوية مذكور في كتب التاريخ، فهذه الواقعة أصبحت موضوعًا للسياسة بعد مرور قرون على حدوثها، حيث ذكّر بها زعيم حزب علماني حزبًا محافظًا من المفترض أنه يتبنّى المبادئ الإسلامية.
فلاشك في أنه كان للهجوم من خلال القصر وعن طريق شخصية الصحابي أبي ذر وقع شديد على حزب محافظ مثل العدالة والتنمية .