تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – كشف تقرير أعده “منتدى منع جرائم قتل النساء” في تركيا أن إجمالي عدد من تُوفوا جراء جرائم العمل خلال ١٦ عاما من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان بلغ ٢٢ ألف و٥٠٠.
لقد أصبحت تركيا في السنوات الأخيرة لا تترك لأحد موقعها في الصف الأول أوروبيا والصفوف الأولى عالميا في مجالات جرائم قتل النساء، وجرائم العمل، واعتقالات الصحفيين.
كان التقرير الذي أظهر مقتل ١٣٠ سيدة في بريطانيا عام ٢٠١٧ من قِبل أزواجهن أو زملائهن أقام البلاد ولم يقعدها فيما بعد، في حين أن المعطيات التي أعلنها تقرير لـ”منتدى منع جرائم قتل النساء” في العام نفسه كشفت عن مقتل ٤٠٩ سيدات تركية على أيدي أزواجهن وأفراد عوائلهن أو أزواجهن السابقين أو زملائهن الذين افترقت طرقهم، لكنها لم تحرك ساكنًا في تركيا.
وما أظهرته تقارير عام ٢٠١٨ فأوخمُ وأسوأ من العام السابق، حيث ارتفع عدد الضحايا من النساء إلى ٤٤٠، بينما تعرضت ٣١٧ سيدة و١٢١٧ طفلا للانتهاك أو التحرش الجنسي.
لقد سلّط الكاتب الصحفي التركي “ذو الفقار دوغان” الأضواء على جرائم العمل التي تَحدُث تحت مسمى “حالات الوفاة أثناء العمل”، في مقال نشره موقع “أحوال تركية”، واعتبرها مؤشرًا مهمًّا يدل على مدى ضآلة قيمة حياة الإنسان في تركيا أردوغان؛ حيث قفز عدد الذين لقوا مصرعهم أثناء العمل إلى ألف و٩٢٣ شخصا في عام ٢٠١٨، علما بأن الرئيس أردوغان كان أرجع السبب في مثل هذا النوع من حالات الوفاة إلى “طبيعة العمل”، في حين أن إجمالي عدد من تُوفوا جراء جرائم العمل خلال ١٦ عاما من حكم حزب العدالة والتنمية بلغ ٢٢ ألف و٥٠٠.
وكشفت التقارير أن حالات الوفاة أثناء العمل بين النساء والأطفال شهدت زيادة ملحوظة، وأن المعدل اليومي للضحايا أثناء العمل يصل إلى ٤ عمال.
وعدّ دوغان في مقاله ساعات الدوام التي تتراوح ما بين ١٢ و١٤ ساعة، واضطرارَ أزيد من مليون شخص إلى العمل بالحد الأدنى للأجور أو بأقل من ألف ليرة (حوالي 183 دولار)، وحالة العجز النابعة من مشكلات اقتصادية، من أسباب زيادة حالات الانتحار بين العمال.
بحسب الأرقام التي أوردها الطبيب والنائب البرلماني من صفوف حزب الشعب الجمهوري المعارض “تكين بنجول”، في تقريرٍ أعده في أعقاب احتجاج عمال مطار إسطنبول الثالث، فقد انتحر 15 عاملا على الأقل في عام 2013، و25 عاملا على الأقل في عام 2014، و59 عاملا على الأقل في عام 2015، و90 عاملاً على الأقل في عام 2016، و89 عاملاً على الأقل في عام 2017، وذلك في المؤسسة التي يعملون بها أو خارجها لكن لأسباب نابعة من عملهم أيضًا.
وكان وزير العمل والضمان الاجتماعي الأسبق “عمر دينجار” قال تعليقًا على مقتل أكثر من 301 عامل جراء كارثة منجمِ “سوما” بمدينة مانيسا في 13 مايو 2014: “يمكن أن أؤكد لكم بكل أريحية أنهم ماتوا بصورة جميلة من دون أن يعانوا آلامًا جسدية!”، الأمر الذي كان أثار جدلاً واسعًا حينها في البلاد.
ويلفت النائب المعارض بنجول في تقريره إلى أن إحصاءات مؤسسة الضمان الاجتماعي الخاصة بحالات الوفاة أثناء العمل لا تعكس الحقيقة، ويفسر سبب ذلك بأن معطيات مؤسسة الضمان الاجتماعي لا تتضمن حالات الوفاة التي يتعرض لها العمال غير النظاميين، بل تتضمن الوفيات الناجمة عن حوادث العمل للعمال المسجلين لديها وفي حالة إبلاغها بها فقط.
وقد أزاح آخر الأرقام الخاصة بالبطالة والعمالة التي أعلن عنها معهد الإحصاءات القومي التركي في سبتمبر ٢٠١٨، الستار وصول نسبة العمالة غير الرسمية إلى حوالي ٣٤%، مما يعني أن جرائم القتل التي يتعرض لها هذا النوع من العمال لا تنعكس على الأرقام الرسمية.
ويؤكد الكاتب ذو الفقار دوغان، انطلاقًا من هذه الحقيقة، أن بيانات مجلس الصحة والسلامة المهنية (ISIG) في هذا الصدد تقدم صورة أكثر واقعية، لافتًا إلى أن التقرير الذي أعده المجلس في الرابع من هذا الشهر بعنوان: “في أي حرب نخسر هذا العدد الهائل من زملائنا” عن جرائم العمل كشف أن عدد ضحايا العمل بلغ ألفا و٩٢٣ عاملا خلال عام 2018. يشير التقرير أيضًا إلى أن إجمالي عدد الذين لقوا حتفهم في المؤسسة التي يعملون بها، اعتبارا من ٢٠٠٢، حيث وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، حتى نهاية عام ٢٠١٨، إلى ٢٢ ألف و٥٠٠ عامل، على أن ٥٧٥ منهم توفوا خلال العام المنصرم فقط، ٢٠١ منهم في يوليو، و189 في أبريل، و185 في أغسطس.
وتفيد المعطيات التي بحوزتنا أن قطاع الزراعة والغابات بنسبة ٢٤% تأتي في صدر القطاعات التي تشهد حالات الوفاة الناجمة من حوادث العمل، يليه في المرتبة الثانية قطاع الإنشاءات بنسبة ٢٣%، قطاع النقل بنسبة ١٢% في المرتبة الثالثة. في حين أن حوادث المرور-السرفيس تتصدر الأسباب المؤدية إلى الوفاة بنسبة ٢١%، تعقبها في المرتبة الثانية حوادث الانسحاق والانهيار بنسبة ٢٠%، وحوادث السقوط من الأعلى في المرتبة الثالثة بنسبة ١٧%.
تعزو السيدة بينار أبدال، ممثلةُ مجلس الصحة والسلامة المهنية في العاصمة أنقرة الزيادة الخطيرة في جرائم القتل النابعة من حوادث العمل في الآونة الأخيرة، إلى “حصول مقاولين يتمتعون بعلاقات وثيقة مع الحكومة على مناقصات المشاريع الضخمة في إطار مشروع التعاون بين القطاعين العام والخاص”. وقالت: “إن الشركات المنفذة للمشاريع الضخمة باتت ساحة جديدة للعمالة غير الرسمية وغير المضمونة. ومع أنه من المتوقع أن تكون الشركات الكبيرة أكثر التزامًا بالقواعد والقوانين، إلا أننا نرى أن أصحاب تلك المشاريع يكلفون عمالهم بأعمال شاقة وكثيرة دون أن يقدموا لهم الطعام والمبيت كما ينبغي، بالإضافة إلى أنهم لا يمنحونهم المرتب الذي يستحقونه بشكل كامل.”
وتقول السلطات التركية بأن 72 جنديًا استشهدوا خلال عملية درع الفرات في سوريا، واستشهد 52 جنديًّا أثناء عملية غصن الزيتون في مدينة عفرين؛ في حين أن عدد الذين فقدوا حياتهم أثناء العمل، وصل إلى ألف و923، وبلغ إجمالي عدد شهداء العمل خلال 16 عاما من حكم الرئيس أردوغان 22 ألفًا و500 شخص. لذلك فضل الكاتب دوغان أن يصف هؤلاء أيضا بـ”شهداء العمل”، لأنهم قضوا نحبهم في سبيل جهادهم من أجل الحصول على لقمة العيش، على حد تعبيره.
ثم نقل الكاتب عن الرئيس أردوغان عباراته الشديدة التي استخدمها مؤخرًا في ندوة بعنوان: “الإدارات المحلية في نظام الحكومة الرئاسية”، وسخر من انتقاده هذا النوع من حالات الوفيات وكأنه ليس الحاكمَ في تركيا منذ 17 عامًا وليس المسؤولَ عن جرائم القتل جراء حوادث العمل والكوارث البيئية والطبيعية التي نتجت عن تنفيذ مشاريع ضخمة من قبِل شركات موالية له! وأضاف قائلاً: “على الرغم من أنه من دمر الغابات وقطع أشجارها وتسبب في قتل عديد من العمال في سبيل إنشاء مطار إسطنبول الثالث وطريقِ مرمرة السريع، وأن المقاولين المقربين منه من تسببوا في مقتل عشرات العمال في مصاعد المساكن الفاخرة المكونة من 30-40 طابقا في إسطنبول والمحافظات الأخرى، إلا أنه برأ نفسه وحكومات حزب العدالة والتنمية في خطابه المذكور من كل ذلك وحمَّل المسؤولية الآخرين المجهولين”، على حد قوله.
وفي ختام مقاله الذي نشره موقع “أحوال تركية”، قال الكاتب الصحفي ذو الفقار دوغان:
“مع أن أردوغان من أسس قصره الفاخر المكون من أكثر من ألف غرفة بعد أن قطع آلاف الأشجار في غابات أتاتورك، رغم أنها المنطقة الخضراء الوحيدة في العاصمة أنقرة، وأنه من قضى على آلاف الفدانات من مساحات الغابات وبساتين الزيتون في سبيل القصر الجمهوري الصيفي الجاري إنشاؤه حاليا في خليج مارماريس-أوكلوك بمدينة موغلا الساحلية.. مع كل ذلك استطاع أن يقول في تلك الندوة: هناك من يحاولون تحويل سواحلِ بحارنا وأراضي غاباتنا إلى كتلة خرسانية! الطمع في الأموال والرأسمالية من يجعلهم يُقْبلون على مثل هذه الأعمال والمشاريع دون مبالاة بالبيئة والطبيعة وتدمير الغابات وقطع الأشجار. فهمّهم الوحيد هو كسب أموال وإنشاءُ ناطحات السحاب! بينما نحن نرى أن الحضارة هي القرب من الأرض والترابِ والبعد عن ناطحات السحاب الخرسانية. ومن هنا أوجه كلامي لوزير البيئة والتخطيط الحضاري: عليك أن لا ترحم على أحد منهم، فإن لم يهدموا هم بأنفسهم ما بنوه فإننا سنقوم بهدمها!”