بقلم آدم ياوز أرسلان
أنقرة (زمان التركية) – نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تقريرًا بعنوان “نحو سياسة أمريكية جديدة في سوريا” واقترح التقرير المنشور في 11 يوليو/ تموز الماضي إنشاء منطقة عازلة في شمال شرق سوريا بإشراف مشترك بين كل من تركيا والولايات المتحدة.
كل يوم تنشر تقارير من هذا النوع في واشنطن التي تضم 400 مؤسسة فكرية، لكن ما يميز هذا التقرير عن نظائره هو حمله توقيع جيمس جيفري الذي عمل سفيرًا للولايات المتحدة لدى أنقرة في الفترة بين عامي 2008 و2010.
وبعد نحو شهر من نشر هذا التقرير بات جيفري منسق الأمم المتحدة في الحرب ضد داعش.
كان يعرف جيفري بواقع اطلاعه على المنطق المسيطر على سياساة أنقرة قبيل تعيينه في هذا المنصب، بل وكان أحد أعضاء اللجنة المفضلين في المؤسسات الفكرية التي أسستها إدارة العدالة والتنمية في واشنطن.
منطقة عازلة أخرى في سوريا بعد العراق
قرار الانسحاب الذي أعلنه دونالد ترامب في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي يتحول يوما بيوم إلى “الانسحاب بمرور الوقت”، فعند رؤيته لردود فعل أقرب الداعمين له عقب الكشف عن هذا القرار الذي أثار أزمة كبيرة في واشنطن أوضح ترامب أنه لم يحدد موعدا للانسحاب. وأضاف ترامب أنه لن يتم سحب الجنود قبل القضاء على داعش نهائيا.
التصريح الآخر صدر عن مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون، حيث صرح خلال زيارته إلى إسرائيل أنهم لن ينسحبوا بدون التوصل لاتفاق بشأن حماية الأكراد في شمال سوريا.
وذكر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال مقابلة معه أن الولايات المتحدة تعمل على عدم قتل الأتراك للأكراد.
تصريحات بولتون وبمبيو أثارت غضب أنقرة، لكن الواقع في واشنطن هو أن السلطة السياسية والإعلام يناقشون ضرورة حماية الأكراد من الأتراك.
الوحدات الكردية على رأس أجندة أنقرة
عقب لقائها مع ترامب أفادت النائبة عن مقاطعة كارولينا الجنوبية وأحد الداعمين المقربين لترامب، لينزي جراهام، أن ترامب عازم على ضمان عدم وقوع صدام بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية، مشيرة إلى أن ترامب سيقترح على تركيا إقامة منطقة عازلة.
ولا تنصدموا إذا شاهدتم تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية تشن عملية عسكرية جنبا لجنب في القريب العاجل وإن كان الأمر يبدو مستحيلا في الوقت الراهن، إذ إن وزير الخارجية الأمريكي ذكر في تصريحاته لشبكة CNBC قبيل جولته بالشرق الأوسط أن أردوغان أبلغ ترامب أن بلاده ستتولى حماية القوات الكردية في سوريا عقب انسحاب الجنود الأمريكان من هناك. والمقصود بالقوات الكردية في هذه التصريحات هي وحدات حماية الشعب الكردية.
ما يجعل هذه التصريحات أكثر منطقية هو مقال أردوغان بصحيفة نيويورك تايمز يوم الإثنين الماضي، إذ ذكر في المقال أن تركيا وحدها قادرة على حماية مصالح أمريكا والمجتمع الدولي وأن تركيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش بحلف الناتو هي الدولة الوحيدة التي تتمتع بالقوة والعزيمة لتحقيق هذا.
ويقارن الوفد الأمريكي نموذج المنطقة العازلة الذي سيطبق في شمال شرق سوريا بالنموذج الذي تم تطبيقه في شمال العراق في عام 1991، فعقب حرب الخليج أعلن شمال العراق منطقة حظر طيران في عام 1999 ومهدت قوى المطرقة بريادة أمريكا الطريق للهيكل السياسي الحالي.
على الصعيد الآخر تضمن تحليل صحيفة وول ستريت جورنال الذي استند على مصادر في البيت الأبيض خيوطا مهمة بشأن المخططات الأمريكية، حيث ذكر التحليل أن جيفري وفريق بالخارجية الأمريكية أعدوا خريطة ملونة وفقا لتوزيع القوى في شمال سوريا لمنع الصدام المحتمل بين الترك والأكراد.
خلاصة القول إن الوفد الأمريكي توجه إلى تركيا من أجل المنطقة العازلة، وفي حال تنفيذ هذه المخطط فإنه سيفتح الطريق لمنطقة حكم ذاتي بشمال سوريا أشبه بالنموذج المطبق في شمال العراق.
وبهذا يتم التخطيط لنظام سيتحرك فيه الجنود الأتراك والأمريكان مع وحدات حماية الشعب الكردية التي سيتم إعادة هيكلتها وتحويلها، إذ إن الخطة الأمريكية لا تتضمن شن تركيا عملية عسكرية بمفردها واستهداف الأكراد.
هل بات الجيش التركي شركة مقاولة/وسيطة؟
الحرب ضد داعش هو البند الآخر المهم في المباحثات المستمرة بين تركيا وأمريكا، حيث أوضح ترامب أن أردوغان قدم له ضمانات وأن تركيا ستتصدى لداعش، غير أن المعلومات المسربة من أنقرة وواشنطن تظهر اختلاف الحقائق على الساحة.
أولا ينبغي التذكير بأن الولايات المتحدة كانت تبحث عن قوة برية تقاتل في سوريا منذ فترة طويلة، وكان التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية يبدو غير كاف.
مقترح أردوغان باجتثاث بلاده لما تبقى من داعش الذي تحدث عنه خلال اتصاله الهاتفي مع ترامب في الرابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي كان فرصة تترقبها الولايات المتحدة، لكن المعلومات المسربة لصحيفة وول ستريت جورنال خلال الأيام الماضية تشير إلى طلب تركيا الدعم اللوجستي من أمريكا في الحرب ضد داعش. بمعنى أن الولايات المتحدة ستتولى الأسلحة والمعدات بينما سترسل تركيا الجنود.
الجانب الأمريكي ذهل من المقترح التركي، فخلال حديثهم مع الصحيفة أفادت مصادر بارزة أنه في حال تنفيذ الولايات المتحدة مطالب تركيا فسيتوجب عليها تعزيز عدد جنودها في سوريا عوضا عن الانسحاب.
هذا الوضع يؤكد الحديث عن انزعاج الجيش التركي المثار في أروقة السلطة بتركيا منذ فترة، فمن بين الأسباب المثارة بشأن إقالة قائد الجيش الثاني الميداني إسماعيل متين تمل من منصبه نفوره من العملية ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وتشير الأحاديث إلى وجود قطاع كبير يرى توغل الجيش التركي لنحو 200 كيلومتر للتصدي لتنظيم داعش الإرهابي فكرة جنونية وخطيرة.
توضح التحاليل أن مخاوف الجيش التركي في محلها، إذ إن شن عملية عسكرية بدون دعم جوي سيسفر عن خسائر فادحة.
ولا يزال الغموض يحيط بما إن كان الروس سيسمحون بتحليق الطائرات التركية أم لا، ولا يبدو من الممكن لتركيا شن عملية عسكرية بدون دعم الطائرات الأمريكية.
ومن أبعاد المعادلة أيضا روسيا- إيران والأسد.
في المرحلة الحالية بإمكان تركيا الحصول على المنطقة العازلة والعودة أثناء توجهها لفتح شمال سوريا، وبالإمكان معرفة ما ستؤول إليه مشكلة فرض منطقة عازلة بالنظر لنموذج شمال العراق.