علي بولاج
كنتُ قد تطرقت في مقال لي في هذه الصحيفة بتاريخ 8 مايو / أيار الماضي إلى أن النزاع الذي يلهب الشرق الأوسط يتواصل في 7 مجالات:
- الأديان/ النزاع بين منتسبي الأديان
- المذاهب/ النزاع بين منتسبي المذاهب
- القوميات/ النزاع بين المجموعات العرقية
- الطبقات/ النزاع بين طبقات المجتمع
- الحكومات/ النزاع بين الحكومات أو الحكام الذين تسيطر عليهم القوى الكبرى.
- النزاع بين الأجناس.
- النزاع بين الجماعات أوالمجتمع المدني والفرق الثقافية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كلما دخلت السلطة في حالة نفسية تستدعي حماية نفسها واستمرار بقائها، تحتاج إلى الديكتاتورية أكثر كشرب العطشان من ماء البحر، فتصبح في نهاية المطاف ديكتاتورية في مسيرتها السياسية التي كانت في البداية من أجل تأمين القوانين والعدل والنزاهة الأخلاقية والمشاركة في الحكم والحريات.[/box][/one_third]ويمكن أن نضيف إلى ذلك النزاع حول طرق المعيشة أو أنماط الحياة ليكون عدد هذه المجالات ثمانية .
وهناك أكثر من عامل في تصعيد هذه النزاعات، وأغلبها يظهر نتيجة التحكم والسعي لامتلاك كل شيء بشكل لاتحده حدود القوانين، فالتوتر والنزاع اللذان نعيشهما في الداخل التركي ينبعثان من هذين العاملين، مع الأسف، والشكل الأكثر اتساعًا لهذا النزاع نجده متمثلا في مشاهد النزاعات المذهبية والعرقية الدامية في الشرق الأوسط، فحين يسود التحكم فلابد أن يميل نظام الحكم إلى الديكتاتوية، وكلما دخلت السلطة في حالة نفسية تستدعي حماية نفسها واستمرار بقائها، تحتاج إلى الديكتاتورية أكثر كشرب العطشان من ماء البحر، فتصبح في نهاية المطاف ديكتاتورية في مسيرتها السياسية التي كانت في البداية من أجل تأمين القوانين والعدل والنزاهة الأخلاقية والمشاركة في الحكم والحريات.
ولكن إذا أردنا الحديث بالنزاهة والعدل في الوقت نفسه، فعلينا أن نقول إنه ليس الحكام وحدهم هم المسؤولون عن إدخال نظام الحكم في نمط التحول إلى الديكتاتورية، فكثيرا مايتخذ الحكام والمسؤولون قرارات خاطئة تحت ضغط عامل ما أو بسبب تأثرهم بعناصر مختلفة وبالتالي يمهدون لنهايتهم.
وإن حزب العدالة والتنمية، الذي يتولى السلطة في تركيا منذ 12 عاما في مستويات مختلفة وصل الآن إلى هذه المرحلة، وهذه الحكومة لم تأت من فراغ أو نزلت من السماء دون مقدمات، إذ تقف وراء هذه الحكومة قاعدة شعبية من الذين يؤمنون بالله ويذكرونه ويدعونه وهم يسعون للتخلص من معاناة ومشقات وصعوبات منذ 100 سنة، فالله سبحانه وتعالى قد منحنا فرصة تبعث أملا لنا في أنفسنا وديارنا (تركيا) ومنطقتنا (الشرق الأوسط) وربما حتى العالم الإسلامي أيضا، لكننا لم نستخدم تلك الفرصة بعقلانية وفراسة، بل خضنا في قومية تركية بالية بدلا من أن نستفيد من تلك الفرصة بما لدينا من قوة عقلية مرنة نابعة من الحكمة والمعرفة الإسلامية العميقة.
وفي الداخل، فإن عدم نجاح أصحاب السلطة في استخدام هذه القوة في تحقيق العدالة والمشاركة كلف المسلمين في النهاية نشوب نزاع وعداوة فيما بينهم، فكل طائفة منهم تدعي أنها على الحق وتسعى لتدعيم وتقوية موقفها، وفي هذه الفتنة الكبيرة، مع الإقرار بأخطاء كل من “حزب العدالة والتنمية” و”حركة الخدمة” ،هناك عامل ثالث لم نتنبه إليه وهو، مع الأسف، الجماعات والتكتلات الأخرى، ونحن نرى ونلاحظ أن الجماعات الأخرى باستثناء البعض منها لم تطور علاقاتها بحزب العدالة والتنمية على أساس السلام والتفاهم والتصالح والتوحد، بل على أساس التفرق والنزاع والسيطرة والقمع، وفي كل مرحلة يلقنون الحكومةَ ويحفزونها على التصرف بشكل أكثر قسوة، وهم مع الأسف يقومون بفعل كل ما يتهمون به حركة الخدمة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]الجماعات والفرق يتصرفون بدافع انتهاز الفرصة إذ يرون السلطة قاصرة عليهم، ويحاولون محو وإفناء غيرهم، لكنهم بذلك ألحقوا الضرر الأكبر بحزب العدالة والتنمية، فالمسلمون في تركيا في هذه التجربة الأولى في الحكم بالنسبة لهم لم ينجحوا في امتحان “العلاقة بين جماعة الخدمة والدولة والجماعات الدينية الأخرى”.[/box][/one_third]أصاب نوزات تشيتشك حين لفت الأنظار إلى هذا الموضوع في مقاله المنشور في صحيفة” تايم تورك” حيث قال: “أغلب الجماعات في تركيا سلكت طريقًا مغايرا في عهد حكومة العدالة والتنمية بدلا عن استخدام مجال الحرية المتوفرة في تركيا الجديدة على أكمل وجه، ووضع أساليب تربوية بديلة، والتوجه إلى حل مشاكل الشباب ومخاطبتهم، وإيجاد أنظمة تربوية جديدة، ورفع المستوى الثقافي والفكري لدى المجتمع، فهم ظنوا أنهم سيطروا على منظومة الحكم التي كانوا يعترضون عليها وأصبحوا محكومين بدلا من أن يكونوا أحرارا، وباختصار فإن الدولة التي كانوا يعارضونها ليسيطروا عليها سيطرت هي عليهم بقوتها وإمكانياتها وبما قدمت إليهم من منافع، كما بنت استمراريتها وبقاءها عليهم، وإن كل المشاكل والأزمات في تركيا تنجم أساسًا عن عدم وقوف أصحاب القوة عند الحدود التي يجب عليهم الوقوف عندها، فالحكومات في تركيا تمثل الجانب السياسي والجماعات تمثل الجانب المدني؛ ولكن الحكومة لا تثق في الجماعات، كما لا تثق الجماعات في الحكومات”.
وكان الرئيس كنعان أيفرين، الذي تعرض لانتقادات كثيرة بسبب السياسات القاسية التي اتبعها قد قال منفجرا ذات مرة: “لا تجبروني على الحديث، حتى أذكر لكم الجهات المدنية التي لطالما طلبت إلينا القيام بالانقلاب عام 1980” ،فالجماعات والفرق يتصرفون بدافع انتهاز الفرصة إذ يرون السلطة قاصرة عليهم، ويحاولون محو وإفناء غيرهم، لكنهم بذلك ألحقوا الضرر الأكبر بحزب العدالة والتنمية، فالمسلمون في تركيا في هذه التجربة الأولى في الحكم بالنسبة لهم لم ينجحوا في امتحان “العلاقة بين جماعة الخدمة والدولة والجماعات الدينية الأخرى”.