بقلم : مايسترو
لم يكن قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا مفاجئاً؛ فقد ردده الرئيس من قبل هذا.. ولكن جرس الإنذار تمثل في تزامن هذه الخطوة مع تقديم جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي لاستقالته من منصبه، خاصة وقد ألمح الجنرال بقوة في رسالة استقالته إلى وجود اختلافات في رسم السياسات مع الرئيس ترامب.. هذا بينما ذهب ترامب للعراق لتهنئة قواته المرابطة هناك ـــ 5000 جندي ـــ ووجه الشكر لهم على جهودهم في حماية المصالح الأمريكية، وخلال الزيارة قال ترامب “لا توجد خطط لانسحاب الولايات المتحدة من العراق… ” فالمصالح النفطية كافية بالطبع لاستمرار الوجود الأمريكي بالعراق.. وصرح ترامب أيضاً تعليقاً على استقالة ماتيس بعبارة “لقد وقع طلاق ودي..” ويبدو أن إعلان الرئيس المفاجئ لقراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا بأسرع وقت ممكن، رغم أنف كل معارضيه في هذا الأمر، كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر العلاقة بينه ووزير دفاعه، الذي قدم استقالته في اليوم التالي مباشرة من إعلان هذا القرار.
هذا ومن منطلق تحليل أمني بحت؛ فإن الباعث الأساسي في اتخاذ ترامب لقراره بسحب قواته من سوريا ليس بحسب الأصل النفقات التي تُهدر دون عائد مكافئ؛ كما أنها ليست تنازلات لتركيا لها ما يقابلها من مصالح أمريكية.. فغالب الظن أن ترامب يُمهد ـــ بناء على رغبة إسرائيلية ـــ المسرح السوري لمواجهة إسرائيلية للقوات الإيرانية وستتورط بالطبع فيها أمريكا.. ويرى ترامب أنه من الأصوب أن تتم المواجهات اعتماداً على القصف الجوي والصاروخي فقط؛ وها نحن نشاهد عمليات جس النبض بين إسرائيل وروسيا، فهذه هي الحقيقة؛ فروسيا زودت سوريا بمنظومة s300 ومنظومات أخرى حديثة لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وبالفعل وجهت إسرائيل منذ أيام فقط ضربات جوية من سماء لبنان، وتصدت الدفاعات السورية لها بكفاءة وأسقطت الغالبية العظمى من تلك الصواريخ ـــ حيث أسقطت 10 صواريخ من أصل 12 صاروخاً ـــ ولعل أهم هذه السجالات إنما تمثلت في وصول صاروخ أطلق من سوريا ولم تستطع القبة الحديدية الإسرائيلية منعه من السقوط في العمق الإسرائيلي، ولم تعلن إسرائيل عن هذا الأمر بالطبع.. لذا فإن قرار إسرائيل القيام بضربة ردع قوية يستلزم حسابات دقيقة جداً؛ فالأمر يتعلق بوجود الدولة الإسرائيلية.. وأكرر أنه من منطلق تحليلي أمني؛ فإن على إسرائيل وأمريكا ــ بل والدول العربية أيضاً ــ أن تتعامل مع إيران حالياً على أساس أنها تمتلك أسلحة نووية…
حقاً لقد كان نتنياهو محقاً ــ من منظور الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي ــ عندما طلب من أوباما أن تؤمن أمريكا إسرائيل في قيامها بتوجيه ضربة قاضية للمواقع النووية الإيرانية، ورفض أوباما رفضاً قاطعاً ـــ دفع الحزب الديمقراطي ثمنها في الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوز ترامب ـــ مكتفياً بضربة فيروسية لأجهزة الحاسبات التي تعمل في منظومة المفاعلات النووية الإيرانية تسببت في تعطيل مؤقت للأنظمة فقط، واكتفت الدول الست (أمريكا وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في الثاني من أبريل 2015 بعقد اتفاق نووي مع إيران؛ رأته تل أبيب غير كاف لدرء مخاطر تطوير إيران لسلاحها النووي.. وما زال نتنياهو يسعى لتوريط ترامب في توجيه هذه الضربة القاضية.
ومن المؤكد أن رد الفعل الإيراني حالياً لن يكون مأمون العواقب على إسرائيل والقوات الأمريكية بالمنطقة، فقد استردت إيران بناء على الاتفاق المشار إليه ما يجاوز المائة مليار دولار من أموالها في البنوك الغربية؛ بجانب كسب الوقت الكافي للاستمرار في برنامجها النووي السري، حيث تمتلك إيران التكنولوجيا النووية ولا ينقصها سوى إعداد الوقود النووي المناسب لتصنيع أسلحتها النووية، والبيولوجية أيضاً…
وربما لا يتفق معي من يقرأ هذا التحليل من منطلق كون إيران حتى تاريخ كتابة هذه السطور لم تقم بأي تجربة لسلاح نووي؛ فإن فعلتها لتمكن الغرب وإسرائيل من رصدها.. ورداً على وجهة النظر هذه نشير إلى أن تجربة السلاح النووي يمكن أن تتم بالوكالة.. فيمكن على سبيل المثال أن تنفذها كوريا الشمالية.. كي تتأكد إيران من صلاحية سلاح نووي صُمم وصُنع في إيران وفقاً لمواصفات معينة قام الوكيل بتفجير نموذج مماثل وتبين نجاحه.. لذا ووفقاً لما تقدم فعلى كل الأطراف على الساحة السورية تحري الدقة التامة في حساباتها القادمة…
أما عن أثر الانسحاب المشار إليه على الدولة التركية؛ فإنه من قبيل السذاجة القول إن في الأمر انتصارا للنظام التركي على أمريكا..! فنحن إذ نختلف في كثير من المواقف مع رئيس تركيا الحالي أردوغان ونظام حكمه.. إلا أن مصلحة الشعب والدولة التركية نضعها دائماً في الحسبان؛ لذا نأمل ألا تتورط تركيا في وجودها بالداخل السوري؛ فعليها أن تحرص كل الحرص على عدم الإفراط في التوغل بالعمق السوري بدعوى حربها ضد الأكراد لمنعهم من تكوين دولتهم؛ ولعل مصلحة الدولة السورية تتماهى مع مصلحة تركيا في أهمية استمرار تبعية الشمال السوري للدولة السورية الأم؛ لذا فالتنسيق من خلال روسيا مع الجيش السوري أمر واجب وضروري.. وختاماً فنؤكد على أن الحرب إن دارت رحاها في هذه المنطقة بين إسرائيل وإيران سيتوسع نطاقها وأطرافها بشكل خطير، فالأسلحة التي ستستخدم ـــ لا قدر الله ـــ هي من قبيل أسلحة الدمار الشامل، ندعو الله أن يحفظ دولنا العربية والإسلامية؛ والإنسانية أيضاً من شرور هذه الحرب المحتملة.