تقرير: محمد عبيد الله
روتردام (زمان التركية) – الضجة التي أثارتها التصريحات الصاعقة التي أدلى بها “أكاديمي” مقرب من السلطة الحاكمة في تركيا، والتي أجازت مقتل المعارضين أو المختلفين مع الرئيس رجب طيب أردوغان، لا تزال تداعياتها متواصلة في الداخل التركي والمحافل الدولية.
كان رئيس الجامعة الإسلامية في روتردام بهولندا أحمد أق كوندوز، الملقب بـ”مفتي أردوغان”، قال خلال مداخلة تليفونية له على قناة عقد تي في (Akit TV) التركية: “إن أعداء الدولة التركية (المعارضين من المتعاطفين مع الداعية فتح الله كولن وحركة الخدمة) يجب أن يحكم عليهم بالإعدام، حتى لو كانوا أصحاب التقوى وأولياء الله”. واستند في فتواه هذه إلى آية في سورة الحجرات –على حد تعبيره- وإلى تهمة المشاركة في الانقلاب الذي دبره أردوغان للقضاء على خصومه.
تحاول أنقرة بقيادة أردوغان أن تقنع دول العالم بأن حركة الخدمة منظمة إرهابية منذ بدء تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013 ووقوع ما سمي الانقلاب الفاشل في عام 2016، إلا أن جهودها في هذا الصدد باءت بفشل ذريع، بسبب افتقارها لأبسط دليل ملموس، وذلك باعتراف وزير العدل التركي عبد الحميد جول، حيث قال مؤخرًا في تصريحاتٍ لصحيفة حريت: “لم تعترف أي دولة في العالم بأن حركة الخدمة منظمة إرهابية، ولم تردّ بالإيجاب على طلب تسليم أعضائها”. لذا لم يجدان بدا من اللجوء إلى طرق غير قانونية، بينها عمليات الاختطاف، لإعادة المتعاطفين مع حركة الخدمة المنتشرين في كل أنحاء العالم إلى تركيا والزجّ بهم في السجون.
تظهر كل يوم أدلة جديدة تثبت أن أردوغان وحلفائه من التنظيمات الجهادية المتطرفة وفلول القوى الخفية المتوغلة في أعماق الدولة خططت لهذا الانقلاب من أجل تأسيس نظام جديد، آخرها أن الحكومة الألمانية رفضت الإجابة على استجواب برلماني حول دور الحكومة التركية في الانقلاب الفاشل نظرًا لأن الكشف عن دورها بضر بمصالح وسلامة ألمانيا.
وهذه التصريحات الصادمة أقامت الأوساط السياسية والأكاديمية في هولندا ولا أقعدتها فيما بعد، إذ أعلن وزير التعليم الهولندي، إنغريد فان إنجلسهوفن بدء تحقيقات بشأن تصريحات عميد الجامعة الإسلامية في روتردام، كما هدد بسحب اعتماد الجامعة التي يتولى رآستها أق كوندوز إذا استدعى الأمر هذا.
كما انتقدت رئيسة حزب الاشتراكيين الهولندي، ليليان ماريجنسن، التصريحات الباعثة على الدهشة والقلق، قائلة: “هذه التصريحات لا يمكن أن تصدر من شخص أكاديمي ولا هي حكم القرآن. فالشخص الذي يدافع عن قتل أناس أبرياء على شاشات التلفاز لا يمكن أن يكون مسؤولا عن تطوير الفكر الانتقادي للطلبة”.
بينما نوّه وزير التعليم السابق، جيت بوسميكر، بأن أق كوندوز شخصية مثيرة للمشاكل، واعتبر تصريحاته منافية للقيم والمبادئ الإنسانية المشتركة التي هي قيم هولندا أيضًا، وأضاف: “يتمتع عميد الجامعة بحرية أكاديمية كبيرة غير أنه تقع على عاتقه في الوقت ذاته مسؤولية كبيرة”.
واللافت أن أحمد أق كوندوز الموالي للحكومة التركية والرئيس أردوغان لا ينبس ببنت شفة حول الاعتقالات وعمليات الفصل والتشريد والنقل العشوائية التي طالت أكثر من 60 ألف شخص، وضمتّ حوالي 18 ألف امرأة، بينهن حوامل وحديثات الولادة، ونحو 713 طفلاً، بالإضافة إلى مصادرة ممتلكات أشخاص وشركات وإغلاق مؤسسات إعلامية، كل ذلك بشبهة المشاركة فيما يسمى الانقلاب الفاشل، مع غياب أي أدلة معتبرة شرعًا أو قانونًا.
وليس هذا فحسب، بل سبق أن أدلى أق كوندوز بتصريحات مثيرة زعم فيها أن حجم أعمال الفساد ونهب المال العام التي تورط فيها أردوغان ورجاله لم يتجاوز 20%، ولم ير هذا الحجم من الفساد والسرقة مخالفًا للشريعة الإسلامية، نظرًا لأن الحكومات السابقة كانت تسرق 80% من أموال الدولة –وفق تعبيره-، وذلك في محاولة للتستر على فضائح الفساد والرشوة التي طفت إلى السطح عام 2013 وتورط فيها أبناء وزراء الحكومة ونجل أردوغان.
ويشير مراقبون إلى أن أحمد أق كوندوز كان قد تقدم مرارا لحركة الخدمة بطلبات مساعدة للإسهام معه في تأسيس جامعة روتردام الإسلامية في هولندا التي يرأسها، لكنه انقلب إلى أكبر عدو لها بعدما تعثرت إجراءات هذه المساعدات.
من الجدير بالذكر أن الأستاذ فتح الله جولن صرح مرارًا وتكرارًا بأنه لا صلة له بهذا الانقلاب، وطالب بلجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في ملابسات هذا الانقلاب، وأعلن عن استعداده لتسليم نفسه إلى العدالة إذا ثبت أنه ضالع في هذا الانقلاب بأي دور، إلا أن كل هذه الاقتراحات رفضتها حكومة أردوغان.
كما طالب الأستاذ جولن في مناسبات كثيرة محبيه بألا يقوموا بأي رد على أي إجراءات تعسفية تقوم بها حكومة أردوغان في حقهم، ويبحثوا عن حقوقهم المهدورة في إطار القانون والدستور، وأكد على سلامة الدولة وأمن المجتمع قبل كل شيء، معلنًا في الوقت ذاته أنه يحترم إرادة الشعب التي أتت بأردوغان رئيسا للبلاد رغم قناعته بأنه غير مؤهل لهذا المنصب.
كما صرح الأستاذ جولن في مناسبات عديدة أنه تواترت معلومات تفيد بأن النظام الحالي يحاول أن يختلق فوضى في بعض السجون تتيح له القيام بمذبحة جماعية يتخلص بها نهائيًا من المعتقلين من أبناء الخدمة في السجون.
ويعرب محللون عن مخاوفهم من أن تكون هذه الفتوى في هذا التوقيت الحساس تمهّد الطريق وتبرر تنفيذ إبادة جماعية محتملة ضد أبناء حركة الخدمة المسجونين.
https://www.facebook.com/zamanarabic/videos/359273858224432/