تقرير: محمد عبيد الله
لندن (زمان التركية) – رفض القضاء البريطاني الطلب المقدم من الحكومة التركية بشأن تسليم عدد من المطلوبين، بينهم رجل الأعمال ومالك مجموعة شركات “كوزا-إيبك” أكين إيباك، بتهمة تمويل حركة الخدمة التي يتهما الرئيس رجب طيب أردوغان من دون دليل بالوقوف وراء محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا عام 2016؛ الأمر الذي أحرج الحكومة التركية بعد ثبوت عدم كفاية أدلة الإدانة.
وفي محاولة من حكومة حزب العدالة والتنمية لتحسين صورتها في الشارع التركي بعد فضيحة عدم كفاية أدلة إدانة مجموعة من الأتراك المقيمين في بريطانيا، ألقت باللوم على المستشار القضائي في السفارة التركية في لندن، وأصبح كبش فداء في الورطة التي أصبحت فيها وزارة العدل.
وبدأت المحاكم التركية تحقيقات بشأن المستشار القضائي في السفارة التركية بلندن عمر فاروق ألتنتاش، بدعوى أنه قدم من عند نفسه للجهات القضائية البريطانية وثائق ومستندات تحتوي على معلومات خاطئة عن طلب تركيا أكين إيبك وتركيين آخرين، على أنها وثائق ومستندات رسمية أعدتها وزارة العدل التركية.
وفي أعقاب ذلك قامت أنقرة باستدعاء المستشار القضائي التركي في لندن إلى أنقرة من أجل التحقيق معه في وزارة العدل، بتهمة التزوير في الوثائق والمستندات المذكورة.
لكن تبين في وقت لاحق أن هذه الخطوة ليست إلا محاولة لتغطية فشل الحكومة التركية في إعادة أكين إيبك وتركيين آخرين بسبب عدم قانونية الأدلة المقدمة للسلطات القضائية البريطانية، حيث نشر المتهون الأتراك النسخة الأصلية للوثائق والمستندات المذكورة، وهي تحمل توقيع وختم وزارة العدل التركية.
انقر للحصول على نسخة بي دي أف الإنجليزية من وثائق وزارة العدل التركية المرسلة إلى القضاء البريطاني
تركيا تعترف رسميًّا بعدم قانونية اعتقال أنصار حركة كولن
وكانت أنقرة تعترف رسميا في مراسلات جرت بين وزارة العدل التركية والقضاء البريطاني من خلال تلك الوثائق بأن عمليات الاعتقال والفصل الجماعية بناء على صلات مزعومة بحركة الخدمة في إطار تحقيقات الانقلاب الفاشل، مخالفة للقانون والدستور.
فبعد رفض القضاء الإنجليزي طلب الحكومة التركية تسليم رجل الأعمال التركي “حمدي أكين إيبك”، رئيس مجموعة شركات كوزا-إيبك”، التي تضم مؤسسات إعلامية، واعتبار الإجراءات المتخذة ضده من قبل أنقرة “سياسية”، وضعت وزارة العدل التركية نفسها في مأزق لاعترافها ضمنيا بأن عمليات الاعتقال والتحقيقات التي يتعرض لها أنصار حركة الخدمة غير قانونية.
ومن خلال المخاطبات بين وزارة العدل التركية والقضاء البريطاني حاولت أنقرة إقناع لندن بأنها تتبع إجراءات التقاضي السليمة، في سبيل تسليمها المئات من أنصار حركة الخدمة.
إلا أن تلك المراسلات احتوت دليل براءة المتهمين من التهم لهم، حيث إن تعهدات القضاء التركي تدل على عدم قانونية عمليات الاعتقال والفصل التي طالت مئات الآلاف من المواطنين المدنيين داخل تركيا والتي استندت إليها السلطات المحلية في توجيه تهم لأكثر من 50 ألف معتقل و130 ألف مفصول من العمل.
وكانت السلطات التركية أصدرت قرارًا بضبط وإحضار رجل الأعمال التركي أكين إيبك، وإصدار مذكرة اعتقال في حقه، بعد اتهامه بأنه “ممول حركة الخدمة” التي تستلهم فكر المفكر الإسلامي فتح الله كولن، والتي يتهمها نظام أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب دون الاستناد إلى أدلة.
من جانبها، أرسلت وزارة العدل التركية قائمة بأسماء المئات التي تطالب الحكومة التركية الحكومةَ الإنجليزية بالقبض عليهم وتسليمهم إليها، بينهم أكين إيبك، إلا أن القضاء الإنجليزي أصدر قراره في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم برفض الطلب.
وأوضح القضاء الإنجليزي في حكمه أن جميع طلبات الضبط والإحضار والتسليم لتركيا “سياسية” من الدرجة الأولى، قائلًا: “لقد تم رفض طلب تركيا بشأن إعادة أكين إيبك الذي تمت مصادرة قنواته التليفزيونية وصحفه اليومية بسبب انتقاده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإجماع الأصوات”.
كما أرسلت وزارة العدل التركية مع طلب التسليم، العديد من المستندات والوثائق التي تدعي أنها أدلة إدانة، وتحمل توقيعها وختمها؛ إلا أن السحر انقلب على الساحر، حيث كانت اعترافًا صارخًا بأن كل حملات الفصل والاعتقال الجماعية في تركيا في إطار تحقيقات الانقلاب مخالفة للقانون والدستور.
من جانبها حاولت تركيا أن تظهر للقضاء البريطاني أنها تتعامل مع قضايا حركة الخدمة بشقافية ودون انحياز، وجاء في مراسلات وزارة العدل التركية إلى المحكمة البريطانية في تلك الوثائق والمستندات ما يلي:
– الأحكام الخاصة بحركة الخدمة قابلة للاستئناف والطعن فيها أمام مجلس الدولة. وقد تم إلغاء 40% من قرارات المحاكم المحلية منذ مطلع عام 2018، لأن الأحكام والعقوبات المعتمدة التي أصدرتها المحاكم المحلية استندت إلى تهمة “التعاطف مع حركة الخدمة والمتهم فتح الله كولن”.
– لا يمكن إدانة الأشخاص الذين يستخدمون تطبيق بايلوك للمحادثات الفورية (التي تزعم الحكومة التركية بأنه وسيلة تواصل الانقلابيين فيما بينهم -زمان التركية -) ما لم يستخدموه في أعمال يعتبرها القانون والدستور التركي محظورة وممنوعة.
– تمويل حركة الخدمة لا يكفي دليلاً على إدانة الشخص بالانتماء إلى هذا التنظيم.
– لا يمكن استناد قرارات وأحكام الإدانة إلى مجرد أقوال الشهود التي حصلت عليها الشرطة أثناء التحقيق أو أدلة أخرى، ويجب على المحاكم الاستماع إلى أدلة وأقوال المتهمين أيضًا. فهناك عديد من القضايا المرفوعة في هذا الصدد انتهت بعدم الملاحقة والبراءة.
وكما هو واضح مما ورد فيما أرسلته وزارة العدل التركية إلى القضاء البريطاني، فإن هذا اعتراف رسمي بأن جميع قرارات الملاحقة والاعتقال والفصل ومصادرة الممتلكات السابقة والمتخدة خلال فترة حالة الطوارئ في البلاد، بناءً على اتهامات، من قبيل استخدام تطبيق بايلوك وإيداع النقود في بنك آسيا المقرب لحركة الخدمة والدراسة في مدارسها والعضوية في جمعيتها وما إلى ذلك، مخالفة بصورة واضحة للقانون والدستور في تركيا، علمًا أن هذا النوع من العمليات لا تزال مستمرة إلى الآن.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على ازدواجية الحكومة التركية في التعامل مع المحاكم المحلية في تركيا والمحاكم الدولية في العالم، حيث تحاول إظهار نفسها وكأنها متوافقة مع القانون والدستور في تحقيقات حركة الخدمة.
وفي إطار تعليقه على مخاطبات وزارة العدل التركية للمحاكم البريطانية، قال الكاتب الصحفي والأكاديمي التركي المعروف “أمره أوسلو” “إن نظام أردوغان يستعد لبيع النواب العامين والقضاة الذين أصدروا قرارات الاعتقال والفصل، والتخلي عنهم، لتحميلهم مسؤولية تلك العمليات غير القانونية هروبًا من تبعات تلك القرارات الخاطئة”، وذلك في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر.
من جانبه قال رجل الأعمال التركي حمدي إكين إيبك في تصريحات صحفية عقب قرار المحكمة إن القرار يؤكد مرة أخرى أن القضايا في تركيا التي تصف حركة الخدمة بأنها “جماعة إرهابية” لا يستند إلى أدلة.
وأضاف إيبك أن القرار بمثابة نموذج للقضايا الأخرى في تركيا التي لا أساس لها عن الصحة.
وكانت تركيا قد شهدت منتصف يولي/ تموز 2016 محاولة انقلابية اتهمت السلطات التركية حركة الخدمة وملهمها فتح الله كولن بالوقوقف وراءها.
وأكدت الحركة على لسان الداعية كولن أنه لا علاقة لها بمحاولة الانقلاب، ودعت إلى تحقيق دولي فى أحداثها.