مواصلة التدبر في آياته: يتحدث الأستاذ عن القرآن قائلا إنه: “يَتطلَّبُ منا مواصلةَ التدبُّرِ في آياتِهِ؛ إذ لا بدَّ لنا أن نستفرغَ الجهد والطاقة حتى نستنبط من القرآن ما يتماشى مع متطلَّبات كلِّ عصرٍ، ولن يَـتَـأَتَّى فَهْمُ القرآن إلا بهذه الطريقة. وللإشارة إلى هذا المعنى يقول الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا اٰيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (سورة ص: 38/29)، فقوله تعالى: ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾ يعني تناوُلَ أيِّ أمرٍ من جميع جوانِبِهِ، والوقوفَ على كلِّ نقطةٍ من نقاطِهِ واحدةً تلوَ الأخرى، وإعمال الفكرِ فيه بإمعانٍ ورويَّةٍ. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يفيدُ أن أصحابَ العقولِ السليمةِ يستفيدون من القرآن بمثل هذا التفكُّر والتدبُّر، ويسبرون أغوارَه فيستخرجون منه حقائق دقيقةً ويكتشفون معاني عظيمةً عميقةً.
اتخاذ القرآن دستورا للحياة: يدعو الأستاذ إلى اتخاذ القرآن دستورا لحياة المسلم يضبط نفسه على أوامره ونواهيه وإرشاداته ونصائحه كي تسود حياته البركة وتنطوي على الخير: “إن القرآن روحُ الحياة، ولا تنطوي حياةُ الإنسان على الخير والبركة إلا بقدرِ ما يجعل القرآنَ الكريم دستورًا لحياته، ولا بركةَ في الحياة البعيدة عن القرآن، وبقدرِ ما تبتعِدُ الأمّة عن القرآن بقدرِ ما تَسُود حياتَها النميمةُ والإرجافُ، ويختل فيها النظام، وتعمّها الفوضى.”
تعلم القرآن وتعليمه: يدعو الأستاذ إلى العمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ”[1]، ثم يعقب على الحديث قائلا: “ويُفهَمُ من نصِّهِ على التعلُّمِ والتعليمِ التعمُّقُ في حقائقِ القرآن ودقائقه، فإذا كنا نريد أن نكون خيرَ الناس فعلينا أن نبذلَ الجهد في تعلُّمِهِ وتعليمِه، ونراجعَ التفاسير في هذا المجال، ونحاولَ سبرَ أغوار ما تفيده من الحقائق وما تُقدِّمُه من الدقائق، حتى نُثبِت للعالم أننا نهتمُّ بالقرآن، وإلا فالذين يتعاملون مع القرآن “عَلَى حَرْفٍ” -حَسَبَ التعبيرِ القرآني- لا يمكنهم الاستفادة من نوره وفيضِه كما ينبغي”.
احترام غيرة القرآن: يصف الأستاذ القرآن بأنه “غيور” ومن ثم يدعو إلى احترام هذه الغيرة بالعشق الصادق والمخلص للقرآن حتى تصير مجنون القرآن على حد تعبيره، حيث يقول: “إن القرآن -إن جاز التعبير- “غَيورٌ” لا يعطي شيئًا مما عنده للذين لا يعشقونه بصدقٍ وإخلاصٍ؛ فإذا أصبحتَ “مجنون القرآن” بكلِّ قلبِك ومَشاعرِك وأقبلْتَ عليه؛ فهو أيضًا سيُقْبِلُ عليك، وإلا فإن أخذتَ بالقرآن من الأطراف والحوافّ فلن يَكشِف لك أسرارَه؛ لأنّ هذا الكلام الإلهيّ لا يَعكسُ الأنوارَ والفيوضات إلّا على القلوب العاشقة التي تتوجَّه إليه بكلِّ كيانها، فإذا أنت لم تقرأه وتتعمقْ في فهمِ معناه فإنك ستُحرَمُ من فيوضاته وبركاته”.
قراءة القرآن والتزام نظامِه: يصف الأستاذ القرآن بأنه كنز إلهي، وبأنه معين الخير الذي لا ينضب ومن ثم :” فإذا تلوتَه بمهارة تليقُ بشأنه سموتَ إلى مستوى الملائكة، وإذا كنت مبتدئًا في ذلك ولا تُحسِنُ القراءةَ فلن تُحرَم أيضًا، بل ستؤتَى أجرَك مرتين”، كما عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف، وليس الأمر متعلقا بمجرد القراءة وإتقانها فقط بل لا بد من العمل به والتزام نظامه حتى يدخل في الصنف الأول الذي ذكره الرسول في الحديث الشريف الذي رواه الشيخان: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ…إلخ الحديث”، يقول الأستاذ تعقيبا على هذا الحديث: “فالرسول يُشَبِّه المؤمنَ الذي يقرأ القرآن بالأترجة ذات الطعم والرائحةِ الحسنتين؛ فلا بد للمؤمن من قراءة القرآن والتزامِ نظامِه، وإذا لم يفعل فهناك أنظمةُ حياةٍ لا يعرفها ستُضلُّهُ عن الطريق وتجرفُهُ عن المَسَارِ، وكلّما ابتَعَد عن القرآن سيبتعد عن الله من حيث لا يشعر، لأنّ القرآنَ موجِّهُ الإنسانِ ومرشدُه”.
الاختلاء بالقرآن في جنح الليل: شبه الرسول صلى الله عليه وسلم اَلْجَاهِر بالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بالصَّدَقَةِ وَالْمُسِر بالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بالصَّدَقَةِ”[2]. وهذا التشبيه مع بيانه لفضيلة تلاوة القرآن على الإطلاق حيث شبهه بالصدقة إلا أنه جعل فضل الإسرار أعلى وأرفع منزلة، لأنه أدعى إلى التأمل والتفكر والتدبر وتصحيح الوصل مع كلام الله عز وجل، يقول الأستاذ كولن في هذا: “وأما الاختلاء بالقرآن في جنح ظلام الليل فهو مِثْل الإسرار بالصدقة؛ فالمؤمن حينما يظفر بمثل هذا الخفاء، يبحث عن مكانه في القرآن ويحاول أن يجده فيه، فمن الأهمية بمكان بالنسبة للمؤمن أن يبحث لنفسه عن مكان له في القرآن حتى يضبط نفسه على منواله، فعمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب القرظي وكثيرون غيرهم كانوا يقرؤون القرآن طوال الليالي بهذا الشكل، وبلغوا بهذه الروح إلى أعماق القرآن ومعانيه الحقة”.
الأداء الجيد للتلاوة وحسن الاستماع مع التخيل: يبين الأستاذ الدور الهام الذي تؤديه التلاوة الجيدة لكتاب الله عز وجل التي تشتمل على الصدق والإخلاص في إضفاء الحياة على روح الإنسان وقلبه وأحاسيسه، كما يدعو إلى تفعيل دور الخيال أثناء الاستماع إلى هذه التلاوة المخلصة المتقنة حيث يقول: “والقرآن إذا تُلي بأداء جيِّدٍ صادقٍ أضفى الحياةَ على روحِ الإنسان وقلبِهِ وأحاسيسِهِ، وعلى الخصوص إذا استمَعَ الإنسان إلى القرآن متخيِّلًا أنّ دُرَر هذا الكتاب الكريم تتناثر من الفمِ المبارَكِ للرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه سيجدُ نفسه غارقًا في طمأنينةٍ لا حدَّ لها… وإذا ارتقى درجةً أعلى وتَخيَّل أنه يستمع إلى الفرقان بديعِ البيان من جبريل عليه السلام لحظةَ نزولهِ بِهِ غضَّا طريًّا من عند الله عز وجل، فإن الروحَ عند ذاك ستتنسَّمُ نسائمَ يَعِزُّ وصفُها… وفوق ذلك كلِّه أنْ يتخيلَ الإنسانُ أن ربَّ العزة يخاطبه مباشرةً وأنه يستمع إلى القرآن من المتكلِّم الأزليِّ سبحانه وتعالى الذي هو صاحب هذا الكلام -ولست أدري هل للقلب البشري طاقة لتحمُّل ذلك- فحينئذ ينقلبُ الإنسانُ إلى كائنٍ سماويّ.”
هذه النصائح السبع الثمينة هي خلاصة ما أودعه الأستاذ في مدخل حديثه عن القرآن بشكل عام وعن سورة الفاتحة بشكل خاص، تبين لنا الطريق الأمثل في التعامل مع كتاب الله عز وجل لكي يشعر الإنسان بالبركة العظيمة لهذا الكتاب الذي لا نظيرَ له في قدسيَّتِهِ وعُلويَّتِهِ، ولكي يدرك قدرته الفائقة في الاستجابة لكلّ حاجات بني الإنسان المادّيّةِ والمعنويّة.
بقلم/ صابر المشرفي