أنقرة (زمان التركية) – تناول الكاتب الصحفي والسياسي التركي السابق “ياشار ياكيش”، الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى بين عامي 2002 و2003، تداعيات التدخل التركي في شمال سوريا وشرقي الفرات .
لقد قدم الكاتب الخبير الذي قدم أداءً ناجحًا في علاقات تركيا السلمية مع جيرانها عندما كان وزيرًا للخارجية تحليلاً سياسيًّا للموقف التركي المتمثل في استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إعلان عزمه على شن عملية عسكرية في شرق نهر الفرات بسوريا لمنع تشكيل أي كيان كردي في هذه المنطقة، وذلك من خلال قصف مراكز قوات أكراد سوريا المنتمين لوحدات حماية الشعب الكردية انطلاقًا من الأراضي التركية أو شن غارات جوية أو دخول قوات تركية إلى سوريا، أو توليفة من كل هذه الأشياء.
وقال ياكيش في مقاله الذي حمل عنوان “تركيا أمام التقييم الصعب لعملية شرق الفرات” والذي نشره موقع “أحوال تركية” إن كانت تركيا ستمضي قدما في مثل هذه العملية، فإن الجيش التركي – وهو ثاني أكبر الجيوش في حلف شمال الأطلسي، سيكون في موقف يتخذ فيه إجراء ضد مجموعة عسكرية غير نظامية أو لا تمثل بلدا ما وهي تحالف قوات سوريا الديمقراطية. تلك القوات التي أنشاتها “الولايات المتحدة” في صورة تحالف يضم خليطا من السكان المحليين من العرب والتركمان والأشوريين والشيشان، بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، بغرض إعطاء الانطباع بأن التحالف لا يقتصر على الأكراد، لكن عماد هذا التحالف وقادته جميعهم من عناصر وحدات حماية الشعب الكردية”.
وأكد بعد ذلك أن تركيا لن تجد أي صعوبة في إرسال قوات عسكرية كبيرة بما يكفي لإلحاق الهزيمة بقوات سوريا الديمقراطية إن وجدتها الخصم الوحيد في منطقة شرق نهر الفرات.
ثم انتقل بالتحليل لدور الولايات المتحدة التي تملك قاعدة عسكرية ونحو 2000 جندي في منطقة شرق نهر الفرات.
وأفاد الكاتب أن قيام واشنطن في الوقت الحالي بإنشاء بنية تحتية لمنظومة دفاع جوي ربما يكون اللبنة الأولى لإنشاء منطقة حظر طيران، يليها إنشاء منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي في سوريا على غرار ما تم في شمال العراق.
وأضاف أن إنشاء منطقة حظر الطيران هذه وهدفها الأساسي هو حماية مقاتلي تحالف قوات سوريا الديمقراطية من الغارات الجوية التي تشنها قوات الحكومة السورية، ستوفر لتلك القوات الكردية في المنطقة الحماية من هجماتٍ مصدرها تركيا، وستمثل مشكلة خطيرة لتركيا على المدى البعيد.
يُذكر أن الدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة لتحالف قوات سوريا الديمقراطية بنحو ثلاثة مليارات دولار، يكفي إنشاء بنية تحتية دفاعية قوية تغطي المساحة التي تسيطر عليها هذه القوات في شرق نهر الفرات والمقدرة بحوالي 30 ألف كيلومتر مربع، وأن المسؤولين الأميركيين تحدثوا مرارا – وبطريقة لا لبس فيها – عن معارضتهم لأي عملية عسكرية تركية في هذه المنطقة.
ويتخوف الكاتب ياكيش من حدوث تطورات مخيفة يمكن أن تصل للاشتباك والمواجهة بين تركيا والولايات المتحدة إذ عجزت الأطراف عن حل هذه المشكلة.
ومن جانب آخر، يرى الكاتب أنه من الصعب توقع رد فعل الحكومة السورية على أي إجراء عسكري تركي محتمل، وربما تختار الحكومة السورية قتال الجيش التركي من خلال التعاون مع تحالف قوات سوريا الديمقراطية، وإن حدث ذلك فإن تركيا لن تواجه فقط هذا التحالف المدعوم من الولايات المتحدة، بل كذلك الجيش السوري المدعوم من روسيا.
ويجد ياكيش الحل المثالي لهذه المسألة المعقدة في أن تتوصّل تركيا وسوريا لاتفاق، بالنظر لتقاطع المصالح بينهما فيما يخص التعامل مع الأكراد في سوريا، وأن تحاولا معًا البحث عن طريق مشترك للخروج من هذه الأزمة.
ويتفق كثير من الخبراء في تركيا على هذا الحل القابل للتحقيق، إلا أن الحكومة التركية ترفض تغيير موقفها أو تقديم أي نوايا حسنة في التعامل مع دمشق.
ويتطرق ياكيش في مقاله إلى إيران أيضًا ويقول إنه لن يتعامل بلين مع تحالف قوات سوريا الديمقراطية، لعلاقاته مع الولايات المتحدة، كما أن وجود كيان كردي في شمال سوريا لا يتفق مع المصالح القومية لإيران.
ويذكر السياسي المعروف أن الحكومة التركية (قبل أن تفكر في القيام بأي عمليه عسكرية في شرق الفرات) بالوعد الذي قطعته باحترام سيادة الأراضي السورية، وهو وعد كرره كثير من المسؤولين الأتراك عبر السنين، وهو مسجل في وثائق العديد من الاجتماعات الدولية.
كما يتوقع أن تركيا في الفترة القادمة ستواجه ضغطا من المجتمع الدولي لسحب قواتها من جميع الأراضي السورية سواء من شرق الفرات أو من غربه والذي سيترتب عليه عودة الأكراد لمواقعهم الحالية، أو على الأقل لن تكون تركيا في موضع سيطرة، لكن الإرادة السياسية لحكام دمشق ستفصل إن كان الأكراد سيتحركون عائدين إلى مواقعهم الأولى.
ويختم ياشار ياكيش مقاله بضرورة مطالبة تركيا بتقييم خياراتها لمعرفة المكاسب والخسائر من أي عملية عسكرية، والوقوف على أي مخاطر لا يمكن تجنبها تتمثل في سقوط ضحايا عسكريين وتكلفة مالية، فقط من أجل دعم فريق صديق لتركيا لفترة مؤقتة في شرق نهر الفرات.