بقلم مايسترو
القاهرة (زمان التركية) – في إطار احتفالات مصر بمولد رسولنا ورسول الإنسانية محمد بن عبد الله شهدت مصر احتفالية رسمية ألقيت فيها ثلاث كلمات؛ الأولى لوزير الأوقاف والثانية لشيخ الأزهر والختامية لرئيس الجمهورية؛ فركز الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف على أهمية الفهم المستنير للسنة الصحيحة بما يتفق وتطورات عصرنا الحالي، وأكد فضيلة الإمام الجليل الدكتور محمد الطيب شيخ الأزهر على ضرورة التصدي بكل حسم لمحاولات النيل من السنة باعتبارها ركيزة أساسية للدين؛ حيث لا يمكن فهم الدين من خلال القرآن وحده، هذا وأشار الرئيس السيسي في كلمته إلى أنه سبق وكرر النداء بتجديد الخطاب الديني، وأكد على أن الإشكالية ليست في النصوص والثوابت، بل في سلوكيات المسلمين.. فكيف يحث الإسلام على الأمانة والصدق والرحمة ونرى في واقع سلوك المسلم عكس هذا !!! بما يفيد أنه على الدعاة وجميع المعنيين بعلم الإسلام أن تتوحد جهودهم لتغيير واقعي في سلوكيات المسلم، خاصة في مواجهة الفكر المتطرف.. وبهذا فكل متحدث وجه كلمته بما يتفق مع خدمة الإسلام والدفاع عنه، وإن اتسمت كلمة الرئيس السيسي بالواقعية؛ فحماية الإسلام من خطايا الفكر المتطرف لقلة قليلة من أنصاره أضحت ضرورة ملحة وعاجلة، فقد أساء المتطرفون والإرهابيون المسلمون للدين ولعموم أتباعه بشكل فاق كل تصور…
ولعل الدعوة لتجديد الخطاب الإسلامي أضحت ضرورة في زمن ما زال فيه متطرفون ينبشون في كتب تراثية تحمل أفكاراً تكفيرية، وينتقون منها ما يعزز دعواتهم المتشددة.. فيوجهون ـــ على سبيل المثال ـــ مفهومهم المغلوط للجهاد في الإسلام، والذي شُرِع أصلاً لرد العدوان، لمسار لا يتفق وصحيح الشرع، فيتبنون هذه الأفكار ويُـقنعون بها أتباعهم من محدودي الثقافة والفكر.. والمعضلة تتمحور في اعتقادهم أنهم على صواب، ويكفرون من يختلف معهم ويستحلون دمه وماله وعرضه؛ ولنتوقف هنا أمام كلمة الإمام الشافعي رحمه الله؛ حيث قال في معرض الاجتهاد “رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب”.
ولتصويب الفكر المتطرف، وهو أمر بالغ الصعوبة، فإن الأمر يتطلب منهجية علمية شاملة لتلك المواجهة، سنخص بالذكر في هذا المقال محوراً من أهم محاورها؛ ألا وهو المتعلق بإعداد أعضاء هيئات التدريس المنوط بهم تدريس علوم الإسلام، ولعل تركيز الاهتمام بهذه الفئة لما لها من مهام مؤثرة في فهم علوم الدين الإسلامي، فهم من يعدون الدعاة في الكليات التي تدرس تلك العلوم؛ ومنوط بهم تطوير تلك العلوم وفقاً لمتطلبات العصر، كما أنهم يَظهرون على كافة المنابر الإعلامية ويقدمون علمهم للكافة، هذا بجانب قيادتهم للمؤسسات الدينية؛ وهم أيضاً من يصنع التراث بمؤلفاتهم.. التي سيأتي عليها يوم وتصبح تراثاً لأجيال قادمة.
ونؤكد على أن تطوير الخطاب الديني يجب ألا يتم بشكل ثوري.. حتى لا تظهر ثورة مضادة تجاه جهود الإصلاح؛ فالأصوب هو تصحيح هذا الخطاب بشكل تدريجي قوي؛ منتظم؛ ومستمر.. ونرى أن أهم مسارات هذا التطوير إنما تتمثل في إعداد الخطط اللازمة ووضع آليات تطبقيها لدحض الفكر المتطرف؛ ولإدراك هذا الهدف نرى أن أهم محاور الارتكاز إنما تتمحور حول:
أولاً : تطوير الخطاب الديني في المدارس.
ثانياً : تطوير الخطاب الديني على المنابر الإعلامية.
ثالثاً : تطوير الخطاب الديني في مجال الدعوة للإسلام.
رابعاً : تطوير الخطاب الديني في المؤلفات بمختلف تصنيفاتها؛ وبالنسبة للأنشطة الفنية؛ وكذا في مجالات الفضاء الإلكتروني المختلفة.
خامساً : تطوير الخطاب الديني في الكليات والمعاهد التي تدرس علوم الإسلام.
وسنركز هنا على البند الأخير المعني بتطوير الخطاب الديني بالكليات التي تُدَرِّس علوم الإسلام، لتطوير فكر أعضاء هيئات التدريس بها؛ حيث يرتكز هذا التطوير على سند من قول المولى عز وجل «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (13 الحجرات). وأهم ملامح خطة التطوير إنما تتمحور حول استحداث منظومة جديدة للدراسات العليا؛ لعل أهم ملامحها تتمثل في المراحل الآتية:
* بعد تعيين المعيد عضو هيئة التدريس بالكلية؛ يتفرغ لمدة سنة أو سنتين ـــ حسب مستواه اللغوي ـــ لدراسة لغة أجنبية يختارها بنفسه.
* خلال السنة الثالثة يلتحق بأحد دبلومات الدراسات الإسلامية.
* يقدم الباحث مشروعاً مبدئياً للتسجيل للدكتوراه.
* يتم إيفاد الباحث لدولة أجنبية تتناسب مع اللغة التي يجيدها للحصول على دبلوم في أحد العلوم الإنسانية المرتبطة بموضوع رسالته: فلسفة، منطق، حقوق إنسان، المواريث والوصايا، أحكام الزواج، التاريخ… .
*يعود الباحث لوطنه لتعديل خطة بحثه المبدئية والتسجيل للحصول على درجة الدكتوراه من خلال دراسة علمية مقارنة.
ولعل سبيلنا لتجديد الخطاب الديني باستهداف النخبة التي تقوم بتدريس ونشر علم الإسلام إنما يرتكز على سياسة انفتاحية على العلوم والثقافات الأخرى، ليتحرروا من آفة ما يطلق عليه “استقطاب الجماعة” وهو نمط معهود في الجماعات التي تتشاور فيما بينها بشكل انعزالي؛ فالدراسات العلمية أثبتت أن المتطرفين البيض المتعصبين عرقياً سيظهرون تعصباً أشد في ظل استمرار تشاورهم المنغلق مع بعضهم البعض.. فالانعزال الفكري يؤدي إلى الاستقطاب، أي إلى التشدد أو الغلو، فالجماعات المنغلقة تربة خصبة للتطرف.. ونقصد بالانغلاق في هذا السياق الاقتصار في الدراسة على ما ورد فقط في كتب التراث الديني كمرجعية علمية. ولا أفضل لختام مقالنا هذا من الإشارة إلى أمر المولى عز وجل الذي ورد في كتابه الكريم «…لا تغلوا في دينكم… » (171 النساء)؛ وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم…».