القاهرة (زمان التركية)ــ وصف مقال للكاتب الصحفي “سمير إبراهيم” منشور في صحيفة (الأهرام) المصرية، تركيا بأنها باتت في عهد النظام الرئاسي الذي صممه الرئيس أردوغان لنفسه “معزولة” عن العالم، بسبب “رهانات” الرئيس التركى ومجازفاته، فباتت تعاني من من حصار أمريكى ورفض أوروبى وموقف عربي.
وجاء في المقال: قبل ٢٤ يونيو ٢٠١٨ كانت تركيا تعمل بشغف ودأب على توسيع رقعة علاقاتها الخارجية فى كل اتجاه اعتمادا على نجاح سياسة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان طوال ١٦ عاما فى كسب ثقة الشارع التركى عبر الإنجازات الاقتصادية فى الداخل تارة، وارتفاع سعر أنقرة دوليا من خلال مواقفها العلنية فى قضايا وأزمات إقليمية كبرى كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال تارة أخرى.
وحاول أردوغان المزايدة على هذه الأوراق لتمهيد الطريق نحو احتكار السلطة فى تركيا والانفراد بامتيازاتها وصلاحياتها. ولكن جاءت اللحظة الفارقة فى المشهد بعد ٢٤ يونيو، حيث موعد إجراء الانتخابات الرئاسية لتجديد شرعية أردوغان الذى تحدى الجميع والأعراف الدولية بتمرير التعديلات الدستورية فى ٢٠١٧ لتحويل البلاد من النظام البرلمانى إلى الرئاسي، وتلا السيناريو المرسوم الإعداد لانتخابات رئاسية لحصول الرئيس على ولاية جديدة يتمكن بها من امتلاك مفاتيح الحكم والسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة.
وبالفعل، نجحت الخطة، وأحكم الرئيس التركى قبضته الحديدية على السلطة رغم فوزه بنسبة ٥٣٪ فقط من أصوات الناخبين، ليصبح أول “رئيس تنفيذي” منتخب شعبيا ويحصل على “تفويض رسمي” بإدارة سياسات الدولة دون شريك مثلما كان الحال فى الماضي.
وبات من المؤكد أن هذا التحول الشامل فى المنظومة السياسية التركية مقدمة منطقية لنتائج وخيمة بدأت أنقرة موسم حصادها تحت حكم أردوغان محليا ودوليا.
وإذا كان نظام أردوغان قد جنى من “فرماناته” تراجع سعر الليرة التركية واهتزاز الاقتصاد نتيجة قراراته المغامرة وتورط بطانته الحكومية فى قضايا فساد وتربح واستغلال نفوذ، فإن المسألة تجاوزت حدود خسائر الداخل وفرضت حالة من الحصار السياسى والتجارى حول تركيا، لتُفاجَأ بأنها – فى عهد أردوغان الجديد – “معزولة” عن العالم، ولكنها عزلة اختيارية ارتضتها لنفسها من واقع “رهانات” الرئيس التركى ومجازفاته.
فالعلاقات الأوروبية التركية حاليا فى أسوأ حالاتها نظرا لأن أردوغان ضحّى بـ”حلم” الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى مقابل شراهته للسلطة، والالتحاق بالاتحاد مشروط بإجراء إصلاحات ديمقراطية جذرية واستعادة كاملة لسيادة القانون واحترام الحريات على كل المستويات، وكلها مواصفات لا تنطبق على النموذج التركى مع تفشى حملات الاعتقال والقمع الأمنى ضد رموز وقيادات الدولة فى الشرطة والجيش والقضاء والإعلام، فضلا عن أحزاب المعارضة، وذلك بهدف التطهير وكسر شوكة التيارات المضادة لحكم وسياسة “العدالة والتنمية”.
وفى ظل هذه المعطيات، اقتصرت العلاقات مع أوروبا على معاملات روتينية لا تغطى سوى عدد قليل من المجالات ذات الاهتمام المشترك، على الرغم من أن الجانب الأكبر من “وقود” الاقتصاد التركى مُستمَد من التمويل الأوروبى لمشروعات واستثمارات الداخل بتغطية تصل إلى ٢٥٠ مليار دولار فى العام الواحد. وارتبطت تحركات أردوغان لنيل أهدافه بـ”ألاعيب سياسية” مارسها مع الولايات المتحدة فى “حزمة” أزمات معقدة أبرزها الملفان السورى والعراقى وفتح جبهة أخرى للتضامن مع قطر فى ظرف الحصار الخليجي، وما كان لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الرد على خطوات أردوغان إلا بتصعيد حرب العقوبات التجارية على نحو أزعج المواطن التركى عندما استيقظ على هروب المستثمرين الأجانب وانخفاض حاد للأسهم التركية فى البورصات العالمية، وبالتالى اختل الميزان الاقتصادى لتركيا بصورة أفقدت قطاعات كبيرة من الشعب التركى الإيمان بمصداقية أردوغان ونظامه، وبدأت دروس المراجعة والمحاسبة.
هكذا تجمعت أسباب العزلة من حصار أمريكى ورفض أوروبى وموقف عربي، لتضطر تركيا إلى الارتماء فى أحضان حلفاء قدامى مثل قطر وإيران أو كتابة عقد جديد مع الدُب الروسى الساعى لأى فرصة مواجهة ضد المارد الأمريكي.
واقتصاديا، اتجه نظام أردوغان نحو صندوق النقد الدولى لسرعة إنقاذ دولته من الانهيار الوشيك نتيجة أسلوب الرئيس المُصر على سياسات نقدية متهورة فى إدارة أصول وبنوك تركيا، مما انعكس سلبا على وضع الكثير من المؤسسات والكيانات المالية فى أنقرة.