بقلم: بولند كوروجو
اعتقل رجال الشرطة الذين يتولون تنفيذ الإجراءات القضائية في تحقيقات الفساد والرشوة منذ 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي في تركيا.
إن النيابة العامة التي تمارس عملها تحت سيطرة حكومة حزب العدالة والتنمية تستخدم التحقيق في أنشطة منظمة” السلام والتوحيد” ،الذي وافقت المحكمة العليا على وجودها في وقت سابق، كستارٍ من أجل إثبات أن موجة الاعتقالات الجديدة لا تستهدف مسؤولي الشرطة، الذين يتولون التحقيق في قضية الفساد والرشوة، والذين توجه إليهم الحكومة تهمة التجسس، وتزعم النيابة العامة أنهم يتنصتون على العديد من الأشخاص بشكل غير قانوني، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وبعض الوزراء، في إطار التحقيق في قضية منظمة السلام والتوحيد بُغية نقل معلومات لجهاز مخابرات إحدى الدول الأجنبية (التي لم يذكر اسمها إلى الآن).
ومن المعروف أن تنظيم السلام والتوحيد الذي تربطه علاقة بإيران قد ارتكب العديد من الجرائم وعمليات الاغتيال في تركيا.
والآن تعالوا لنشرح لماذا هذه الاعتقالات مخالفة للقانون، ولماذا تعتبر بمثابة جريمة بحق هؤلاء المسؤولين الأمنيين
المدعي العام هو الذي يدير عمل رجال الشرطة أثناء تنفيذهم الإجراءات القضائية، وقد أجريت عمليات التحقيق في قضية الفساد والرشوة الأخيرة وأنشطة منظمة السلام والتوحيد بتعليمات صادرة من المدعي العام، بل من القاضي، وإذا كان ثمّة جريمة أوانتهاك للقانون، فإن المسؤول ليس رجال الشرطة، بل إن المدعين العامين والقضاة الذين أصدروا الأوامر هم المسؤولون، هذا فضلًا عن أن المدعي العام المسؤول عن ملف منظمة السلام والتوحيد عدنان تشيمن كان قد قال إنهم يتعقبون هذه المنظمة بقرار صادر عن ما يقرب من 10 قضاة من محاكم مختلفة، وإن تنفيذ الإجراءات في هذه القضية سهل، كما أن اختيار رجال الشرطة الذين عُزل معظمهم من مناصبهم عقب الكشف عن فضيحة الفساد الأخيرة ككبش فداء يقوِّي فرضية أن هناك مساعي لتشكيل الوعي وإيجاد صورة ذهنية جديدة وتثبيتها، والآن نشهد تغيير أجندة الرأي العام من أجل التقليل من آثار الضغوط الناجمة عن سياسة أنقرة إزاء إسرائيل والعراق وسوريا على الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى أدنى حد ممكن
كانت التهمة الوحيدة الموجّهة إلى مسؤولين الشرطة اعتبارًا من 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي تدور حول عدم إخطار الشرطة رؤساءهم الإداريين بالعملية المزمعة، وما كانت السرّية إلا دعامة واهية اختُلقت لدعم ادعاءات الانقلاب التي تروج لها الحكومة، حتى إن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش كان أدلى بتصريح قال فيه: “هل يمكن أن يكون هناك شيء أقسى من أن يعلم وزير داخلية نبأ اعتقال ابنه من التليفزيون؟” ،وشهدت الفترة التالية على هذه الواقعة تغيير اللوائح الخاصة بالإجراءات القضائية حتى يكون الإخطار قبل البدء في تنفيذ العملية إجباريًا، غير أن القانونيين أكدوا أن هذا الإخطار يعد جريمة، كما أوقف مجلس الدولة تنفيذ هذا التعديل، وكان هذا القرار بمثابة تبرئة لرجال الشرطة من أعلى جهة قضائية في الدولة
تتواصل التحقيقات في قضية الفساد والرشوة الأخيرة من جانبين، حيث إن التحقيقات تتواصل من قِبل المدعين العامين المنتسبين لمحكمة الدرجة الأولى، وكذلك البرلمان الذي يمتلك سلطة التحقيق مع الوزراء، ولا يمكن بأي حال القيام بأي إجراء آخر بخلاف ما يجري في هذه التحقيقات قبل أن ينتهي التحقيق ويسفر عنه نتيجة قانونية معتبرة، لكن هذا الإجراء (عملية الاعتقالات) الذي أقدم عليه المدعي العام يقيِّد إرادة لجنة البرلمان واللجنة العامة التي ستصدر القرار الملزم لاحقًا والتي لم تبدأ العمل حتى الآن، والآن دعونا من القانون، فكيف ستثبتون انتهاكات رجال الشرطة، هؤلاء، قبل أن تسفر التحقيقات في قضية الفساد عن نتيجة بحسب ما تلزم به اللوائح المكتوبة؟ ويبدو أن هذا هو سبب إنهاء تحقيقات قضية منظمة السلام والتوحيد على عجالة بقرار عدم لزوم المتابعة، لاستخدامها كوسيلة شرعية – بحسب زعمهم – لإطلاق حملة الاعتقالات
من الواضح أننا أمام عملية اعتقال قسري نفذت بتعليمات أو قل حتى بضغط من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي لا يشعر بجاحة إلى إخفاء هذا، بل تحدث عن ذلك في مناسبات عدة، حيث قال: “والآن ستبدأ العملية القضائية، وسينفذ قضاة الصلح والجزاء هذه المهمة.. هناك بعض التعديلات القانونية التي قمنا بها، تنتظر موافقة رئيس الجمهورية الذي عندما يوافق عليها ستتسارع خطواتنا.. نحن نطوِّر مشروعًا، وعندما ننتهي منه ستتسارع الإجراءات، وسنرفع عليهم مئات بل آلاف الدعاوى”. كما أن قرار اعتقال رجال الشرطة صدر عن قاضي الصلح والجزاء “خلوصي بور” الذي عُيّن قبل عدة أيام في هذا المنصب، فنحن الآن أمام انتهاك صارخ لمبدأ المحاكمة العادلة النموذجية، وبالطبع إخلال بمبدأ ضمانة القاضي الطبيعي.