تقرير: محمد عبيد الله
نيويورك (زمان التركية) – “بايلوك”..! وما أدراك ما بايلوك؟! إنه مجرد تطبيق للمحادثة الفورية، إلا أن السلطات في تركيا تعتبر سابقة استخدامه دليلاً كافيًا لاتهام الناس بالانتماء إلى تنظيم إرهابي، وإنزالِ أحكام عليهم بالفصل والاعتقال بل الحبس المؤبد!
بايلوك هو أهم دليل تستند إليه حكومة العدالة والتنمية التركية في اتهامها لحركة الخدمة التي تستلهم فكر الداعية فتح الله كولن بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز / يوليو 2016، ونفذت بموجب ذلك عمليات اعتقال وفصل ومصادرات جماعية أطلقت في أعقاب المحاولة وطالت مئات الآلاف من المواطنين.
كما أن هذا التطبيق هو السند الوحيد الذي تعتمد عليه السلطات القضائية في تركيا حاليًّا وتستمر في إصدار قرارات فصل واعتقال بحق مواطنين مدنيين، بينهم عشرات الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال، بتهمة المشاركة في الانقلاب أو الصلة بحركة الخدمة، على الرغم من مرور أكثر من عامين على الانقلاب الفاشل.
“لا يمكن اعتباره جريمة”
الأمم المتحدة أصدرت من جانبها تعقيبًا في 18 أكتوبر / تشرين الأول 2018 حول هذا التطبيق، بعد التدقيق والتحقيق في شكوى تقدم بها مواطن تركي يدعى “مَسْتان يايمان”، أكدت فيه أن كل الأحكام القضائية والإجراءات المتخذة من فصل واعتقال ومصادرة على أساس استخدام تطبيق بايلوك مخالفة للقانون، وأن مجرد استخدامه لا يمكن اعتباره دليل إدانة إن لم تكن هناك أدلة إدانة أخرى.
وعلى الرغم من أن السلطات التركية تصف بايلوك بـ”التطبيق المشفر للرسائل النصية”، وتضفي عليه أسرارا في نظر الرأي العام، بهدف توجيه الاتهامات العشوائية للمواطنين بكل سهولة، إلا أن الرأي الذي أصدره “فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي” في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت وصف التطبيق بأنه “تطبيق عادي للمحادثة”، وأن المراسلة وتبادل الأخبار والمعلومات والآراء من خلاله تقع ضمن “حرية التفكير والتعبير عن الآراء”، ولا يمكن اعتباره جريمة.
واعتبر الفريق الأممي الإدانة بسبب استخدام بايلوك مخالفًا للمادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان -التي تركيا طرف فيها- والذي ينص على أن “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية”.
ومع أن الحكومة التركية قدمت لفريق الأمم المتحدة في 7 يونيو/ حزيران 2018، الأسبابَ التي تقتضي قبول استخدام تطبيق بايلوك دليل إدانة، بحسب رأيها، والأحكامَ القضائية التي أصدرتها المحاكم التركية، لكن الفريق رفض كل هذه الحجج وقضى بأن استخدامه لا يشكل أي جريمة، ولا يمكن إجراء محاكمات بالاستناد إلى الاداعاءات التي يتم الحصول عليها عن طريق الوصول إلى مراسلات المستخدمين عبر التطبيق.
ومن اللافت أن فريق الأمم المتحدة انتهى إلى أن استخدام بايلوك لا يمثل جريمة بمفرده، دون الشعور بالحاجة إلى التدقيق في موضوع حصول السلطات التركية على المعطيات الخاصة بتطبيق بايلوك عن طرق غير قانونية، وعدم إمكانية الوثوق في صحتها، بل قضى بأن إجراء المحاكمات استنادًا إلى بايلوك مخالف للقانون ولو كانت المعلومات المتحصلة صحيحة ما لم تثبت أدلة إدانة أخرى.
انقر لتحميل النسخة الأصلية لقرار الأمم المتحدة
تعويضات كبيرة
لقد سجل الفريق الأممي من خلال هذا الرأي أن تركيا، التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان، شهدت انتهاكات كثيرة في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت بحجة التصدي للانقلاب الفاشل، ثم أصبحت وسيلة لإصدار قرارات مخالفة للدستور والقانون، وذلك بالاعتماد على أحكام “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي تبنته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” (1966) الذي تركيا طرف فيه أيضًا.
وفي إطار تعليقه على قرار الأمم المتحدة، أشار المحامي التركي المعروف نور الله ألبايراق إلى أن المحكمة الدستورية، وكذلك المحاكم الأخرى في تركيا، بالإضافة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ستضع هذا القرار نصب أعينها وستصدر أحكامًا تقرّ بحدوث انتهاكات في عمليات الاعتقال والفصل القائمة على أساس تطبيق بايلوك، لافتًا إلى أن المتضررين من هذه العمليات سيحصلون على تعويضات كبيرة في المستقبل.
جدير بالذكر أن المخابرات التركية أعلنت بشكل رسمى في وقت سابق “أن الوثائق والمعلومات الاستخباراتية التى تقدم للمؤسسات المعنية، والتى تعد عقب تقييم وتفسير الوثائق والمعلومات التى تأتي إلى جهازنا من مصادر مختلفة لا يمكن استخدامها كأدلة قانونية”، الأمر الذي يدل على أن جميع عمليات الاعتقال بتهمة «استخدام تطبيق بايلوك» تعسفية وغير قانونية، حتى لو كانت المزاعم الواردة حوله صحيحة، ذلك أن هذه المزاعم مصدرها المخابرات التركية، غير أن السلطات القضائية تتغاضى عن هذه الحقيقة في ظل تعرضها لضغوط من السلطة السياسية.
جهاز الاستخبارات يُقر بالخطأ
وكان خطاب أرسله جهاز الاستخبارات التركي في 27/05/2017 إلى وزارة العدل اعترف بحدوث خطإ كبير في البيانات الخاصة بمستخدمي تطبيق بايلوك، محذرًا من أن القائمة الخاصة بمستخدمي التطبيق قد تكون غير دقيقة، بسبب إمكانية مشاركة الإنترنت مع الآخرين عن طريق الشبكات اللاسلكية “واي فاي”، إلا أن الوزارة اكتفت بإرسال نسخة من هذا الخطاب إلى محاكم الجنايات المختصة في تاريخ 13/07/2017 فقط، من دون تصحيح الأخطاء الواردة في هذا الصدد بشكل دقيق، وإزالة المظالم التي تعرض لها عشرات الآلاف من المواطنين وتعويضهم. وبعد ظهور هذا “الخطأ” أقبلت المحاكم المشرفة على قضايا الانقلاب الفاشل على إصدار قرارات الإفراج عن آلاف المعتقلين والمعتقلات بتهمة استخدام هذا التطبيق، وأوضحت السلطات أن هناك حوالي 12 ألف شخص تم اعتقالهم بالخطأ!
من جانب آخر، كشف المحامي الشهير “مراد آكّوتش” عن مبادرة جهاز المخابرات إلى إخراج 278 ألف شخص من قائمة مستخدمي “بايلوك” البالغ عددهم 493 ألف و512 شخصًا وفق قائمة المخابرات دون اتباع أي معيار موضوعي، وهو أمر يكشف أن الأسماء الواجب اعتقالهم أو فصلهم من مؤسسات الدولة تم تحديدهم من قبلُ طبقًا لقوائم التصنيفات الأيديولوجية المعدة مسبقًا على نحو لا يشمل الوزراء ونواب وأنصار الحزب الحاكم.