بقلم مايسترو
في صباح السبت الموافق 27 أكتوبر الماضي، وأثناء وجود رواد الكنيس اليهودي “شجرة الحياة” الواقع في منطقة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ارتُكبت جريمة نكراء؛ حيث اقتحم شخص مسلح بأسلحة نارية بوابة الكنيس وفتح النيران في مواجهة رواده، وأسفر الهجوم عن قتل 11 يهودياً و12 مصاباً، وأفاد بعض الناجين بأن المهاجم كان يصيح أثناء الاعتداء مردداً “الموت لكل اليهود”، ثم تعامل بالنيران مع قوات الشرطة وأصاب ثلاثة منهم قبل أن يُصاب ويتم القبض عليه، وتبين من الفحص أن المتهم يُدعى “روبرت باورز” 48 سنة، يميني متطرف.
روبرت باورز
واليمين المتطرف ـــ سواء في أوربا أم أمريكا ـــ تزايدت أنصاره خاصة في ظل انتشار جرائم التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة، إضافة لتزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين النازحين لأوربا.. وجانب من هذا اليمين المتطرف إرهابيون لا يقلّون خطورة عن عناصر التنظيمات المشار إليها، فهم لا يقبلون الآخر بشكل عام، فيكرهون اليهود والمسلمين وغيرهم…
ولقد تابع العالم يوم الجمعة 2 نوفمبر الجاري جريمة نكراء على شاكلة جريمة روبرت باورز؛ حيث هاجم إرهابيون حافلة تقل مسيحيين بالقرب من كنيسة الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا بصعيد مصر، واستشهد على أثر الاعتداء سبعة من المسيحيين وأصيب سبعة آخرون.. حقاً لقد أساء المتطرفون على شاكلة داعش وأمثالهم.. للدين الإسلامي أكثر مما أساء أعداؤه له، ويدعون أنهم حماة الدين.. !!! وهم؛ أي أصحاب الفكر المتطرف سواء المنتمون منهم للتنظيمات الإرهابية كداعش أم لليمين المتطرف في أوربا وأمريكا لا يقبلون الآخر بشكل عام.. فكل من ليس معهم ضدهم، لذا بات أمر المعالجات الفكرية ضرورة ملحة.
وعلق الرئيس الأمريكي ترامب على الواقعة بالإدانة ووصفها بالإرهاب، كما رأى أنها من جرائم الكراهية وتمثل معادة للسامية..! ونرى أن الأصوب في الوصف أنها ليس فقط مُعادية للسامية بل هي “مٌعادية للإنسانية” من باب أولى، هذا وتزامن الجرم مع واقعة أخرى هزت الولايات المتحددة الأمريكية، تتمثل في إرسال طرود بريدية مفخخة لقيادات ورموز وأنصار الحزب الديمقراطي: أوباما، هيلاري كلينتون، ومكتب CNN بنيويورك، والممثل روبرت دى نيرو، والملياردير جورج سوروس، وجون بايدين نائب الرئيس الأمريكي السابق.
سيزار سيوك مرسل الطرود الملغمة يميني متطرف
وأشارت أجهزة إعلام أمريكية إلى أن شرطة نيويورك بصفة خاصة شددت الحراسات على المعابد اليهودية في المدينة على خلفية هجوم بيتسبرغ.. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سبق ونوه للرئيس المصري عقب اعتداء إرهابي على كنيسة مصرية بالإسكندرية إلى استعداد أمريكا للقيام بحماية الكنائس والمسيحيين المصريين من الاعتداءات الإرهابية!
هذا وصرح الرئيس ترامب بأن المتهم روبرت باورز يستحق عقوبة الإعدام، ولم تجرؤ منظمة العفو الدولية أو أي منظمة حقوقية أخرى من المناهضين لعقوبة الإعدام في أوربا وأمريكا الاعتراض على تصريح الرئيس المشار إليه! كما هو حال هذه المنظمات عندما تَصدر أحكام بالإعدام في دول عربية.. لذا سنلقي بعض الضوء على هذه العقوبة على التفصيل الآتي بيانه:
* ألغى الاتحاد الأوربي عقوبة الإعدام، بينما العقوبة مقررة في 32 ولاية والحكومة الاتحادية أمريكية.
* الدولة العربية الوحيدة التي ألغت عقوبة الإعدام في قانونها هي جيبوتي عام 1995، بينما تم تعليق تنفيذ العقوبة في تونس من تسعينات القرن الماضي.
* ألغت تركيا عقوبة الإعدام في 2004؛ ووقعت البروتوكول الـ 13 لاتفاق حقوق الإنسان الأوروبي والذي يتضمن إلغاء عقوبة الإعدام من الدستور حتى في حالات الحرب، وقتها كان أردوغان يشغل منصب رئيس الوزراء، وكان يطمح بالطبع بانضمام تركيا للاتحاد الأوربي، ثم تأكد له بعد زمن ـــ لضعف في رؤيته السياسية ـــ أن استراتيجية هذا الاتحاد تتعارض وضم بلاده للاتحاد؛ ولقد بدت الصورة واضحة له بجلاء بعد أحداث الربيع العربي 2011، ثم تأكدت أكثر وأكثر بمحاولة الانقلاب الفاشلة على حكمه في يوليو 2016؛ كما صرحت له بهذا وبشكل قاطع ميركل المستشارة الألمانية؛ فتحول لمحيط تركيا الإسلامي كبديل للمحيط الأوربي ولكن كان تحركه تنقصه البصيرة السياسية والفهم الواعي لآليات وأدوات هذا التقارب؛ فاحتل جزءاً من الدولة السورية بحجة مقاتلة داعش وأسماها “غصن الزيتون” استهدف من خلالها الأكراد بوحشية بالغة؛ وتوغل أيضاً في العراق..!
* وفقاً لمنظمة العفو الدولية ففي خلال عام 2016 تم تنفيذ: عدد 20 حكماً بالإعدام في الولايات المتحدة الأمريكية؛ 44 حكماً في مصر؛ 154 حكماً بالمملكة العربية السعودية؛ 567 في إيران؛ وأكثر من 1000 حكم في الصين.
وإنه لجدير بالذكر الإشارة إلى موضوع مرتبط بالإعدام ألا وهو الاستخدام غير المشروع للقوة من قبل الشرطة في مواجهات أمنية، وهو يعد إعداماً بلا محاكمة.. وفي غالب الأمر يعاقب الشرطي على الجرم الذي ارتكبه، ونجد أن معدلات هذه الجرائم عالية في دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية.. بل وحيث تلغى عقوبة الإعدام فإن الشرطة قد تتعمد في بعض المواجهات إلى قتل المجرم رغم إمكانية القبض عليه حياً ومحاكمته؛ ولنعرض مثالاً لهذا، ما قامت به الشرطة الفرنسية من قتل للإرهابي محمد مراح عام 2012؛ وهو من قتل سبعة فرنسيين (ثلاثة عسكريين، وأربعة يهود أمام مدرسة يهودية).
محمد مراح
فبعد تحديد الأمن لمكان اختبائه في شقة بإحدى البنايات، قامت قوات أمن النخبة بعزل الموقع ومحاصرته بشكل كامل، وحاولت مجموعة أمنية اقتحام الشقة للقبض عليه إلا أنه واجهها بالنيران ومنعها من الاقتحام؛ وكان يمكن للشرطة بمنتهى السهولة ـــ ودون ما حاجة لاقتحام الشقة لما يكتنفه من مخاطر ـــ إطلاق قنبلتي غاز مسيل للدموع داخل الشقة الموجود بها الإرهابي، وإجباره بهذا على الخروج منها، ثم التعامل معه من خلف ستار لإصابته والقبض عليه..!!! إلا أن الشرطة ظلت تحاصر المكان حتى ظهر وجه الإرهابي يطل من إحدى نوافذ الشقة المتحصن بها فتم قنصه على الفور بطلقة في الرأس أردته قتيلا.. ورغم أن الموقف يمثل تعاملا مع إرهابي مسلح إلا أن المبدأ الذي ندرسه في المعاهد الشرطية للمتدربين بشأن ضوابط استخدام الشرطة للسلاح هو: يجب أن يكون استخدام السلاح هو الوسيلة الوحيدة لتنفيذ الواجبات الأمنية.. فهل كان في مقدور الشرطة الفرنسية القبض على المتهم دون قتله أم لا؟؟؟ إذا كانت الإجابة بنعم فقد قُتِل خارج نطاق المشروعية.
وفي نهاية المقال فإن الحديث عن عقوبة الإعدام يحتاج لمزيد من التفصيل لإلقاء الضوء على جوانبه المختلفة.. خاصة وأن منطقة الشرق الأوسط تموج بتحديات أمنية خطيرة ناشئة عن مواجهات لتنظيمات إرهابية تتمركز في المنطقة، مما يجعلنا أمام أحد أمرين: الأول مواجهة مسلحة ينتج عنها تصفية العناصر الإرهابية، أو محاكمات عادلة للإرهابيين حال القبض عليهم؛ وهنا ينال الكثير منهم ـــ حال الإدانة ـــ أحكاماً تصل للإعدام. وللحديث تكملة إن كان في العمر بقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تم بحمد الله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ