بقلم: علي أصلان
لا شك أن من أصعب مواقف الوحدة والعزلة التي يتعرض لها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان هو تخلي صديقه القديم، الرئيس الأمريكي باراك أوباما عنه، فالحكومة التركية في أنقرة تبذل جهوداً حثيثة وتجري اتصالات مكثفة مع البيت الأبيض من أجل الحصول على موعد واحد لإجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي، لكن كل هذه الاتصالات لاتجدي نفعاً في تحقيق المبتغى، وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية تخصص أوقات عمل إضافية لمتابعة التطورات الأخيرة للأوضاع في العراق، إلا أنها تفرض حظراً على إجراء محادثات تليفونية مع أردوغان؛ كعقوبة له على “تحوّله إلى الهيمنة والاستبداد”.
المدنيون والأبرياء دائمًا هم ضحايا الحروب والصراعات؛ فقد أدى حادث طائرة نقل الركاب الماليزية التي راح ضحيتها ما يقرب من 298 من المدنين الأبرياء العزّل جراء تعرضها لهجومٍ صاروخي أثناء مرورها في المجال الجوي الأوكراني، إلى حدوث زلزال وألم عميق في الضمير الإنساني في مختلف أنحاء العالم، كما سقط عشرات الشهداء في صفوف المدنين الأبرياء العزّل خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إلا ان تصرفات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ومحاولاته التستر على فضائح الفساد والرشوة التي ظهرت في الفترة الأخيرة منذ 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومحاولته الاستعانة بحملات التشويه والدعاية السوداء التي لم يستطع خداع طبقة عريضة من الشعب التركي بها، قضت على ما تبقى من آمالنا وطموحاتنا في هذا المضمار، فحتى الأبرياء هنا أيضًا يتضررون من سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي لا يضع في الاعتبار حقوق الإنسان أو قواعد الديمقراطية. [/box][/one_third]
كنّا نأمل جميعًا في أن تكون تركيا جزيرة للسلام والطمأنينة وسط منطقة مضطربة وموبوءة بالمشاكل، ومع أننا كنا قطعنا شوطاً كبيراً في تحقيق هذا الحلم والوصول إلى هذه الغاية، إلا ان تصرفات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ومحاولاته التستر على فضائح الفساد والرشوة التي ظهرت في الفترة الأخيرة منذ 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومحاولته الاستعانة بحملات التشويه والدعاية السوداء التي لم يستطع خداع طبقة عريضة من الشعب التركي بها، قضت على ما تبقى من آمالنا وطموحاتنا في هذا المضمار، فحتى الأبرياء هنا أيضًا يتضررون من سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي لا يضع في الاعتبار حقوق الإنسان أو قواعد الديمقراطية.
إن من يحوِّلون مؤسسات الدولة إلى مقراتٍ لحملات الكره والتشويه، أعماهم حبُّ السلطة وأسدل غمامةً سوداء على أعينهم لدرجة أنهم يعجزون عن إدراك مدى انحطاطهم ودناءتهم بإرتكابهم الظلم في حق مواطينهم، وبينما كان أردوغان يستهدف حركة الخدمة أمام أعضاء البعثات الدبلوماسية دون الاستناد إلى أي دليل، خلال مأدبة إفطار أقامها يوم الثلاثاء الماضي، لم يدرك أنه كان يوجه الضربة إلى سمعته مرة أخرى لا إلى حركة الخدمة. يا تُرى، كم عدد الدبلوماسيين الذين يأخذون هذا الأمر على محمل الجد؟
السيناتور جون ماكين ورد فعله تجاه أردوغان
في اليوم الذي كان يردد فيه أردوغان ادعاءاته وحملات الكراهية والتشويه أمام أعضاء البعثات الدبلوماسية، كان السناتور الأمريكي جون ماكين يمارس الضغط على جون باس، المرشح لشغل منصب السفير الأمريكي في أنقرة، أمام مجلس الشيوخ، ليقول إن أردوغان تحوَّل إلى طريق الاستبداد والقمع، وكان ماكين ينتظر خلال جلسة المصادقة على تعيين باس في تركيا، سماع ذلك، وهدده بوقف تعيينه في حالة قوله عكس ذلك.
وعلى من يريد أن يطّلع على الصورة الحقيقية لرئيس الوزراء أردوغان أمام دول العالم الديمقراطية أن يشاهد فيديو هذه الجلسة لمعرفة حقيقة نظرة العالم إليه وإلى سياساته.
إن القناعة السائدة لدى الإدارة الأمريكية هي أن أردوغان في طريقه للالتحاق بنادي زعماء العالم المستبدين، لكن لا يتم التعبير عن هذا صراحةً خشيةَ تضرُّر العلاقات مع الجمهورية التركية التي تتمتع بمكانة إستراتيجية مهمة لدى أمريكا، وهذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها مثل هذه التصريحات من مسؤول أمريكي رفيع المستوى نتيجة للضغط الذي تعرض له السفير الجديد من قبل السناتور الديمقراطي جون ماكين.ثم خرجت علينا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين بساكي،بموجب الاتساق والتوافق في الإدارة الأمريكية، معلنة دعمها لكلمات السفير الجديد.
على الحكومة التركية أن تجلس وتضع يدها على خدها وتفكرَ لماذا تخلى صديقها القديم السيناتور الأمريكي ماكين عنها، ولماذا يغضب من رئيس الوزراء أردوغان إلى هذا الحد؟ وإذا كان ماكين يدرك أن السفير الأمريكي الجديد سيواجه صعوباتٍ في أداء عمله بأنقرة بعد تصريحاته الأخيرة حول انتهاج أردوغان طريق الاستبداد، فلماذا أجبره على قول ذلك؟.. ببساطة، لأن حكومة أردوغان تجاوزت منذ فترة طويلة “الخطوط الحمراء” للديمقراطية، وهناك العديد من الساسة الأقوياء أصحاب المبادئ، الذين لا يتملقون أحدا ، مثل السيناتور ماكين، يضغطون على إدارة أوباما لتعبّر بصوت أعلى عن حقيقة ما يجري في تركيا.
ماذا كانوا يتوقّعون؟ ليس هناك شيء أكثر مِنْ فقْد نظام ما لأصدقائه وسمعته في العالم الديمقراطي، بعد أن جعل كل معارضيه هدفاً سافراً عبر استخدم لغة استفزازية، وحوّل جزءاً كبيراً من وسائل الإعلام والصحافة إلى دمى في يده يحركها كيف يشاء، واتهم المواطنين الأبرياء بالخيانة، ودمَّر جهاز العدل والقضاء.
في اليوم الذي دعا فيه ماكين السفير الأمريكي الجديد إلى ترك التلاعب بالألفاظ السياسية وأجبره على كشف حقيقة النظرة الأمريكية لأردوغان، كان تدور على الطرف الآخر من الكونجرس جلسات حوار داخل مجلس النواب تبحث مستقبل الديمقراطية في تركيا، وشارك عدد كبير من أعضاء الكونجرس، بشكلٍ أكثر من المعتاد، في الجلسة التي نظمتها لجنة الشؤون الأوروبية والأورو آسيوية التابعة للجنة الشؤون الخارجية في الجلسة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لأن حكومة أردوغان تجاوزت منذ فترة طويلة “الخطوط الحمراء” للديمقراطية، وهناك العديد من الساسة الأقوياء أصحاب المبادئ، الذين لا يتملقون أحدا ، مثل السيناتور ماكين، يضغطون على إدارة أوباما لتعبّر بصوت أعلى عن حقيقة ما يجري في تركيا. [/box][/one_third]
ومن الواضح أن السياسيين الأمريكيين كانوا يريدون تسجيل الوقائع والأحداث الجارية في تركيا لتتذكّرها الأجيال القادمة ولا تنساها، وفي الوقت الذي حرص فيه الكثير من الأعضاء بمجلس النواب على عدم إيذاء تركيا أو الشعب التركي، وجهوا انتقاداتهم لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وكان من بين المتحدثين الخمسة الخبراء خاقان طاشتشي ممثل جمعية رجال الأعمال الأتراك “TUSKON”.
كلما هاجم أردوغان ذاع صيت حركة الخدمة أكثر فأكثر
وفي الفترة الأخيرة أصبح سياسيو أمريكا والاتحاد الأوروبي يقيِّمون معدَّل ديمقراطية الأتراك من خلال النظر إلى سياسات أردوغان، وبناء عليه، فإن رئيس الوزراء أردوغان كلما استمر في حملات التشويه والدعاية السوداء التي يتّبعها ضّد حركة الخدمة، ذاع صيتها وازداد نجمها بريقًا حول العالم.
وقد تم استدعاء “خاقان طاشتشي” الذي يمثل جمعية رجال الأعمال الأتراك “TUSKON” في الولايات المتحدة الأمريكية منذ 7سنوات، بصفته خبيرًا ومتخصصًا، كما أن حفلات الإفطار والفعاليات رفيعة المستوى التي تنظمها جمعيات ومؤسسات قريبة من حركة الخدمة مثل مؤسسة الأتراك الأمريكيين ومؤسسة منتدى “رومي”، تلفت الانتباه بشكلٍ كبير داخل واشنطن.
وكان من بين الحضور أعضاء من مجلس الشيوخ، وأعضاء من مجلس النواب، وسياسيون محليون، ومسئولون من الحكومة، بالإضافة إلى مجموعة من المفكرين، أما الذين يحاولون أن يعزلوا حركة الخدمة فهم اليوم رهْنَ عزلتهم.
ولا شك أن من أصعب مواقف الوحدة والعزلة التي يتعرض لها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان هو تخلي الرئيس الأمريكي صديقه القديم أوباما عنه، فالحكومة التركية في أنقرة تبذل محاولات وجهود حثيثة وتجري اتصالات مكثفة مع البيت الأبيض بأمريكا من أجل الحصول على موعد واحد لإجراء محادثة تليفونية بين الطرفين على مستوى الرؤساء، لكن دون فائدة. وعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة من جانب الحكومة التركية والتطورات الخطيرة بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أن الإدارة الأمريكية مصرةً على إبقاء العلاقات مع رئيس الوزراء أردوغان في مستوى مساعد الرئيس الأمريكي جون بايدن.
وبينما كان الرئيس الأمريكي أوباما حريص على متابعة الوضع الداخلي والسياسة الداخلية التركية قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة في 30 مارس/آذار الماضي، يبدو الآن لا توجد لديه النية لارتكاب الخطأ نفسه قبيل الانتخابات الرئاسية المنتظرة في أغسطس آ ب المقبل، فالأنظار تتجه بشكل كبير داخل الإدارة الأمريكية إلى آخر التطورات في العراق، إلا أنها تفرض حظراً على إجراء محادثات تليفونية مع أردوغان؛ كثمنٍ لتوجُّهه نحو القمع والاستبداد.
فالقائد الذي لا يتقرب إلى شعبه بالاحترام والتعاطف والمودة يفقد هيبته وثقته أمام العالم أجمع، وعلى الرغم من أن أردوغان يُتَّخذ مخاطباً باعتباره زعيماً سايسياً منتخباً، بفضل تركيا والشعب التركي، إلا أن هذا لا يزيل مشكلة “عدم الشرعية” التي يعانيها على الصعيد الدولي. وأزعم أن هذه هي وحدة أردوغان التي لا تجدي نفعاً.