منى سليمان*
القاهرة (زمان التركية) – أجرى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” زيارة هامة لألمانيا في نهاية سبتمبر 2018 استمرت ليومين وتعد الأولى له لبرلين منذ عامين شهدا توترا ملموسا في العلاقات التركية الأوروبية، ورغم أن الزيارة لم تشهد أى توقيع على إتفاقيات جديدة بين أنقرة وبرلين ورغم أن القيادات السياسية في الدولتين أكدتا أن زيارة واحدة لن تستطيع القضاء علي مرحلة التوتر في العلاقات بين البلدين، إلا أن تلك الزيارة أعادت تطبيع العلاقات بين تركيا وألمانيا التي وصفها “أردوغان” منذ عامين بأنها دولة “نازية” وكذلك طبعت العلاقات بين تركيا والأتحاد الأوروبي ككل. ولعل الدافع الأول لذلك التقارب الحذر في العلاقات التركية الالمانية والأوروبية بالنسبة لأنقرة هو الأزمة الاقتصادية الراهنة، وبالنسبة لبرلين وبروكسل هو الخوف من تدفق اللاجئين إليها في موجات جديدة تصاحب تسوية الملف السوري. ولذا ستسعى أنقرة وبرلين للحفاظ على الحد الأدني من العلاقات بما يحقق المصالح الاستراتيجية لهما رغم استمرار جملة من الخلافات بينهما.
أولا: فعاليات ونتائج زيارة “أردوغان” لألمانيا:
1- مشاهدات هامة:
-وصل “إردوغان” وقرينته إلى مطار “تيجيل” ببرلين يوم 28 سبتمبر 2018 ظهرا قادما من نيويورك بعد مشاركته في إجتماعات الدورة الـ 73 لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأجريت له مراسم استقبال عسكرية تامة وأستقبله نظيره الألماني “فرنك شتانماير” وكذلك كان في إستقباله متظاهرون ومعارضون له من الألمان والأتراك المقيمين ببرلين وصحفيين من منظمة “مراسلون بلا حدود” رفعوا لافتات تندد بإستمرار إعتقال صحفيين في تركيا، ثم نظمت تظاهرات واسعة ضده شارك فيها عشرة آلاف من الأكراد والسوريين المعارضين للتدخل العسكري التركي في شمال سوريا.
– قاطع عدد من السياسيين الألمان حفل العشاء الرسمي الذي أقامه الرئيس الألماني “شتاينماير” للإحتفال “بأردوغان”، ولم تحضره أيضا المستشارة الألمانية “إنجيلا ميركل”، مما يؤكد وجود إنقسام داخل النخبة الحاكمة الألمانية حول إعادة تطبيع العلاقات مع أنقرة. وهذا الإنقسام ينسحب لسائر الدول الأوروبية التي ترى أن “أردوغان” يكرس لحكم شمولي غير ديمقراطي في تركيا، ويبتعد كثيرًا عن معايير الأتحاد الأوروبي التي وضعها لقبول عضوية الدول إليه. خلال الحفل انتقد “شتانماير” وضع حقوق الإنسان في تركيا بلهجة حادة. مما دفع أردوغان للرد بطريقة أكثر حدة وغير مألوفة خلال مأدبة عشاء رسمية بين رئيسين، حيث اتهم برلين بالسماح لمئات الارهابيين بالقدوم إليها والسير بحرية فيها في إشارة لعناصر حركة الخدمة والاكراد المتواجدين بألمانيا.
– “أردوغان” ألتقي “ميركل” مرتين خلال زيارته، ولم يشهدا توقيع أي أتفاقية لتعزيز التعاون بين البلدين. حيث استقبلته يوم 29 سبتمبر 2018 وعقدا مؤتمر صحفي لمدة ساعة ونصف بينهما، ثم استقبلته مرة ثانية صبيحة 30 سبتمبر علي مأدبة إفطار.
-افتتح “أردوغان” مسجدا في كولونيا هو من الأكبر في أوروبا، خلال زيارة لأكبر مدن مقاطعة شمال الراين وستفاليا بجنوب ألمانيا ستواكبها تظاهرات وتدابير أمنية مشددة. المسجد الذي شيد بتمويل من “الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية” الذي تربطه صلات وثيقة مع السلطات في تركيا. والمسجد أطلق عليه اسم جامع الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية أو “ديتيب” اختصارًا، الذي تعود مساعي تشييده إلى عام 2001.تعود قصة “ديتيب” إلى عام 1984، حين قررت 200 جمعية إسلامية بناء جامع في مكان يُستخدم مستودعًا لمصنع في المنطقة. وعام 2001، تقدم الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية بطلب إلى بلدية كولن الكبرى، لإنشاء جامع جديد مكان القديم. وقد احتشد المئات صباح السبت في كولونيا وراء لافتة ضخمة كتب عليها “إردوغان غير مرحب به”. والمسجد المثير للجدل تبلغ مساحته 4500 م2 وبدأ العمل فيه عام 2009 وبدأ باستقبال المصلين عام 2017، وهناك العديد من الاسباب التي تثير الجدل حول المسجد ومنها .. أتهام الاتحاد بأنه على ارتباط بنظام “إردوغان” لاسيما وأن الاتحاد يدير 900 مكان للصلاة في ألمانيا تحت إشراف أئمة قادمين من تركيا. كما أن الهيئة متهمة بالتجسس على معارضي الرئيس التركي. وقد قدم اليمين الالماني في كولونيا عدة طعون ضد بناء المسجد مبدين مخاوف من تحول كولونيا إلى مركز للإسلاميين كما حدث بلندن، غير أن الطعون فشلت في إيقاف البناء. وقد استغل أردوغان الحدث جيدا، حيث روج نفسه كخليفة لمسلمي ألمانيا ككل وليس الجالية التركية فقط وكذلك وجه حديثه لكافة مسلمي أوروبا وطالب بأن يكون المسجد رمزا لقبول الاخر والتسامح. بيد أن ذلك لم يمنع إلغاء أجزاء كبيرة من الاحتفالية للحفاظ على الهدوء في محيط المسجد نظرا للتظاهرات المعارضة لافتتاحه ونظمها اليمين الألماني المتطرف.
وحاول “أردوغان” أحتواء الجدل المثار حول المسجد خلال افتتاحه وأوضح أنه “يبدأ عهدًا جديدًا مع ألمانيا سيكون أكثر إضاءة، وسيكون وسيلة لأيام أكثر هدوءًا”.
جدير بالذكر، أن العلاقات بين برلين وأنقرة قد توترت على خلفية محاولة الإنقلاب الفاشلة عام 2016 وما تبعها من قمع للمعارضة وحملة إعتقالات واسعة طالت صحفيين أتراك حتى صنفت تركيا عام 2017 كأكبر دولة تعتقل الصحفيين في العالم حيث أعتقلت أكثر من 83 صحفي فضلا عن مئات من العاملين بحقل الصحافة والإعلام من بينهم صحفيين كبار يحملون الجنسية الألمانية، واعتقلت 7 مواطنين ألمان. ثم توترت العلاقات أكثر بعد رفض هولندا وألمانيا إقامة مؤتمرات ومهرجانات سياسية خلال مارس 2017 للإعداد للإستفتاء علي التعديلات الدستورية التركية مما دفع “إردوغان” لتوجيه انتقادات شديدة لبرلين ووصفها بأنها دولة “نازية” كما تطالب أنقرة دوما برلين بتسليمها المعارضين الأكراد ومواطنيين يعملون بمؤسسات حركة “الخدمة” بإعتبارهم إرهابيين بيد أن برلين ترفض. بيد أنه منذ مطلع عام 2018 شهدت العلاقات شيئا من الإنفراج بعد إطلاق تركيا سراح الصحفي الألماني التركي “دنيز يوسل” في فبراير 2018.
2- الموقف الألماني:
أوضح الرئيس الألماني “فرانك شتانماير” بعد محادثاته مع “أردوغان” أن الزيارة ليست دليلا على إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة وبرلين، وأعرب عن قلقه على مصير صحفيين ونقابيين ومحامين ومثقفين وسياسيين أتراك يقبعون أيضا في السجون التركية، ودعا إلي أن تجد تركيا طريقها إلى التوازن عقب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة قبل عامين، وتنجح في التصالح مع المتضادات الاجتماعية. ودعا إلى ضرورة إجراء المصالحة الوطنية في تركيا وعودة الحياة الديمقراطية لطبيعتها. واعتبر العلاقة بين برلين وأنقرة مهمة وضرورية وأشاد بدور المهاجرين الأتراك الذين ساهموا في إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
بينما كانت “ميركل” أكثر مودة في تصريحاتها حيث أكدت أن هناك “أمور كثيرة تجمع تركيا وألمانيا”، ومنها أن البلدين عضوين في حلف الأطلسي في التصدي للإرهاب ولأي موجة نزوح جديدة للاجئين من سوريا. وتستقبل ألمانيا وتركيا ملايين اللاجئين السوريين. كما أن هناك ثلاثة ملايين تركي ونصف بالبلاد وهي أكبر جالية بألمانيا. وأوضحت أن هناك 7500 شركة ألمانية في تركيا مما يدفع برلين للاهتمام باستقرار الاقتصاد التركي”.
وجدير بالذكر، أن الموقف الشعبي الألماني من تركيا والممارسات الغير ديمقراطية فيها لا تختلف عن الموقف الرسمي، حيث كشف استطلاع للتلفزيون الألماني “زد دي إف” أن غالبية الألمان (89 %) تعتبر أن الديمقراطية مهددة في تركيا، كما رفض 66 % من الألمان تقديم بلادهم مساعدة اقتصادية لتركيا.
3- الموقف التركي:
كان هناك هاجسان يسيطران علي الرئيس التركي “أردوغان” ودفعاه إلي تغير موقفه كعادته البراجماتية للتقارب مع برلين بعد عامين من التوتر، الهاجس الأول هو الأزمة الإقتصادية التي تضرب تركيا بعد تراجع سعر الليرة ولذا حرص علي عقد لقاء مع اقتصاديين ومستثمرين ألمان ودعاهم لضخ المزيد من الاستثمارات في تركيا. والهاجس الثاني هو الأمني حيث دعا “أردوغان” خلال لقائه “ميركل” إلى ترحيل من أعتبرهم “إرهابيين” لمحاسبتهم بتركيا. وهم مئات من أنصار الداعية الاسلامي التركي (الذي اتهمه أردوغان دون أى دليل قانوني بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016) “فتح الله جولن” المقيمين فيها، كما طالب برلين بتصنيف شبكة كولن “كمنظمة إرهابية”. وكذلك طلب “أردوغان” تسليم أنقرة المئات من الناشطين الأكراد بإعتبارهم أعضاء المنظمة الإرهابية – حزب العمال الكردستاني- مقيمون في ألمانيا”، وأصرّ كذلك على طلبه من ألمانيا تسليم الصحفي التركي “جان دوندار” واتهمه بأنه “عميل ومجرم” حُكم عليه في تركيا بالسجن لمدة خمسة أعوام وعشرة أشهر. بيد أن “ميركل” لم تبد أي استجابة لمطالبة هذه وأكدت أن برلين تحتاج للمزيد من الأدلة لتصنيف حركة “كولن” “كمنظمة إرهابية” وكذلك رفضت تسليمه “دوندار”. كما نفت الحكومة الألمانية تقديم “أردوغان” للمسؤولين الألمان خلال زيارته الأخيرة إلى برلين قائمة تضم أسماء 136 عضوًا بحركة الخدمة طالبًا تسليمهم.
ومن جهة أخرى وبغية إعادة الحياة لمفاوضات إنضمام بلاده للإتحاد الأوروبي أعلن “أردوغان” أن تركيا تخطط لتلبية المعايير الستة المتبقية لإلغاء تأشيرات دخول مواطنيها إلى الأتحاد الأوروبي بأقرب وقت. وذلك بعدما أعلنت المفوضية الأوروبية أنها خفضت مساعدتها لتركيا، في إطار مفاوضات عضويتها في الاتحاد، بنسبة تتجاوز 40 % لعامَي (2018 – 2020). وبرّرت ذلك بعدم إحراز أنقرة تقدّماً في إيفاء المعايير المطلوبة، إضافة إلى عدد محدود من المشاريع التي أطلقتها. والمبلغ الذي ستحصل عليه أنقرة يقلّ بـ759 مليون يورو عن المقرّر أصلاً، لكنها ستنال خلال الفترة المحددة 1,18 بليون يورو من الاتحاد الأوروبي، لمساعدتها في التكيّف مع المقاييس الأوروبية.
ثانيا: مؤشرات ودوافع التقارب التركي الأوروبي:
سبق زيارة “أردوغان” لبرلين مؤشرات عدة على تقارب تركي أوروبي بعد عامين من التوتر في علاقات الطرفين بسبب الإنتقادات الأوروبية المتكررة لعمليات قمع الحريات التي إتخذتها الحكومات التركية بأوامر من الرئيس التركي ضد الكتاب والصحفيين وقادة الفكر والرأى وحركة الخدمة بعد الإنقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016، ومن بين تلك المؤشرات:
– الإفراج عن سجناء أوروبيين.. حيث قرر القضاء التركي منتصف 2018 الإفراج عن جنديين يونانيين كانا محتجزين في تركيا بتهم تتعلق بالتجسس وإجتياز الحدود، كما أفرج عن رئيس منظمة العفو الدولية في تركيا، ورفع حظر السفر عن صحفية ألمانية، وهي جميعها قضايا كانت أحد أسباب الخلافات الأخيرة بين تركيا والإتحاد الأوروبي. ومازال هناك عشرات المواطنيين الحاملين لجنسيات أوروبية سجناء داخل السجون التركية.
– الدعم الأوروبي لأنقرة.. في مواجهة العقوبات الإقتصادية الأمريكية على تركيا التي فرضت عليها من قبل واشنطن في مطلع أغسطس 2018 إثر الحكم بسجن القس الامريكي “برانسون” (قد أفرج عنه يوم 13 اكتوبر 2018 بعد انقضاء عقوبته)، هذه العقوبات أدت لبدء أزمة مالية كبيرة عصفت بالليرة التركية حيث أنخفضت لننسبة 30% أمام الدولار، فسارعت فرنسا وألمانيا أكبر دولتين في الإتحاد الأوروبي إلى تأكيد وقوفهما إلى جانب تركيا وأعلنا مرحلة جديد من تعزيز التعاون والعلاقات الاقتصادية مع أنقرة.
– التطبيع مع هولندا وألمانيا .. حيث قطعت العلاقات بين أنقرة وأمستردام في عام 2017 لرفض الأخيرة دخول وزيرة شؤون الاسرة التركية إليها وكذلك رفضت عقد مهرجان شعبية للجالية التركية هناك وذلك قبيل إجراء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الاخيرة بتركيا، وهذه الازمة شملت عدة دول أوروبية تضامنت مع هولندا ومنها ألمانيا. بيد أنه في 20 يوليو 2018 كشف وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” عن أن بلاده وهولندا قررتا تطبيع العلاقات بينهما.
وتأتي هذه المؤشرات تأكيدًا لإدراك القيادة السياسية الأوروبية والتركية لأهمية الطرف الآخر، وللتأكيد كذلك على عدد جم من القضايا التوافقية بين أنقرة والدول الأوروبية لاسيما برلين، التي تربطها مع أنقرة العديد من العوامل التاريخية المشتركة بدءا من التحالف في الحرب العالمية الأولي بين الإمبراطورية العثمانية وبرلين ورغم هزيمة الامبراطوريتين في الحرب إلا أن الدولتين الحديثيين الوريثتين لما تركيا وألمانيا قد ارتبطتا بعلاقات وثيقة فيما بعد. ثم دور المهاجرين الأتراك في إعادة بناء ألمانيا بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية ولذا فإن الجالية التركية هي الأكبر في ألمانيا ولها جذور ثقافية ديمغرافية إقتصادية مؤثرة في المجتمع الألماني، وخلال الآونة الراهنة هناك العديد من القضايا التوافقية بينهما حيث..
– تعد العلاقات التركية الألمانية هي الأكثر عمقًا أوروبيًا وقد تعزز التعاون العسكري الإستراتيجي فيما بينهما، من خلال التحالف الموحد مع المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة والعضوية المشتركة في حلف الناتو لاسيما وأن القوات التركية الحالية هي الأكبر عددًا في الحلف وتتمركز في القواعد العسكرية للحلف بألمانيا كما أن الجيش التركي هو ثاني أكبر الجيوش عددا بعد الامريكي في حلف الناتو. ولذا فإن برلين تثمن كثيرا القوة العسكرية الاستراتيجية لتركيا التي تعد بمثابة حائط الصد الاول لاي هجمات عسكرية على شرق أوروبا عامة وألمانيا تحديدا، وتتعاظم هذه الاهمية في ظل تصاعد النفوذ الروسي بشرق أوروبا وتصاعد اليمين الشعبوي في تلك الدول التي مازالت تتعاطف مع تاريخها السابق كدويلات في الاتحاد السوفيتي.
– التعاون الإقتصادي الوثيق بين تركيا والاتحاد الأوروبي ككل وألمانيا تحديدا لايمكن تجاهله أو التضحية به بفعل خلافات سياسية عابرة، ففي تركيا هناك 750 ألف شركة ألمانية عاملة كما ان هناك استثمارات تركية في ألمانيا، فضلا عن أهمية تركيا كمعبر للسيل الجنوبي الذي سينقل الغاز الروسي من الشمال للعمق الاوروبي. ولذا فإن دول الاتحاد تخشى أن تنعكس الأزمة الاقتصادية التركية علي الاتحاد وهو ما عبرت عنه بوضوح باريس وبرلين.
– تمثل تركيا موطنا مؤقتا للاجئين السوريين حيث تستضيف البلاد أكثر من 3 مليون لاجىء وهو عدد ضخم يستغله “أردوغان” دوما لتهديد الدول الأوروبية بفتح الحدود لعبور هؤلاء اللاجئين إليها، وهو ما ترفضه بشده دول اليورو بل أن هناك أزمة محتدمة بين إيطاليا والمجر من جهة وألمانيا وفرنسا من جهة حول حول كيفية التعامل مع اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط تحديداً، خشية أن يؤثر إستقبال الدول الأوروبية لهذه الأعداد الكبيرة علي التكوين الديمغرافي والمستوى الاقتصادي لها هذا بالإضافة للمخاوف الأمنية وهي الأهم حيث إنه من المؤكد تخفي عناصر إرهابية عديدة ضمن اللاجئين للوصول لدول الاتحاد الاوروبي وتنفيذ عمليات إرهابية بعد ذلك. وقد أشار تقرير لصحيفة “فيلت أم زونتاغ” الألمانية إلى ارتفاع عدد المهاجرين الوافدين إلى دول الاتحاد الأوروبي من تركيا مقارنة مع عام 2017 كما كشف التقرير أن عدد الأتراك الفارين إلى أوروبا يشكل 45 % من المهاجرين. ولذا فإنه يجب التعاون بين برلين وأنقرة لضبط الحدود ووقف تدفق اللاجئين.
– قبول برلين بزيارة “أردوغان” في ظل استمرار ممارسات الداخلية الغير ديمقراطية من اعتقالات وفصل تعسفي، يؤكد أن برلين ومعها دول الاتحاد الأوروبي تخشى تحول تركيا إلى دولة ضعيفة أو فاشلة على الصعيد الداخلي ما يعني فقدان الاستقرار الأمني وخطر انتقال الإرهاب من مناطق النزاع بسوريا والعراق إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، إلى جانب انفجار أزمات غير مسبوقة كأزمة لاجئين نحو الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الاثار الاقتصادية الكبيرة التي ستلحق بالأسواق الأوروبية في حال تعمق الأزمة الاقتصادية بتركيا.
– رغم الخلافات السياسية المستمرة فإن برلين وفرت نحو مليار يورو ضمانات للصادرات التركية الواردة لألمانيا، كما تعد تركيا أحد أكثر الوجهات السياحية المفضلة للألمان.
مما سبق، نؤكد أن زيارة “أردوغان” لبريلن أنهت التوتر القائم في العلاقات بين البلدين بيد أنها لم تنه الخلافات المتعددة بينهما، تلك الخلافات هي بمثابة التحديات المستقبلية التي ستعرقل تقدم العلاقات بين برلين وأنقرة ومن بينها .. اتهام تركيا بتعظيم نفوذها على الجاليات المسلمة بأوروبا وداخل ألمانيا خاصة وقد برز ضلك من خلال اصرار أردوغان على افتتاح مسجد “ديتيب”، استمرار الممارسات الديكتاتورية والغير ديمقراطية من اعتقالات تعسفية وفصل واضطهاد لفئات محددة في تركيا وهو تنتقده مؤسسات حقوق الانسان ببرلين دوما. انتقاد التدخل العسكري التركي بسوريا والعراق علي الرغم من الترحيب الالماني بالدور الايجابي لانقرة في استقبال اللاجئين السوريين ودورها في تسوية الازمة السورية الا انها ترفض التمدد العسكري التركي في دول الجوار. فضلا عن الشكوك حول دعم تركيا للجماعات الارهابية ، والخلاف حول تصنيف حركة “الخدمة” كحركة إرهابية. ولذا فإن أسلوب التعاطي التركي والألماني مع حل هذه الخلافات هو المحدد الرئيسي في مدى تقدم العلاقات التركية الالمانية في المستقبل القريب.
*باحثة متخصصة في العلاقات الدولية والشأن التركي.