بقلم: طورخان بوزكورت
إن العداوة للعلم، التي يكنها من أحرقوا مئات الآلاف من الكتب في الإسكندرية وبغداد والأندلس، هي القاسم المشترك لهم جميعًا، وإن كانت أديانهم ولغاتهم وأعراقهم مختلفة.
لقد خافت الأنظمة الاستبدادية دومًا من الكتب والعلم والعلماء، ويروي لنا التاريخ قصص كفاح العلماء، الذين وضعوا الموت أمام أعينهم للحفاظ على عزة العلم، إذا جاز التعبير، ضد الظالمين.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن العداوة للعلم، التي يكنها من أحرقوا مئات الآلاف من الكتب في الإسكندرية وبغداد والأندلس، هي القاسم المشترك لهم جميعًا، وإن كانت أديانهم ولغاتهم وأعراقهم مختلفة.[/box][/one_third]ليس موضوع مقالنا اليوم عن حزب العدالة والتنمية الذي تجرّأ على احتكار “رسائل النور” ،التي ألفها الشيخ سعيد النورسي (الرجل الحرّ)، ولا جنكيز خان أو الكاردينال الإسباني خامينيس أو النازيين الذين اشتهروا بعداوتهم للكتب، بل ما أرغب به هو تسجيل امتداد العداوة للكتاب ببضع عبارات لا أكثر.
لم يخل أي عصر من عصور التاريخ من أولئك الذين أحبوا العلم وقدروه إذا كان هذا العلم يمثل دعما لخطاباتهم وأفكارهم، لكن لم يتورّع أصحاب هذه العقلية عن قتل العلماء بشراسة عندما لم يستطيعوا إلزامهم بتأييدهم، كما لم تسلم الكتب أيضًا من سيل غضبهم، ربما لا يوجد حاليًا من يتجاوز حدوده لدرجة أن يحرق الكتب، ذلك أنهم تركوا مهامهم الأساسية وتولّد لديهم شغف دفعهم لإغلاق المنشآت التعليمية مثل مراكز التعليم ورياض الأطفال والكليات، ولقبهم الآخر هو أنهم ورثة أعداء الكتاب اليوم. فنرى رؤساء البلديات يعمدون إلى إنزال لافتات مركز (FEM-Anafen) الذي حصل منهم على ترخيص وحصلوا هم على الضرائب المستحقة عن أنشطته التعليمية.
من الذي ستعود عليه الفائدة من وراء تشويه صورة منشآت تعليمية لا تحمل همًّا سوى تنشئة أجيال صاعدة، بدون قرار من المحكمة، كما أعلنوا ذلك كحجة قانونية لإجراءاتهم؟ إن هذا العيب يكفيكم، ففي الوقت الذي يتواصل فيه ظلم بلدية إسطنبول الكبرى بإنزال لافتات هذه المراكز التعليمية، فإن بلدية محافظة بولو هي الأخرى وضعت ختمًا على المدارس الخاصة، وكأن كل مبنى فيها يتوافق مع القانون وكل مدرسة تتناسب مع المشروع الذي أطلقته الحكومة، ولعلمكم فإن 60% من المباني في تركيا غير مطابق للمواصفات.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لم يخل أي عصر من عصور التاريخ من أولئك الذين أحبوا العلم وقدروه إذا كان هذا العلم يمثل دعما لخطاباتهم وأفكارهم، لكن لم يتورّع أصحاب هذه العقلية عن قتل العلماء بشراسة عندما لم يستطيعوا إلزامهم بتأييدهم.[/box][/one_third]لقد وقع انفجاران في متجرين بمدينتي إسطنبول ودنيزلي الأسبوع الماضي، ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى وعدد من المصابين، وللأسف فإن قلوبنا تنفطر مرتين عقب هاتين الحادثتين؛ إذ ظهر أن المباني غير مرخصة والمتجرين كانا يعملان بشكل مخالف للقانون، وكان 21 شخصًا قد لقوا مصرعهم وأصيب 115 شخصًا آخرين يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2008 جراء وقوع انفجار في ورشة لتصنيع الألعاب النارية في منطقة زيتين بورنو بإسطنبول، واكتشف المحققون بعد وقوع الكارثة أن الورشة كانت تعمل في الخفاء دون علم الدولة.
وإذا كان كل شيء سيكون نظاميًا، فابدأوا بتصفير المشاكل من الأبراج الثلاثة التوائم التي أفسدت صورة إسطنبول وصدر بحقها قرارا بالهدم من قبل المحكمة، وكذلك مبنى رئاسة الوزراء الجديد الذي تستمر أعمال بنائه في أنقرة بالرغم من صدور قرار من المحكمة بوقف البناء. وإلا فإن قولكم: “هذه علميات تفتيش روتينية يا سيدي! ينبغي لك ألا تستنبط معنى آخر” ، لا ينقذكم من أن يذكركم التاريخ جنبًا إلى جنب مع أعداء الكتاب الذين أحرقوها في الماضي لانزعاجهم من صوت الحق والحقيقة والعلم، أما أنتم فقد هاجمتم هذه المنشآت التعليمية فقط لتبعيتها لحركة” الخدمة” ،التي تكافح من أجل إرساء القيم والأخلاق.
ويا لها من نهاية حزينة تنتظر أولئك الذين يكنون عداوة للكتاب!
صحيفة” زمان” التركية