مراد ياتكين-صحيفة” راديكال” التركية
يعلم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي فاز في ثماني انتخابات متتاليّة، أن الطريق المؤدي إلى النصر يلزمه أيديلوجيّة وتنظيم وأموال.
عرفنا شعار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لحملته الانتخابيّة: “نحو تركيا جديدة” في الكلمة التي ألقاها، في مؤتمر إطلاق حملته الانتخابيّة بمركز” الخليج” الدولي للمؤتمرات باسطنبول، إلّا أن كلمته التي دشن بها الحملة الانتخابية، والتي كان من المفترض أنها موجهة إلى جميع أطياف الشعب التركي، جاءت أشبه بكلمة موجهة للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وحضر المؤتمر مطربون وممثلون وممثلات.
استهزأ المشاركون في مؤتمر أردوغان، بشعار المرشّح المنافس أكمل الدين إحسان أوغلو: “أكمل الدين من أجل رغيف الخبز” ،لكن ما فعله أردوغان أيضًا لم يأت بشيء يذكر، إذ كانت أغنية أردوغان للحملة الانتخابيّة تحمل أيضا نسمة” بوليوود”.
لكن ليس لكل هذا أهميّة تُذكر.. إذ ليس من السهل أن يفوز أردوغان، السياسي الفطن الواقعي، في ثمان انتخابات متتالية، فهو يعي جيّدًا أن الطريق المؤدي إلى النصر في السياسة يلزمه أيدلوجيّة وتنظيم وأموال.
شهد مؤتمر أردوغان إذاعة أغان، ولم يُسمح للصحفيين بطرح أيّة أسئلة تتعلق ببرنامجه الانتخابي، كالعادة، وبمجرد أن انتهى المؤتمر تمت دعوة رؤساء الحزب في المحافظات، ورؤساء بلديّات حزب العدالة والتنمية لحضور اجتماع تنسيق الانتخابات في القاعة المجاورة.
أما المؤتمر الصحفي، الذي عقده المرشح المنافس إحسان أوغلو، الخميس الماضي، فلم يشهد دعما تنظيميا من جانب حزبي الشعب الجمهوري والحركة القوميّة.
أردوغان يرى كل انتخابات مُقبل عليها وكأنها حرب، ولعل هذا ما ينبغي أن يكون؛ لأن الانتخابات مثل الحروب، الحاصل على المركز الثاني فيها لا يفوز، ويخسر كل جهوده وأهدافه.
ويمكن القول بأن أردوغان يطبق أحد أقدم الاستراتيجيّات العسكريّة في العالم في حملته الانتخابيّة ألا وهي -‘Get there first, with the most’ “استجمع كل قواك، وأخرج أنت أولًا للميدان”، ويتم تدريس هذا المنطق في الأكاديميّة العسكرية “وست بوينت” بالولايات المتحدة، وأردوغان يتبع المنهج ذاته.
وهدف أردوغان واضح؛ إذا تم انتخابه رئيسًا للجمهوريّة، سيرشّح نفسه في الانتخابات للمرة الثانيّة في 2019، لأنه يرغب في أن يدخل عام 2024 وهو على رأس الدولة في الذكرى المئوية لإعلان الجمهوريّة التركيّة في 2023 والعام المئة على إلغاء الخلافة العثمانيّة.
والآن، هناك دعم مؤكد من الشعب لتحقيق هذا الهدف، فقد حصل في انتخابات البلديّات في 30 مارس/ آذار الماضي على نسبة أصوات تقرب من 45 في المئة، وبيّنت استطلاعات الرأي التي طلب إجراؤها، أنه سيحصل في الجولة الأولى في انتخابات رئاسة الجمهوريّة على نسبة تتراوح بين 52 و55 في المئة من الأصوات، وسبق أن أشار الكاتب “فاتح ألطايلي” إلى أحد هذه الاستطلاعات، التي بيّنت أن أردوغان سيفوز بنسبة 58 في المئة وهي نسبة الاستفتاء على الدستور في 2010.
وكما ترون، فالهدف من تسريب هذه الاستطلاعات إلى الصحف هو تخويف المنافسين وردعهم من الذهاب لصناديق الاقتراع، إلا أن أردوغان لن يعتمد على حظه فحسب وفق هذه الاستراتيجيّة الناجحة، بل إنه يبذل قصارى جهده في ذلك، ونوضح ذلك على النحو التالي:
شروط الحملة الانتخابيّة:
بقي أقل من شهر على الجولة الأولى للانتخابات، ويتحدث أردوغان منذ عامين تقريبًا عن هدفه في تولي رئاسة الجمهوريّة قبل أن يعلن ترشحه رسميًا، ولعله لن يستخدم لوحة رئاسة الوزراء من حيث الشكل في الأماكن التي سيذهب إليها، إلّا أنه سيذهب بصفته رئيسا للوزراء بشكل فعلي، كما يهزأ من المرشحين المنافسين إحسان أوغلو وصلاح الدين دميرطاش اللذين يدعوانه لتقديمه استقالته من منصبه كرئيس للوزراء لإجراء انتخابات نزيهة وعادلة، ويهاجمهما.
تمويل الحملة الانتخابيّة:
يتم جمع تبرعات شخصية، حسبما ينص القانون بقيمة أقصاها 9 آلاف و82 ليرة تركيّة، وتطلب شبكة الاستقرار والإشراف من المتبرعين نشر أسمائهم الحقيقيّة، وسيتم تحويل حملة التبرعات، التي أعلن عنها في خطابه الانتخابي، إلى سباق للتبرعات لدعم مناقصات المشروعات الحكوميّة، وسيتم طرحها قريباً، وسيكون هذا سببا في ردع رجال الأعمال الذين يدعمون مرشحي المعارضة.
استغلال وسائل الإعلام:
هناك أكثر من 20 قناة تلفزيونيّة تبث لقاءات أردوغان على الهواء مباشرة مهما طالت ساعاتها، في السنوات القليلة الماضيّة، وفي الحقيقة ليست هناك قاعدة تقضي بذلك، لكن هناك قسما كبيرا من تلك القنوات لها مصالح وعلاقات استثماريّة مشتركة مع الحكومة، والجزء المتبقي منهم لا يريد أن يتعرض لهجوم أردوغان.
لكن أكثر هذه القنوات جميعًا، خزيًا هي قناة ” تي آر تي” (TRT) الحكوميّة، وذكر المرشح صلاح الدين دميرطاش مثالًا على انحيازها الأعمى، عندما قال إن القناة التي من المفترض أن تتصرف تجاه المرشحين جميعًا بشكل عادل، وفق ما نص عليه القانون، انحازت لأردوغان وبثت له 305 دقائق، ولم تبث لإحسان أوغلو ودميرطاش دقيقة واحدة، نعم لم تبث شيئا قط.
وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق خطابات أردوغان التي يستخدم فيها لهجة تؤكد حتميّة فوزه، من الآن، في انتخابات العاشر من أغسطس/آب المقبل، فسيكون تأثيره على من لا يؤيدونه أن كل ما يفعله معارضوه ومنافسوه هباءً.
في الحقيقة هذا ليس بجديد، لأن هذا هو نمط وأسلوب أردوغان السياسي، وهو أستاذ في سياسة إبراز المتناقضات وترسيخ قاعدتها، ويستخدم في تلك الانتخابات أيضًا تناقضا صنعه بنفسه. حيث يقول: “إن تركيا الجديدة في حاجة إلى قيادة قويّة تجمع القوة تحت يد الرئيس وتُراقَب من قِبَل ناخب ومن صندوق اقتراع لآخر، وليس إلى نظام برلماني يغل أيدي الحكومة تجاه السلطات التنفيذية والقضائيّة والتشريعيّة”.
أجل، إن هذه هي قمّة السياسة الشعبويّة، لكن أردوغان نفسه وجماهيره من الناخبين يحبون أسلوبه الفظ، لأنهم يظنون أنه قادر على فعل كل شيء، دون أن يتبادر إلى أذهانهم أن الدور سيصيبهم هم أيضًا يومًا ما.
إذن لم يستطع مرشّحي المعارضة تغيير هذا الاتجاه، وإذا لم يوجدوا في أسرع وقت أسلوب مؤثر، فسيتولى أردوغان رئاسة الجمهوريّة ويصبح رجل تركيا القوي الوحيد بعد شهر من الآن، لاسيما في ظروف لا يوجد فيها متسع لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، للتركيز على الشكوك في نوعيّة الديمقراطيّة في تركيا، التي ثارت في الآونة الأخيرة.