هل رأيت شخصًا فاقدًا لنعمة العقل يمشي بالشارع ويتصرف تصرفات غير لائقة، ساعتها فقط سوف تدرك نعمة العقل التي وهبها الله لك.
تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم، وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
أخي، هل تملك البصر؟ ردِّدها بصدق من قلبك: الحمد لله على نعمة البصر.
أخي هل تسمع مَن حولك؟ ردِّدها بصدق من قلبك: الحمد لله على نعمة السمع.
فضلُه علينا عظيم، ومَنُّه علينا وَسِع كلَّ شيء؛ فهو المنَّان يمنُّ علينا بخيرات الدنيا، ونسأله أن يُعطيَنا من خيرات الآخرة بكرمه. كريم فاقَ كرمُه حتى عجز اللسان عن وصْفه، وعجَز الفكر عن تخيُّله.
تأكد أن همك أصغر بكثير من هم من ينتظر جرعة الكيماوي غداً، وأصغر من هم من يستعد صباحاً لغسل كليتيه، فلا تنسيك همومك نعمة الصحة التي ملأت بدنك.
مريض الكلي يغسل كليته 30 ﻣﺮﺓ ﺧﻼﻝ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻭﻳﻜﺎﺩ ﻳـُجنّ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻢ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻓﻰ ﺗﻐﺴﻞ كليته طبيعيا 32 ﻣﺮﺓ ﯾﻭﻣﻴًﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺸﻲﺀ .!
انظرْ لِمَن حولك، مَن يُقاسي ومَن يُعاني مِن ظروف تمرُّ به فتُشقيه، أو هموم تُحاصره فتُبكيه.
اسمعْ لقصة مكروب يُعاني حتى هذه اللحظة لَم يجدْ مَن يَنصره أو يُعينه.
تذكر نعم الله عليك، فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك، صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، وهواء وماء، لديك الدنيا وأنت ما تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم، عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان.
أيهما خير لك الصحة أم المال؟
لا شك أن الصحة خير من المال، إلا أن بعض الناس يغفل عن ذلك، فيطلب التجارة والأموال، ولا يبالي أكان صحيحاً أم سقيماً. إن الصحة خير من المال، ولو وضع مال الدنيا كله بجوار ألم أو وجع أو مرض لكانت الصحة والعافية والسلامة من ذلك المرض والبرء من ذلك الوجع خير من مال الدنيا أجمعه، لكن الإنسان لا يعرف قدر النعمة.
في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما:” من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” (صحيح الجامع 6042).
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبًا؟ أتحب بيع سمعك وزن ” ثهلان” فضة؟ ثهلان جبل في عالية نجد وتحديدًا في بلدة الشعراء، طوله في الأرض مسيرة ليلتين، أقصى ارتفاع له 1125 متر عن سطح البحر، طوله 62 كيلو متر وعرضه15 كيلو متر، هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكما؟ هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطعًا؟.
جاء رجل إلى يونس بن عبيد –رحمه الله- يشكو ضيق حاله، فقال له: “أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟” قال الرجل: لا، قال: “فبيديك مائة ألف؟ قال الرجل: لا، قال:” فبرجليك مائة ألف؟ “قال الرجل: لا، فذكره يونس بن عبيد -رحمه الله-بنعم الله عليه، ثم قال له: “أرى عندك مئين ألوف! وأنت تشكو الحاجة!”.
هل من أحد يشتكي الفقر ويريد أن يكون مليونيراً، ويستبدل نعمة البصر بمليون دولار؟ من يرغب؟ هل هناك من يستبدل نعمة السمع بمليون دولارًا؟.
فإذا كانت نعمة البصر لا تستبدلها بمليون دولار ونعمة السمع لا تستبدلها بمليون دولار ونعمة كذا لا تستبدلها بكذا ونعمة كذا لا تستبدلها بكذا… فأنت مليونير ولا تدري.
بعد كل هذا.. أليس عندما يفقد الإنسان أي جزء من أعضاء جسمه فإذا كان معه ملايين الجنيهات فعنده استعداد أن يدفعها ثمن لتكاليف عملية زرع أعضاء. لذلك ينبغي بعد أن عرفنا قدر هذه النعمة أن نحافظ عليها.
هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك، وقد بترت أقدام؟ وأن تعتمد على ساقيك، وقد قطعت ساق؟، أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟، وأن تملاً معدتك من الطعام الشهي، وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام، ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام؟
وإذا أراد الإنسانُ أن يعرفَ قدر نعمة الصحة التي تفضل بها عليه أرحم الراحمين، فليذهب إلى المستشفيات لزيارة مرضى المسلمين، ولينظر إلى من هم حوله من المبتلين! وإلى من فقد أحد أعضائه! وكذلك إلى المعاقين! فهؤلاء – شفاهم الله-، لو أنهم خُيروا بين أموال الدنيا وسلامة الجسد لاختاروا بلا شك! نعمة الصحة والعافية من المرض بإذن رب العالمين.
إنك في نعم عميمة وأفضال جسيمة، ولكنك لا تدري. تعيش مهمومًا مغمومًا حزينًا كئيبًا وعندك الخبز والدفء، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود، تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكر واشكر ، فكر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك.
وفي الختام:
من مظاهر النِّعم في حياتنا اليومية أننا نسمع بأذاننا ونرى بأعيننا، نجلس على مائدة مليئة بأصناف الطعام، نتناول الطعام بأيدينا وإلى أفواهنا، نتنفَّس بلا أجهزة، أعضاء أجسادنا تعمل بانتظام، فجَفْن العين يطرف ويرتد بسهولة، وماؤها لا يجفُّ، الكُلَى تعمل بلا مُعين ولا تحتاج تنظيفًا يوميًّا، ننام في غرفة هادئة مطمئنِّين على أنفسنا وأهلينا، نتكلَّمُ ويُفهم كلامُنا مباشرة، وعلى رأس هذه النِّعم دينُنا الإسلام، هي نِعم كثيرة قد لا ندركها، وإذا أدركناها ينبغي أن نشكر الله عليها، وإدراكُنا لها نعمةٌ أخرى تحتاج شكرًا منا لله.
أغْمِض عينيك لحظة، وعبِّر عن شعورك بكلمات ينطق بها لسانُك أو خواطرُ يسَطرها فكرك.
استحضر نعم الله عليك واجعلها ماثلة في وعيك، دع شمس حياتك تشرق كل يوم مسبحة بنعم الله عليك التي لا حد لها.
بقلم/ محمد السقا عيد