بقلم: بنيامين دورو
برلين (زمان التركية) – يتفق المحللون على أن تركيا تمر بمرحلة حرجة للغاية يحتاج فيها أفراج الشعب إلى “العدل” أكثر من حاجتهم إلى الماء والطعام، نظرًا لأن السلطة الحاكمة في البلاد بقيادة رجب طيب أردوغان بدأت تمارس كل أنواع الضغط والقمع على المواطنين منذ عام 2011، وعلى وجه الخصوص منذعام 2013، حيث تورط أعضاء من عائلته ورجال أعمال مقربون منه في عمليات فساد ورشوة غير مسبوقة، ثم أعلنت حربًا شاملة على كل من اعترض على هذه الممارسات، سواء كانوا بيروقراطيين أو مدنيين.
لو تصفحنا سير الناجحين من حولنا لوجدنا أن كل واحد منهم لديه قصة حُبلى بالمعاناة رافقت بدايته وساهمت بصنع النجاح الذي حققه، فمن أراد أن يمخر عباب السماء فعليه أن يتحمل الألم، هذا الألم هو الذي سيحمله للأعلى. نعم فإنه من الممكن أن يحدث لأي واحد منا حادثة تترك بداخله جرحًا عميقًا وتقوده للعمل بكل ما أوتي من قوة لتغيير الواقع ورسم مستقبل أفضل.
نقدم لكم اليوم قصة حقيقية لعلكم تجدون فيها ما يلمس الواقع الذي تعيشه تركيا اليوم أو أي دولة أخرى مماثلة لها في الظلم والجور. فقد تمكنت جماعة “الخمير الحمر”، من السيطرة على كمبوديا وعزل الحاكم، وذلك في عام 1975م وحتي عام 1979، وتلك الجماعة ما هي إلا حزب سياسي، سيطر عليه الأفكار الشيوعية بقيادة “بول بوت”. بدأ الخمير الحمر في إغلاق المدارس والمستشفيات والبنوك والمعامل والمصانع وأوقفوا التجارة وقاموا بتحريم الديانات السماوية والعقائد غير السماوية أيضا، وجردوا السكان من ممتلكاتهم وأرسلوهم إلى مزارع جماعية من أجل الكدح والعمل في الزراعة.
وما هذه الممارسات ببعيدة عن تركيا الراهنة!
في البداية وحتي يقتنع السكان بالتخلي عن ممتلكاتهم، أبلغ “الخمير الحمر” السكان بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بإرسال طائرات لقصف منازلهم، ومن الأمان التواجد في الغابات، وبمجرد نزوح السكان إلى الغابات فوجئوا بتقسيمهم إلي مجموعات، تم الحرص فيها على تفريق العائلات والأسر وعدم السماح للأم برؤية أطفالها، كما تم منع كافة العلاقات الأسرية. وكل من أبدى عاطفته تجاه أسرته تم قتله!
لقد نتج عن تلك السياسة الراديكالية الشيوعية التي اتبعها “بول بوت” وحكومته مقتل ما يزيد عن ربع سكان كمبوديا آنذالك (أكثر من مليون شخص)، حيث إنهم قاموا بتقسيم السكان إلى مجموعات، وإرسالهم إلى الحقول للعمل بها، لفترات تتراوح بين 12 و14 ساعة في اليوم، مع القليل من الراحة. ومن يتزمر يقتل! نعم يقتل بكل بساطة.
كانت عقوبة الإعدام توزع لأسباب غريبة، فالتعليم والثقافة كانت جريمة كبرى، فقد أمر “بول بوت” بإعدام كافة المتعلمين والمثقفين، ومن كان يعترض فمصيره الإعدام. وكان الإعدام من خلال قطع الرأس بالفأس، حتى لا يتم إهدار الطلقات النارية في مقابل التخلص من إنسان بخس الثمن من “وجهة نظر حكومة الخمير الحمر”!
وليس من الصدفة أن نرى أن نظام أردوغان في تركيا يكره الأكاديميين والمثقفين أكثر من غيرهم، بحيث أكد وزير الطاقة الأسبق في حكومة حزب العدال والتنمية أن تأييد حزبهم يزاداد كلما تضاءلت نسبة المتعلمين، وأن أردوغان قام باعتقال أو فصل الأكاديميين الذين وقع على ما سمي وثقيقة “السلام الكردي”.
كانت السياسات المجنونة لحكومة “بول بوت ” لا تفرق بين صغير أو كبير، رجل أو امرأة، فالكل مستعبد لا حق له، لا إرادة له..
من بين هؤلاء اللذين تعرضوا للظلم والتهميش على يد حكومة “الخمير الحمر” فتاة تدعي “سوسه في شان”. كانت فتاه صغيرة لم يتجاوز عمرها (عدد أصابع كف اليد الواحدة). وعلى الرغم من صغر سنها كانت تساعد أمها في أعمال الزراعة الجبرية،. وبينما كانت تحاول نقل ما تستطيع حمله من مكان إلى آخر تعرقلت قدمها وسقطت على الأرض. ومن شدة الخوف هرعت الصغيرة غير مكترثة لدمائها السائلة لتجمع ما سقط منها. وفي تلك اللحظة رآها أحد جنود “الخمير الحمر”، واشتد غيظه عند رؤيتها، فضربها ضربة شديدة، فسقطت على الأرض وفقدت وعيها. وقد حدث هذا وسط سكوت من الجميع فلو اعترض أحدهم لقتل في الحال.
كانت تلك الحادثة المليئة بأحاسيس القهر والظلم نقطة فاصلة في حياة “شان” فمرت السنوات، وتم القضاء على حكومة “بول بوت”، وعادت “شان” إلى مدينتها مجددًا، والتحقت بالمدرسة، وتفوقت فيها، وقررت الالتحاق بكلية الطب، وذلك رغبة منها في مساعدة المظلومين المضطهدين من أمثالها. غير أن والدتها أصرت عليها أن تدرس كلية القانون بدلاً من الطب، مؤكدة أن بلادها تحتاج إلى العدل والقانون أكثر من حاجتها إلى أمور أخرى، فنزلت عند طلب أمها، ودرست القانون، سعيًا للعمل على إعلاء كلمة الحق وجلب حقوق المظلومين.
في عام 1994 حصلت على الإجازة من كلية الحقوق لجامعة “الفارابي” في كازاخستان، وفي عام 1998 عملت كمستشارة للابحاث في مركز التوثيق بكامبوديا، و عام 2001 اختيرت كنائبة للأمين العام بالمجلس الوطني بكمبوديا، أما عام 2002 فعملت كقاضية في المحاكم المدنية. وبعد ذلك في عام 2004 تولت بعض المناصب العليا في وزارة العدل بكمبوديا حتى نجحت في الوصول إلى منصب وزيرة العدل خلال عام 2007. ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا لم تتوقف “شان ” عن العمل لخدمة وطنها في مجال الحقوق من خلال تمثيله في العديد من المنظمات الحقوقية العالمية.