تقرير: راندا إبراهيم سواح
القاهرة (زمان التركية) – سلط الأكاديمي التركي المعروف الأستاذ “أوميت كارداش” الضوء على الوضع الذي آلت إليه المنظومة التعليمية التركية خلال 16 عامًا من حكم “الرئيس رجب طيب أردوغان”، مستندًا إلى ما ورد في التقرير الدولي الذي أعدته المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية الخاصة ببراءات الاختراع لعام 2016، وأكد أن هناك 233 ألف طلب للحصول على براءة الاختراع والتي ازدادت بنسبة 7.3% مقارنة بالعام السابق.
وكما هو متوقع جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى، حيث خرج من أمريكا وحدها 56 ألفا و595 طلب تسجيل براءة اختراع، وبعدها اليابان التي جاءت في المرتبة الثانية بعدد 48 ألفًا و208 براءة اختراع. بينما المرتبة الثالثة احتلتها الصين، جاذبة للانتباه بزيادة عدد المتقدمين إلى الضعف تقريبا مقارنة بعدد المتقدمين لعام 2015. أما المرتبة الرابعة فكانت من نصيب ألمانيا بعدد 18 ألفا و982 براءة اختراع، والمرتبة الخامسة كانت لكوريا الجنوبية بعدد 15 ألفا و763 براءة اختراع.
أما عن دول الشرق الأوسط، فنجد أن إسرائيل التي تبلغ تعداد سكانها 8.5 مليون نسمة، ازداد عدد طلب براءات الاختراع فيها عن ما تقدمت به تركيا وإيران.
وتطرق الأكاديمي التركي، في مقاله الذي نشره موقع “أحوال تركية” إلى أسباب قلة أعداد تسجيل براءات الاختراع الخاصة بتركيا، إذ قال إن ذلك ليس شيئًا غريبًا، من وجهة نظره، وذلك لعدة أسباب، من أهمها أن النظام التعليمي في تركيا متدنٍّ خالٍ من عناصر الإبداع والابتكار، بالإضافة إلى المسار التاريخي والاجتماعي ونمط التفكير السائد في البلاد.
من المعروف تاريخيًّا أن القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت العصور الذهبية للعلم، فكانت أوربا تضع لبناتها الأولى في بناء العلم الحديث، وخرج من رحمها العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة الذين وضعوا أسس الثورة العلمية. أما الدولة العثمانيه فقد كان الوضع فيها مختلفًا كثيرًا، فقد تأخر نظام التعليم فيها، ولم يكن هناك مكان للابتكار والاختراع، وحتى بعد انهيار الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية استمرت المؤسسات التعليمية التركية في إهمال وعدم إدخال عنصري الابتكار والإبداع في المنظومة التعليمية لديها.
ولفت أميت إلى أن تأخر نظام التعليم في المدارس ذات الطابع الديني، التي قطعت علاقتها بالفلسفة تماماً، على الرغم من أن الفلسفة هي باكورة عصر العلم والتفكير، ولم تلحق بركاب النظام التعليمي المتقدم في الغرب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الذي مهَّد الطريق أمام إفراز الكثير من الاكتشافات والاختراعات. وعلى الرغم من أن الاهتمام بالفلسفة قد بدأ مع بداية عصر الجمهورية والانفتاح على الغرب، إلا أنه ما لبث أن تراجع هذا الاهتمام مرة أخرى خلال الفترة الأخيرة.
ويوضح الأستاذ أوميت أهمية الابتكار والإبداع قائلاً: “الابتكار هو قدرة الفرد على استغلال طاقته الكامنة، وما لديه من إمكانيات بوعي وحرية. من هنا يجب على الفرد، الذي نمت لديه القدرة على الإبداع، أن يتوجه إلى مجال الإبداع الذي يراه مناسباً لشخصيته. أما الإبداع فيجب أن يتمتع المبدع بقدر من الحرية في المحيط الذي يعمل به. ولهذا السبب عجزت الدول الإسلامية، ومنها تركيا، التي ابتعدت عن الديمقراطية الداعية إلى الحرية والإبداع، عن امتلاك أداوت التطور والقوة في هذا المسار”.
أما عن النظام التعليمي الحالي في تركيا، فقال إنه قائم على الاستظهار من خلال الاختبارات النظرية للطالب التي لم تساعده على إخراج ما بداخله من إبداعات وابتكارات تفيده من الناحية الشخصية أو المجتمعية.
واقترح أميت على السلطات التركية أن تعمل على تطوير هذا النظام بكل مراحله؛ حتى يمكنها أن تحقق جودة التعليم بشكل عام؛ فعليها أن تسير وفق نظام تجديدي متطور قادر على الابتكار، يشجع على العمل من خلال فريق، وينمي مهارة إيجاد حلول للمشكلات لدى الطلاب؛ بداية من المرحلة الابتدائية، ووصولاً إلى الدراسة الجامعية.
ولفت إلى أنه يستحسن على الدولة كذلك أن توجه اهتمامها لتخريج أفراد يتمتعون بثقة كبيرة في النفس، ويحملون صفات إبداعية، ولهم القدرة على التفكير الحر وحل المشكلات؛ الأمر الذي يفتقده نظام التعليم في تركيا في الوقت الحالي؛ مما يعيق حدوث طفرة اقتصادية أو مجتمعية فيها.
ويضيف أوميت: “النظام التعليمي في المدارس والجامعات مرتبط بالمناخ العام للمجتمع أكثر من المناخ التعليمي الموجود بين جدران تلك المؤسسات، فالتعليم يكون جيدا عندما يتوفر التوازن بين الطرفين المجتمعي والتعليمي؛ فإذا كنا نطمح بتطبيق نماذج تعليمية ناجحة علينا أولا أن نسعى لتهيئة المناخ المناسب لهذا”.
ويستكمل أوميت عرض الحلول لمحاولة إنجاح النظام التعليمي في تركيا، وذلك من خلال ربط الالتحاق بالجامعة بدرجات الطالب في المرحلة الثانوية وبالأنشطة الاجتماعية التي شارك فيها وبالمشروعات التي نفذها، وبذلك لن يحتاج الطالب إلى هذا الكم من الاختبارات النظرية من أجل الالتحاق بالجامعة.. بالإضافة إلى تركيز الاهتمام بالأبحاث العلمية وتبني الأفكار الجديدة من خلال مؤسسات الدولة المعنية.
وهذا ما نجده في كل الدول المتقدمة، والتي تخصص نصيبا كبيرا من ميزانياتها للبحث العلمي. فبذل تلك الدول الكثير من المال والمجهود على عقول طلابها فلا عجب من أن يتخطى طلاب كوريا الجنوبية وهونج كونج واليابان كل دول العالم في اختبارات البرنامج الدولي لتقييم الطلاب.
خلاصة القول: إن تقدم المجتمعات علميا مرتبط بعدة معايير ومقاييس معروفة استخدمتها الدول العالمية في تقدمها، وهي الديمقراطية وإعطاء المواطنين حرية الإبداع والابتكار بشكل حقيقي ليس فقط من خلال شعارات وديمقراطية زائفة. فإذا أردت أن تعرف الدول التي تطبق الديمقراطية بمعاييرها السليمة عليك أن تبحث عن براءات اختراع فقط، وفق رأي الأكاديمي التركي المتخصص في مجاله الأستاذ أميت كارداش.