تقرير: محمد عبيد الله
واشنطن (زمان التركية) – نفذت السلطات الأمريكية الأسبوع الماضي عملية مثيرة أسفرت عن إلقاء القبض على أفراد عائلة أمريكية ثرية على صلة قوية بـعائلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما كانوا يخططون للفرار إلى تركيا، وذلك بتهمة الاحتيال على الخزانة الأمريكية.
كتبت تقارير أمريكية أن مكتب النيابة في ولاية “يوتا” غرب الولايات المتحدة أمر السلطات الأمنية بإلقاء القبض على كل من “يعقوب” وشقيقه “إشعياء” كينغستون وشريكهما رجل الأعمال التركي “ليف أسلان درمين”، بتهمة الاحتيال على الخزانة الأمريكية بـ511 مليون دولار، مطالبًا بمحاكمتهم قيد الاعتقال.
ولفتت تلك التقارير إلى أن الشرطة الأمريكية تمكنت من القبض على كل من يعقوب وشقيقه إشعياء وهما في طريق المطار استعدادًا للفرار إلى تركيا، غير أن شريكهما التركي “ليف أسلان درمين” الذي لعب دورًا مهمًّا في بيع خطوط “بورا جت” الجوية لسزجين باران كوركماز، رجل الأعمال التركي المقرب من أردوغان، نجح في الفرار إلى تركيا.
وأصدرت المحكمة الأمريكية الأسبوع الماضي قرارًا باعتقال الشقيقين، بتهمة التهرب الضريبي والاحتيال وتبييض الأموال بقيمة 511 مليون دولار عبر شركتهما “واشاكي” (Washakie) العاملة في مجال الطاقة المتجددة، بعدما طالبت النيابة في مذكرتها بحبس يعقوب كينغستون 85 عامًا، وحبس التركي درمين 20 عامًا.
وبحسب الوثائق الجديدة التي نشرها مدعو العموم في محكمة “يوتا” الفيدارالية، فإن يعقوب وشقيقه إشعياء كينغستون يمتلكان في تركيا استثمارات بقيمة 950 مليون دولار، بالإضافة إلى امتلاكهما حسابًا بنكيًّا يوجد به 130 مليون يورو، كما أن شريكهما التركي درمين يمتلك 300 مليون يورو في تركيا فقط. وتبين أيضًا أن يعقوب كينغستون اشترى مؤخرًا قصرا فاخرًا في تركيا، وأجرى مباحثات لشراء فندق تبلغ قيمته 650 مليون دولار.
وقد رصد الصحفي من جريدة “حريت” التركية “راضي جانيكليجيل” حادثة عائلة كينغستون التي يصل عدد أفرادها نحو 7 آلاف شخص في يوتا، في خبر نشره في الثالث من هذا الشهر، أي قبل يومين، لكن المشرفين على الجريدة حذفوا هذا الخبر بعد يوم واحد فقط في أعقاب ظهور علاقات عائلة كينغستون في أمريكا مع عائلة أردوغان في تركيا.
وقد وصف الأكاديمي والكاتب الصحفي التركي المخضرم “أمره أوسلو” حادثة اعتقال أفراد من عائلة كينغستون بتهمة الاحتيال وتبييض الأموال بـ”بالنسخة الثانية من حادثة اعتقال رجل الأعمال التركي إيراني الأصل رضا ضراب في الولايات المتحدة بتهمة تشكيل شبكة فساد وتبييض أموال دولية مع عائلة ورجال أردوغان لخرق العقوبات الأمريكية على إيران، بل أكبر منها وأشد وطأة على عائلة أردوغان”، على حد تعبيره، وذلك في سلسلة تغريادات نشرها عبر حسابه على موقع تويتر.
وأردف الكاتب الصحفي الليبرالي المقيم في الولايات المتحدة بقوله: “لا أبالغ فيما أقول.. لعل أنقرة ترتجف وتهتز بسبب هذه الحادثة؛ ذلك لأن السلطات الأمريكية اعتقلت شخصيات خطيرة للغاية لها صلات وثيقة مع أردوغان وصهره برات ألبيراق. ومن الممكن أن تكشف النيابة الأمريكية في وقت لاحق عن أهم خيوط العمليات المظلمة التي تنفذها عائلة أردوغان في الولايات المتحدة”، على حد قوله.
علاقات حميمة مع أردوغان
وأكد أوسلو أن سزجين باران كوركماز، رجل الأعمال التركي المقرب لأردوغان، الذي اشترى قبل عامين خطوط “بورا جت” الجوية بمساعدة ليف أسلان درمين، شريك إخوة كينغستون، هو ذراع شركة “واشاكي” العاملة في مجال الطاقة المتجددة، مقرها في ولاية يوتا، المملوكة للشقيقين الأمريكيين المعتقلين بتهمة الاحتيال وتبييض الأموال. ومن ثم نشر وثيقة تركية رسمية باللغة الإنجليزية تثبت الشراكة بين الطرفين.
ونعت أوسلو العلاقة بين الإخوة كينغستون وعائلة أردوغان بـ”الحميمة والوثيقة”، ثم زعم قائلاً: “الإخوة كينغستون يقوم بحل المشاكل التي تواجه شركتهم عن طريق تقديم رشاوى، كما يفعل رئيسهم أردوغان في تركيا. الإخوة كينغستون كانوا من أهم الوسطاء الذين ينفذون أقذر العمليات الاستخباراتية لأردوغان في أمريكا”.
وضرب أوسلو مثالا على هذه العمليات الأردوغانية في الولايات المتحدة التي وصفها بـ”القذرة”، بكل من سزجين باران كوركماز وأكيم ألبتكين؛ رجلي الأعمال التركيين المقربين من أردوغان، حيث إن المدعي العام الأمريكي “روبرت مولر” كان دعاهما إلى النيابة العالمة للاستجواب، بتهمة عرضهما على رئيس المخابرات المركزية الأمريكية السابق “جيمس وولسي” 10 ملايين دولار في سبتمبر/ أيلول 2016 ليقوم بإطلاق دعاية سوداء لتشويه سمعة فتح الله كولن، بتكليف من أردوغان، كما ورد في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في أوكتوبر 2017.
يبدو أن القبض على الإخوة كينغستون وهم يستعدون للفرار إلى تركيا عملية تتعلق بجرية الاحتيال وغسيل أموال سوداء في الوهلة الأولى، إلا أن التحقيقات الأمريكية المستمرة في هذا الصدد من الممكن أن تكشف عن تداعيات سياسية واستخباراتية في الأيام القادمة تطال أفراد عائلة أردوغان، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان وصهره برات ألبيراق، الذي سبق أن شغل منصب وزير الطاقة ويشغل حاليا منصب وزير المالية، وذلك خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الأزمة الناشبة بين واشنطن وأنقرة بسبب تحايل الأخيرة على الأولى في اختراق العقوبات على إيران والتي تقدم للرأي العام وكأنها أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون.
ولعل هذا هو السبب الذي حمل كثيرًا من وسائل إعلام السلطة الحاكمة في تركيا، وعلى رأسها صحيفة “حريت”، التي اشتراها مؤخرا رجل أعمال مقرب من أردوغان، على حذف الخبر المتعلق باعتقال الإخوة كينغستون في الولايات المتحدة.
تمكن موقع “زمان التركية” من أخذ صورة عن الخبر الذي نشرته صحيفة حريت قبل حذفها