علي بولاج
لم يكن العرب قبل الإسلام يؤمنون بوجود الآخرة والبعث بعد الموت، على الرغم من إيمانهم بوجود الله، وكان هذا أحد الأسباب التي دفعتهم لرفض النبوة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] إن من يؤمن بالآخرة لايأكل حقوق الآخرين، ويمكن لنا أن نشاهد مثال ذلك في حياتنا اليومية، ومن ينتهكون القانون والحقوق يتهربون من المحاسبة عما فعلوه في الحياة الدنيا، وإذا كانت قوة السلطة السياسية واللوائح القانونية والمميزات الاجتماعية والاقتصادية والفوارق المتوارثة أو الطارئة بعد ذلك، تصب في مصلحتهم، فإنهم يريدون ألا يحاسَبوا على ما يفعلونه في هذه الدنيا.[/box][/one_third]ذلك أن منطقهم العقلي كان يقول إن جسد الإنسان يدفَن بعد الموت، ثم يبلى ويختلط بالتراب مع مرور الوقت، ولم يكونوا يتخيلوا أنه من الممكن أن يُعاد إحياء الموتى من خلال عناصر تتجمع مع بعضها البعض، وبما أنه من المستحيل أن يجري تركيب الجسد من جديد بعدما ووري الثرى وبلي، فلم يكن من الضروري أن يكون هناك نبي أو رسول يحذرهم وينبههم بشأن مايفعلونه في الحياة الدنيا، ومع ذلك كان هناك سبب آخر لإنكار البعث والآخرة.
إن من يؤمن بالآخرة لايأكل حقوق الآخرين، ويمكن لنا أن نشاهد مثال ذلك في حياتنا اليومية، ومن ينتهكون القانون والحقوق يتهربون من المحاسبة عما فعلوه في الحياة الدنيا، وإذا كانت قوة السلطة السياسية واللوائح القانونية والمميزات الاجتماعية والاقتصادية والفوارق المتوارثة أو الطارئة بعد ذلك، تصب في مصلحتهم، فإنهم يريدون ألا يحاسَبوا على ما يفعلونه في هذه الدنيا، وقد كان مشركو مكة على هذه الحال، ولم يكونوا يريدون أن يحاسَبوا بعد الموت على ما فعلوه في الحياة الدنيا، على الرغم من إيمانهم بوجود الله، ولهذا السبب كانوا ينكرون الآخرة، والتناقض هو أنهم كانوا يؤمنون بوجود الله من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا يقولون إن الله لا يتدخل في أي فعل يقومون به، وأنهم لن يبعثوا بعد الموت للحساب، وقد رفض الله هذا الادعاء الكاذب، وقال في كتابه الكريم: “وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (النحل – 38).
إن البعث بعد الموت وحياة الآخرة أمران ضروريان، ولو لم تكن الآخرة، لكانت هذه الحياة الدنيا ناقصة وانقطعت هذه العملية التي بدأت بالفعل في هذه الحياة قبل أن تكتمل، وهذا لا يبدو ممكنًا منطقيًا، لأن الروح خالدة، ولذلك في داخلنا شعور بالخلود بسبب خلود الروح التي توجد ممتزجة بطبيعتنا الدنيوية، نعلم، بلا أدنى شك، أننا سنموت، وأن أجسادنا ستوارى الثرى وتبلى، لكننا في الوقت نفسه نحمل مشاعر وتوقعات أبدية، وكأننا سنخلد ولن نموت، وهذا الأمر يعد مؤشرًا واضحًا على أن الحياة التي بدأناها هنا في الدنيا لها استكمال في مكان آخر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لقد غُطيت الحقيقة في الدنيا بعدد لامتناه من الأستار، فعندما نحل لغزا، يبدأ لغز جديد، وفي عالم الوجود هناك سر داخل كل لغز، والأكيد أنه لا توجد أية حقيقة ستظهر بشكل كامل في هذه الدنيا، بل إننا نفني عمرنا في البحث عن الحقيقة، وهذه هي وظيفتنا الأساسية، أما الآخرة فهي المكان الذي ستُبلى فيه السرائر وستعلِن فيه الحقيقة عن نفسها بكل تفاصيلها.[/box][/one_third]الأبعد من ذلك أننا نقع في اختلاف وجهات النظر في عدد لا نهائي من المواضيع، إن الوصول إلى نتيجة أكيدة بشأن مواضيع النقاش الدائرة على مدار التاريخ بين أتباع المدارس والأنظمة الفكرية المتباينة أو حتى بين أتباع الديانات المختلفة، سواء فيما يتعلق بالوجود والإنسان والمعرفة ومعنى الحياة والمعايير الأخلاقية وقيمة تصرفاتنا والمشاكل السياسية وغير ذلك، لن يتحقق إلا من خلال ظهور هذه الأمور بشكل واضح وجلي. ولنفترض أن هناك شخصين يتناقشان حول ماهية الأصوات والضوضاء القادمة من خلف جدار ما، وأنهما لم يصلا إلى رأي مشترك بعد محاولات عديدة، حينئذ، لن يكون من الصحيح محاولة حل هذا الخلاف عبر مواصلة النقاش، بل من الواجب أن نذهب إلى ما خلف الجدار لنرى حقيقة هذه الأصوات بـ”عين اليقين” ،ولقد غُطيت الحقيقة في الدنيا بعدد لامتناه من الأستار، فعندما نحل لغزا، يبدأ لغز جديد، وفي عالم الوجود هناك سر داخل كل لغز، والأكيد أنه لا توجد أية حقيقة ستظهر بشكل كامل في هذه الدنيا، بل إننا نفني عمرنا في البحث عن الحقيقة، وهذه هي وظيفتنا الأساسية، أما الآخرة فهي المكان الذي ستُبلى فيه السرائر وستعلِن فيه الحقيقة عن نفسها بكل تفاصيلها.
إن المحكمة الكبرى هو المصطلح الذي نطلقه على ما سنشهده في الآخرة، حيث سينتهي الظلم الذي يستمر في الدنيا بالعدالة المحضة، ويُعاد الحق إلى من اغتصِب منه، وإلى الذين ظٌلموا وانتبذوا وتعرضوا للضغوط والممارسات الجائرة، أي أنها المحكمة العظيمة التي ستتحقق فيها إقامة العدل الكامل .
الأمر نفسه ينطبق على الطلبات التي لم تُنجز، والرغبات المكبوتة التي لم تُشبع، والاحتياجات التي لم تُقض، والأشواق والحنين التي لايصل الإنسان إليها، وآلام العشق والحب التي لم تكلل بالوصال، والمعاناة التي أثقلت كاهل البعض بالاضطرابات الناتجة عن الفقر والحرمان،والآخرة هي المكان الذي ستنتهي فيه كل هذه الأشكال من المعاناة كذلك.
وباختصار، فإن وجود الآخرة ضروري، ولولا وجود الله واليوم الآخر لكانت هذه الحياة الدنيا شيئا لا يطاق، ولتحولت هذه الدنيا إلى غابة تعيش فيها حيوانات أو أناس يشبهون الحيوانات حيث يأكل القوي الضعيف والكل يلهث وراء الشهوات والملذات لينال منها أكبر قدر يستطيع نيله، حيث الحياة الاجتماعية بلا أية مسؤولية. وإن الآخرة هي المكان الذي سيُخزىَ فيه من كذبوا بها، وهربوا من المحاسبة أمام القانون، وتستروا على جرائمهم، وهناك ستشهد أعضاء أجسادهم التي استغلوها كأداة لتنفيذ جرائمهم عليهم.