برلين (زمان التركية)ــ قدم الكاتب عاطف السعداوي في مقال له بموقع (العين الإخبارية) ثلاث سيناريوهات تحكم إمكانية بقاء الرئيس الأمريكي في منصبه أو مغادرته للبيت الأبيض، معتبرًا أن فرص ترامب في نجاح أي منها تبدو ضعيفة للغاية.
وجاء في المقال: كان السؤال الرئيسي الذي احتل العناوين الرئيسية لمعظم وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأيام الثلاثة الماضية هو: هل يعزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من منصبه؟ وذلك على خلفية توجيه القضاء الأمريكي تهماً من العيار الثقيل للمدير السابق لحملة ترامب الانتخابية “بول مانافورت”، وكذلك تخلي محاميه السابق “مايكل كوهن” عنه وتعاونه مع فريق المحققين الفيدراليين واعترافه بانتهاكه لقانون تمويل الحملات الانتخابية بطلب من موكله.
بحث احتمالات بدء إجراءات العزل بحق الرئيس الأمريكي لم يقف فقط عند وسائل الإعلام الأمريكية، لكنه انتقل بطبيعة الحال إلى سوق المراهنات، حيث شهدت شركات المراهنات الأمريكية والأوروبية الكبرى حركة متزايدة على رهانات تتوقع نهاية مبكرة لرئاسة ترامب، سوق المراهنات لم يكن قاصراً على الغرب فقط بل انتقل إلى منطقة الشرق الأوسط، وإن اختلفت طبيعة المراهنين وطبيعة ما يراهنون به رغم الاتفاق على طبيعة ما يراهنون عليه، ففي أمريكا وأوروبا كان المراهنون أفراداً عاديين راهنوا بأموالهم الخاصة طمعاً في مكسب معتاد أو خسارة متوقعة في أسواق التوقعات السياسية والمالية، لكن في الشرق الأوسط كان المراهنون حكاماً قامروا بشعوبهم وراهنوا بأموالهم طمعاً في إطالة أمد سياسات تخريبية أو ضمان استمرار أحلام التوسع والهيمنة أو إزاحة أي عائق أمام دعم الإرهاب والإرهابيين، ولعل اهتمام “نظام الحمدين” في قطر و”نظام الملالي” في إيران و”نظام الخلافة المزعومة” في أنقرة بمستقبل الرئيس الأمريكي يوازي، إن لم يكن يفوق، اهتمام الشعب الأمريكي ذاته بمصير رئيسه.
وبالعودة إلى السؤال الرئيسي المتعلق بمصير الرئيس الأمريكي، أعتقد أن إمكانية بقائه في منصبه أو مغادرته للبيت الأبيض دون إكمال مدة رئاسته رهينة بثلاثة سيناريوهات لا رابع لها، وفي تقديري الشخصي أن فرص نجاح أي من السيناريوهات الثلاثة في إخراج الرئيس الأمريكي من مكتبه البيضاوي قبل عام 2020 تبدو ضعيفة للغاية.
السيناريو الأول يتعلق بإمكانية عزل الرئيس الأمريكي عبر الكونجرس.. وهي عملية في غاية التعقيد تبدأ في مجلس النواب وتنتهي في مجلس الشيوخ، وهي وإن كانت ممكنة في مجلس النواب بحكم أنها تتطلب موافقة الأغلبية البسيطة للأعضاء (50% +1)، إلا أنها تبدو صعبة للغاية في مجلس الشيوخ الذي يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، وبالنظر إلى تركيبة المجلسين حالياً التي يسيطر عليهما الجمهوريون تبدو مسألة اكتمال نصاب الموافقة على عزل شبه مستحيلة، لا سيما في ظل أن الفكرة لا تلقى صدى كبيراً حتى في وسط الديمقراطيين، فيما يرفضها الجمهوريون بشكل قاطع، وحتى في حالة نجاح الديمقراطيين في استعادة مجلس النواب بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، وإذا ما قرروا الرضوخ للضغوط السياسية والإعلامية وأطلقوا إجراءات عملية العزل ونجحوا في تمريرها في مجلس النواب، فإنه من الصعب تمريرها في مجلس الشيوخ حتى وإن نجح الديمقراطيون في السيطرة على المجلس بعد التجديد النصفي، لأنهم سيحتاجون إلى 17 عضواً جمهورياً على الأقل في ظل اشتراط موافقة ثلثي أعضاء المجلس، وهو ما يبدو أنه أمر شديد الصعوبة في ظل ما قد يواجهه الجمهوريون من ردود عنيفة من مؤيدي ترامب ومن قواعدهم الانتخابية إن قرر بعضهم الانضمام إلى جهد الديمقراطيين، وهذا السيناريو هو ذاته ما حدث مع رئيسين أمريكيين تم توجيه الاتهام إليهما من قبل مجلس النواب قبل أن يبرئهما مجلس الشيوخ، وهما أندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998.
السيناريو الثاني يتعلق بإمكانية عزل الرئيس الأمريكي عبر تفعيل التعديل الـ25 في الدستور الأمريكي، وهو سيناريو مستبعد تماماً ولا سوابق تاريخية له ويبدو أصعب بكثير من عزل الرئيس عبر الكونجرس، فقد تم اعتماد هذا التعديل عام 1967، ليقدم حلاً دستورياً حال فقدان الرئيس الأهلية بتعرضه للإصابة أو المرض، عندما رأى أعضاء من الكونجرس أن رئيساً مصاباً ويعيش في غيبوبة قد يظل هو المسؤول الوحيد المتحكم في الترسانة النووية للبلاد، وذلك على خلفية اغتيال الرئيس كيندي عام 1963، وتقول المادة الرابعة من التعديل إنه في حال قرر نائب الرئيس وأغلبية الحكومة أن الرئيس “غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات ومهام منصبه”، فإنه يكون بإمكانهم إخطار الكونجرس أن يتولى نائب الرئيس المسؤولية؛ وإذا ما اعترض الرئيس على القرار، عندئذ يمكن للكونجرس أن يصوت على الأمر، وفي تلك الحال فإن أغلبية الثلثين في كلا من مجلسي النواب والشيوخ تكون لازمة للإطاحة بالرئيس من منصبه، أي أن الأمر سيعود مرة أخرى للكونجرس بمجلسيه كما هو في السيناريو الأول، وإن كان بشروط أكثر تعقيداً، هذا بالإضافة إلى أن هذا التعديل الدستوري قد صِيغ بناء على تصور أن يكون عدم الأهلية سببه مرض طبي وليس عدم أهلية للمنصب بشكل عام أو “عدم الشعبية” أو “ضعف التمييز” أو “عدم الكفاءة” أو “السلوك الإجرامي”، ولهذا يبدو اللجوء لهذا السيناريو للإطاحة بترامب من منصبه ضرباً من المستحيل.
السيناريو الثالث والأخير هو لجوء ترامب إلى الاستقالة وتخليه طواعية عن منصبه قبل نهاية 2020، على غرار ما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيسكون عام 1974، لكن هذا السيناريو رهين بأمرين: أولهما تآكل الدعم الجمهوري لترامب كما حدث مع نيكسون قبل استقالته ففضل الاستقالة لتجنب عزله الذي كان محتوماً بسبب فضيحة ووترجيت، وهو أمر يبدو مستبعداً إلى حد كبير مع ترامب في ظل الدعم اللا محدود الذي يلقاه من أعضاء حزبه، وثانيهما بروز قضايا جديدة تزيد من تورط ترامب، وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبدو ممكناً وقد تكون فرص تحققه أكبر من السيناريوهين السابقين، ولكن ربما كانت فرص النجاح هذه ستتضاعف لو كنا أمام رئيس أمريكي آخر غير ترامب، ولكن يبدو الأمر صعباً في ظل وفي كل الأحوال فإن هذا السيناريو أيضاً صعب في ظل وجود رئيس أمريكي غير تقليدي، يجيد لعبة المواجهات ولا يخشى مواجهة الخصوم، ويتقن تلقي الضربات، ويتبنى مع خصومه استراتيجية الهجوم خير وسيلة للدفاع، ولعل هذا ما تجلى قبل أسابيع قليلة، فبعد قمته الشهيرة في هيلسينكي الشهر الماضي مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، وما شهدته من تصريحات له فتحت أبواب الانتقادات النارية ضده من الديمقراطيين والجمهوريين على حد السواء، بعدما تبنى وجهة النظر الروسية فى مسألة التدخل فى الانتخابات الأمريكية لعام 2016، وهاجم الاستخبارات الأمريكية و”الإف بي أي” لاستنتاجاتها فى هذه القضية، بدا المراهنون واثقين بشكل كبير بأن ترامب سوف يستقيل من منصبه قبل نهاية 2020. و ارتفعت الرهانات على استقالته إلى 7 مقابل 1 بعد القمة بعد أن كان 20 مقابل 1 قبلها، لكن ترامب لم يبدِ أي مؤشر على استعداداه للخروج من البيت الأبيض، بل إنه قال في مقابلة مع قناة CBS وقتها إنه يتطلع إلى انتخابات 2020 على أن يكون منافسه فيها الديمقراطي جو بايدن.
وفي تقديري الشخصي أن فرص ترامب في تجاوز كل سيناريوهات عزله أو دفعه للاستقالة قائمة وبقوة، وكذلك تبدو فرص فوزه في انتخابات 2020 إذا قدر له خوضها.