تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – بدأ المحللون يتحدثون عن احتمالية إقدام كل من تركيا وإيران على تشكيل محور مشترك، مع ضمّ دول أخرى، من أجل مواجهة سيل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليهما الولايات المتحدة الأمريكية.
حاول الباحث والأكاديمي التركي “محمد ييجين” رصد تطورات الأزمة بين واشنطن وكل من أنقرة وطهران وتداعياتها المحتملة على مستقبل البلدان الثلاثة في المستقبل القريب والبعيد، وذلك في مقال نشره موقع “أحوال تركية”.
وقال ييجين إن تركيا وإيران أعلنتا التضامن المشترك من أجل تخطي أزمة العقوبات التي تفرضها عليهما الولايات المتحدة، وأكد أن هذا الأمر دفع بعض المراقبين لتوقع شيء أشبه بما يمكن أن يطلق عليه “محور المقاطَعين” في مواجهة الولايات المتحدة، متوقعين أن تنضمّ إلى هذا المحور دول أخرى في وقت لاحق مثل روسيا والصين.
غير أن ييجين رجح أن أي تقارب بين تركيا وإيران يأتي في صورة رد فعل إزاء عقوبات الولايات المتحدة ضدهما سيقتصر على أمور بعينها وسيكون أمده قصيرًا، ما يعني أننا لسنا أمام التزام قوي طويل الأمد بين البلدين المعاقَبين.
وتطرق ييجين إلى القضايا التي قد يحدث فيها تقارب بين إيران وتركيا، ورأى أن تقاربًا محتملاً بين الطرفين سيقتصر على استعراض رمزي للتضامن ضد العقوبات الأميركية والقتال ضد المساعي الانفصالية للأكراد في كلا البلدين.
تطرق ييجين بعد ذلك إلى مجالات التعاون بين تركيا وإيران، قائلاً: “بعد أسبوع واحد من إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، استضاف أردوغان ومحافظ البنك المركزي التركي وفدا إيرانيًّا، وأعلن البلدان اتفاقا ثنائيًا على أن يكون التبادل التجاري فيما بينهما بالعملتين المحليتين وليس بالدولار الأميركي”.
وأعاد للأذهان أن وزير الطاقة التركي فاتح دونميز قال إن أنقرة ستستمر في شراء الغاز الطبيعي من إيران، وإنه سيكون من الصعب توفير بدائل لصادرات إيران من مصادر الطاقة. فيما أدان مسؤولون إيرانيون موقف ترامب من تركيا وعبروا عن التضامن مع البلد الجار.
ولفت الباحث التركي أيضًا إلى توصُّل تركيا وإيران لاتفاق يتعلق بأمن الحدود وتبادل المعلومات المخابراتية فيما بينهما بخصوص حزب العمال الكردستاني وفرعه الإيراني حزب الحياة الحرة الكردستاني أو منظمة بيجاك التي يتهم بعض المسؤولين الإيرانيين المخابرات الأميركية بتمويلها.
وأردف الباحث: “تثير الأقلية الكردية حفيظة المسؤولين الإيرانيين بشدة مع تنامي التوتر وازدياد القلاقل بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية ومستوى العداء المتزايد الذي تبديه إدارة ترامب في مواجهة إيران. كما أن خطط تركيا لشن عمليات ضد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وسنجار داخل العراق تحتاج لدعم إيراني لتحقق أهدافها. لذا فلكلا البلدين مصلحةٌ في العمل المشترك. غير أن الضغط الخارجي على تركيا وإيران لا يغير حقيقة الخصومة الجيوسياسية القائمة بينهما منذ قرون في المنطقة. والتجارب السابقة تؤكد أن للتقارب بينهما حدودًا لا تتجاوزانها. لقد دفعت فترات سابقة من الضغط الأميركي على إيران كلاً من أنقرة وطهران للتقارب فيما بينهما، وعمل البلدان معًا ضد حزب العمال وحزب الحياة الحرة الكردستانيين. لكن لابد هنا من التذكير بأن إيران سبق لها أن فتحت حدودها أمام عناصر حزب العمال الكردستاني، وساعدت المسلحين على التسلل إلى داخل الأراضي التركية في مقابل وقف لإطلاق النار مع حزب الحياة الحرة، أو ربما لكسب ورقة مساومة في مواجهة أنقرة. تركيا هي الأخرى دعمت مسلحي المعارضة السورية في وجه الحكومة السورية التي تساندها إيران”، في إشارة منه إلى التحديات التي تواجه هذا المحور التركي الإيراني المحتمل ضد أمريكا.
واستدرك الأكاديمي التركي محمد ييجين بقوله: “غير أن تركيا عملت بجد واجتهاد في محاولة لحل الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني، واقترحت اتفاقا لتبادل الوقود كسبيل لإنهاء الأزمة. وصوتت تركيا ضد فرض عقوبات على إيران في مجلس الأمن الدولي. لكن إيران، رغم كل المساعي التركية، لم تمنح تركيا أبدا التقدير الذي تستحقه ولم تسمح لأنقرة بأن تكون جزءا من المفاوضات”.
وأكد ييجين أنه لو وصل الصراع بين تركيا والولايات المتحدة لحدّ القطيعة الكاملة فإن تركيا قد تتقارب أكثر مع إيران، لكن الاحتمال الأكثر واقعية هو أن تستخدم الحكومة التركية الود الذي يجمعها الآن بإيران كورقة مساومة في مفاوضاتها مع واشنطن.
شدد ييجين أيضًا عل أن الولايات المتحدة سترغب في دعم تركيا لكي تنجح سياستها في تشديد العقوبات على إيران، وإن وصلت الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة لنقطة الحل، فإن أنقرة لن ترغب في أن تصبح هدفا لعقوبات أخرى بسبب تجارتها مع إيران.
ثم اختتم مقاله المنشور في موقع “أحوال تركية” بالقول: “الأرجح هنا أن تسعى تركيا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الأكثر عمقًا”.